العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ

لارسون في «السهر على رأس الميت»... وغرق السفينة لوسيتانيا

تصادف مئويتها 7 مايو الجاري...

إيريك لارسون في منزله بمنهاتن
إيريك لارسون في منزله بمنهاتن

بعض الأعمال التي ترصد التاريخ الحديث، تتطلَّب من المتصدِّين لها بذل جهد شاق يكاد لا يقل عن الجهد الذي يبذله عُمَّال المناجم، ومن هم في النوعية من أعمالهم، وربما أكثر من ذلك، بالضغط النفسي والجهد الذهني الذي يبذلونه، وانعكاس كل ذلك بطبيعة الحال على الجانب الجسدي.

لا تُحقق تلك النوعية من الأعمال وغيرها النجاح الكبير من فراغ؛ بل بحرصها واحتوائها على جهد بحثي ومعرفي لافت، يمنحها تلك الريادة، وتحقيق التميُّز والإضافة التي تؤهلهم لتصدُّر قوائم أكثر الكتب مبيعاً لأسابيع، وأحياناً لشهور.

الكاتب والمؤرخ الأميركي، إريك لارسون من تلك النوعية، في كتابه الأخير «السهر على رأس الميت»، الذي تتبَّع فيه القصة الغامضة لغرق السفينة البريطانية «لوسيتانيا»، أمام سواحل أيرلندا. استغرق العمل على مشروع كتابه 5 سنوات كاملة. وبحسب التقرير الذي كتبتْه ألكسندرا ألتر، في صحيفة «نيويورك تايمز»، يوم الاثنين (9 مارس/ آذار 2015)، أمْضى لارسون «عامين يُغربل مواد المصدر في مناطق توزَّعت على الدنمارك، لندن، ليفربول، وكامبريدج، بإنجلترا. دَرَسَ برقيات الحرب التي تم اعتراضها، وكُتُب الشيفرات المُستخدمة من قبل الجيش البريطاني، ورسائل الحب، واليوميات، وتقارير التشريح وصور المشرحة، وشهادات الناجين التي تم الإدلاء بها خلال المحاكمة بعد وقوع الكارثة، وأكثر من 180 صفحة من مطالبات التأمين تقدَّم بها الناجون الذين فقدوا المخطوطات النادرة التي كتبها تشارلز ديكنز، وكذلك رسومات وليام ثاكيراي». هنا أهم ما جاء في التقرير، مع هوامش واستدراكات من محرر «فضاءات».

الشاهد الذي أطلق الطوربيد

بعد ظهر يوم صحو قبل نحو 100 عام، بدأت سفينة رُكَّاب بريطانية الغرق قبالة سواحل أيرلندا... مع مرور الوقت بدتْ كما لو أن المحيط ابتلعها واستقرَّت في قاعه.

«كان الناس يُهرعون وفي حال يأس بلا حول ولا قوة، أعلى وأسفل طوابق السفينة». كتب شاهد عيان وقتها: «كان ما رأيت هو الأفظع أكثر من أي وقت مضى، وكان من المستحيل من جانبي أن أقدِّم أي نوع من المساعدة».

كان الشاهد هو من أطلق الطوربيد باتجاه السفينة، قائد الغواصة الألماني، والتر شويغر. أسفر حادث السفينة لوسيتانيا عن مقتل 1198، من أصل 1959 كانوا على متْنها، في واحدة من أكثر الكوارث البحرية دماراً في التاريخ.

وبإشارة عابرة هنا نتناول تفصيلها لاحقاً، نُذكِّر بأن إريك لارسون، من بين مؤلفي الكتب الأكثر مبيعاً، ومن بينها «الشيطان في المدينة البيضاء»، التي تحوَّلت إلى فيلم سينمائي.

بعد 95 عاماً، تم تقديم يوميات شويغر المثيرة في معهد هوفر بجامعة ستانفورد. العقدة التي وَسَمَتْ شخصية شويغر فتنتْ لارسون، وساعدته على الاقتناع بأنه وجد موضوعاً لكتابه المقبل.

خمس سنوات وثمانية مشاريع في وقت لاحق، أثمرت عن كتاب لارسون الجديد «السهر على رأس الميت» الذي تم إطلاقه يوم الثلثاء (10 مارس 2015)، عن دار «كراون»، وتم سبْكه برصانة ليكون واحداً من أكبر وأهمِّ العناوين غير القصصية لهذا العام.

الرعب الجيوسياسي

يُحوِّل لارسون الدمار الفعلي الذي حاق بـ «لوسيتانيا»، إلى نوع من أفلام الرعب الجيوسياسي، وكتابه من نمط الأعمال الذكية التي اشتغل عليها جيمس كاميرون في عمله الرائع «تايتانيك» وستيفن سبيلبرغ في «الفك المفترس»، التقاطاً لذلك التهديد غير المرئي، والذعر الذي تسبِّبه غوَّاصة بين البحَّارة، تماماً مثل قرش أبيض ضخم وضال.

قفز كتاب «السهر على رأس الميت» إلى المركز الأول على قائمة «أمازون» لأفضل الكتب مبيعاً لعدة أيام قبل صدوره. النسخ التي ستطبعها دار «كراون» تصل إلى 250 ألف نسخة؛ علاوة على ترتيب جولة للارسون في 24 مدينة سيتم فيها توقيع الكتاب.

وعلى رغم أن «لوسيتانيا» تبدو مثل قصة مثالية للارسون، الذي تخصَّص في الروايات التاريخية التي تذهب تقنيتها باتجاه استثارة القارئ، وطبيعة الانفعال والضغط النفسي الذي يلازم الشخصيات التي يتناولها، حيث الأدرينالين في أوْجه (في إصداراته السابقة كتب عن السفاحين، والطبيب القاتل)، أوضح أنه كان متردِّداً في معالجة هذا الموضوع في بداية الأمر.

وقال لارسون (61 عاماً) أثناء مقابلة أجريت معه مؤخراً في شقته بـ «أبر إيست سايد» التي تُطلُّ على سنترال بارك: «لقد كان الكتاب وفقاً للمعايير لديَّ. أنا عادة أبحث عن قصص تكتنفها حواجز أمام المؤدَّى إلى المدخل. أبحث عن أمر مُعقَّد بما فيه الكفاية بحيث لا أحد سيقوم بفعله».

ولكن عندما بدأ لارسون قراءة محفوظات وأرشيف جامعة ستانفورد، أدرك بأنه لم يكن يعرف الكثير عن غرق لوسيتانيا، وحتى ذلك القدر مما كان يعتقد أنه يعرفه، اكتشف لاحقاً أنه غير صحيح. وعندما أحضر له موظف المحفوظات لوحاً من قارب نجاة مُحطَّم من «لوسيتانيا»، اعتبر ذلك دافعاً ومُشجِّعاً له على الاستمرار في التنقيب عن القصة.

البحث عن العلَامة

وقال لارسون: «أنا دائماً ما أبحث عن علامة وليس عن حيّز شبحي؛ ليس بطريقة خارقة للطبيعة، بل أبحث عن النوع الذي يتلاءم مع طريقة الكاتب العُصَابي».

أمضى العامين اللاحقين يُغربل مواد المصدر في مناطق توزَّعت على الدنمارك، لندن، ليفربول، وكامبريدج، بإنجلترا. درس برقيات الحرب التي تم اعتراضها، وكُتُب الشيفرات المُستخدمة من قبل الجيش البريطاني، ورسائل الحب، واليوميات، وتقارير التشريح وصور المشرحة، وشهادات الناجين التي تم الإدلاء بها خلال المحاكمة بعد وقوع الكارثة، وأكثر من 180 صفحة من مطالبات التأمين التي تقدَّم بها الناجون الذين فقدوا المخطوطات النادرة التي كتبها تشارلز ديكنز، وكذلك رسومات وليام ثاكيراي.

وأوضح لارسون أن الأمر يشبه التوُّرط في قصة بوليسية، بحثاً عن ذلك الشيء الذي لم يجده أحد آخر».

وحدة مراجعة الكتب بصحيفة «نيويورك تايمز» نشرت يوم الأحد (الأول من مارس الجاري)، مراجعة بقلم المؤلف والمؤرخ هامبتون سايدس قال فيها «من وجهة نظر المعرفة أو الدراما البشرية، ليس هناك الكثير مما يمكن أن نعتبره قاعدة أساسية جديدة هنا».

وبحسب مايك بوارييه، أحد المتحمِّسين لـ «لوسيتانيا»، وشارك في تأليف كتاب عن الحرب العالمية الأولى «الكوارث البحرية»، فإنه «في مئة سنة، لم يكن هناك سوى ثلاثة كتب جيدة إلى أن جاء إيريك لارسون متصدِّراً التناولات».

الصيَّاد والطريدة

من جانبها، كتبت أكبر دار نشر في بريطانيا (راندوم هاوس) على موقعها الإلكتروني، متناولة «السهر على رأس الميت» بالقول: «إنها تلك القصة التي تحيلنا إلى كثيرين منا...

باعتقاد أننا نعرف، ولكننا عكس ذلك، ولارسون يقول ذلك بشكل مثير، متحوِّلاً بين صيَّاد وطريدة، في حين يرسم صورة أكبر لأميركا في ذروة العصر التقدُّمي. إنه السحر والتشويق المُترعان».

وأضافت «راندوم هاوس» «الكتاب جارف ومهم يلتقط الدراما الهائلة، والقوة العاطفية للكارثة التي لطالما تم حجب تفاصيلها، والمعنى الحقيقي والحميم لها في التاريخ.

في حين ذكَرَ موقع «A.V. Club» أن كتاب «السهر على رأس الميت» لا يستردُّ تماماً سحْر «الشيطان في المدينة البيضاء»، إلاَّ أنه أقوى عمل للارسون مُذَّاك. وعن طريق التفكيك، يضعنا أمام كيف أن السياسة والاقتصاد، والتكنولوجيا؛ وحتى الطقس مجتمعين، يمكنهم إنتاج حدث مما يبدو أنه لا مفرَّ منه، ومن غير المحتمل حدوثه في الوقت نفسه. إنه يقدِّم نظرة جديدة على كارثة هزَّت العالم».

يشار إلى أن «الشيطان في المدينة البيضاء»، تحوَّل إلى فيلم سينمائي جسَّد البطولة فيه ليوناردو ديكابريو، في إطار قصة بوليسية تتناول الحياة في شيكاغو في العام 1893، ويلعب فيه ديكابريو دور القاتل «إتش إتش هولمز» الذي يرتكب سلسلة من جرائم القتل، ويعترف بعدد منها قبل وفاته في العام 1896. وساعد «هولمز» في ارتكاب جرائمه جاذبيته التي مكَّنتْه من نساء لا يمكن إحصاؤهن، وتفاوت عدد ضحاياه بين 27 و 200 ضحية.

ويأمل ناشر لارسون في توسيع قاعدته الجماهيرية من خلال الاستفادة من الذكرى المئوية لغرق السفينة (غرقت في 7 مايو/ أيار 1915).

يُذكر، أن إريك لارسون صحافي وقاص وكاتب أميركي ولد في بروكلين بتاريخ 3 يناير/ كانون الثاني 1954، وترعرع في «فري بورت» بـ «لونغ آيلاند» بنيويورك. درس التاريخ الرُّوسي في جامعة ولاية بنسلفانيا، وتخرَّج بامتياز مع مرتبة الشرف في العام 1976. بعد سنة من الانقطاع عن الدراسة، التحق بكلية الدراسات العليا في الصحافة بجامعة كولومبيا، وتخرَّج في العام 1978.

العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً