العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ

المرأة البحرينية بين الماضي والحاضر...

اختلف كل شيء في زمننا المعاصر وأصبح الإنسان منا يعيش حياة سريعة مليئة بالحركة والتقنيات الحديثة. أصبحنا نستشعر بالعولمة بكل تفاصيلها وبدأنا ننظر إلى الماضي ومعالمه بنظرة بعيدة وتاريخية. من خلال دراسة تحليلية بين المرأة قبل اكتشاف النفط والمرأة في الوقت الحاضر اتضحت لنا فروقات كثيرة بين نموذجين تباينت أساليبهما الحياتية والثقافية والاقتصادية.

لو عادت جدتي، خديجة بنت شيخ نصر العصفور المتوفية العام 1925م (كان والدها المسئول عن الشئون المالية للشيخ علي بن خليفة آل خليفة، حاكم البحرين العام 1868م، وقد تعلمت الكتابة والحساب على يد والدها، وخديجة هي والدة منصور محمد حسين العريض) وشاهدت حياتنا الحالية، فإنني أعتقد بأنها سوف تتوه لما ستراه من ناطحات السحاب والطرق السريعة الواسعة، والسيارات والطائرات. ربما تبحث عن البحر الذي كانت ترتاده، أو عيون الماء التي كانت تغسل ثيابها فيها، أو عن المزارع التي كانت تقضي أيام الصيف فيها، والحمير التي كانت تنقل الأدوات من مكان إلى آخر كوسيلة مواصلات. ربما أرادت أن تقضي وقتاً هادئاً في إحدى الداليات وسط النخيل والمحاصيل الزراعية الكثيرة الممتدة في الحزام الأخضر. سوف تُدهش حين ترى حفيداتها يسقن السيارات ولا يلبسن العباءة التقليدية، يخرجن من المنزل لوحدهن ويذهبن إلى العمل، ويعملن مع الذكور. ربما لا تعجبها فكرة أن تضع حفيدتها مساحيق الماكياج على وجهها أو تسافر لوحدها دون محرم، مستقلة مادياً وربما تعيش بمفردها في بعض الأحيان، لديها جهاز جوال في حقيبتها تحمله معها طوال الوقت وتتحدث بواسطته مع من تريد في أي وقت وفي جميع أنحاء العالم، وتستطيع أن تتواصل من خلال الانترنت مع من تريد في مختلف الشبكات الاجتماعية مثل الفيس بوك والتويتر، أمور لم تعرفها وقتها.

قد يكون هذا التحول مشابهاً لما حصل في العالم بأسره، ولكن منطقة الخليج وعلى وجه الخصوص البحرين مرت بتجربة غيّرت كل مناحي الحياة فيها بعد طفرة النفط. تختلف دول الخليج عن باقي دول العالم بتكوينة سكانها المحافظين، بأكثرية مسلمة تصل إلى 90 في المئة الذين يتعايشون بالقرب من بعضهم البعض في القرى والمدن. تعيش الأسر في عوائل ممتدة ويوجد فصل بين الرجال والنساء. وقد تعمل المرأة القروية في الحقول مع زوجها ولكنها لا تخرج من نطاق قريتها والقليل منهن يخرجن من مناطقهن.

إذا أردنا أن نتحدث عن بدء الحركة النهضوية في البحرين فلابد أن نشير إلى بعثة الارسالية الاميركية التي بدأت عملها التطوعي في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. يقول الأستاذ عبدالكريم العريض في كتابه (المنامة خلال خمسة قرون) «كانت بداية القرن العشرين بالنسبة لمدينة المنامة والتي مضت عليها أربعة قرون تتداولها الأيدي منذ أن كانت ميناء صغيرا إلى أن أصبحت مدينة يقطنها الغرباء. كانت تلك المدينة الصغيرة قابعة في مكانها وكانت البعثة التبشيرية الاميركية أولى المؤسسات التي بدأت أعمالها في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وكان الرجل الذي جاء من أقصى الأرض لكي يقيم أول مستشفى عصري في البحرين عرفه أهالي البحرين بضيف الله (صموئيل زويمر) أول مبشر تطأ قدمه البحرين. جاء ليبتاع قطعة ارض ليبني عليها أول مستشفى ومدرسة وكنيسة ومنزلاً لسكن البعثة، وكان ذلك في العام 1898م وأطلق على ذلك المستشفى مستشفى مايسون التذكاري».

من هنا بدأت الارسالية الاميركية عملها في توفير الرعاية الصحية والتعليمية لأبناء وبنات البحرين وساعد ذلك في رفع مستوى الوعي الصحي والتعليمي في البحرين. وكما قيل عنهم، فإن الارسالية كانت بالنسبة للكثيرين بمثابة ملاك الرحمة المرسل من السماء الذي داوى جراح الناس وانتشلهم من المرض والضياع.

ثم بدأ التعليم النظامي يأخذ مكانه في البحرين بافتتاح أول مدرسة للبنين في العام 1919م وأول مدرسة للبنات في العام 1928م وفي غضون أحداث الاستعمار والوجود الأجنبي للمنطقة بدأت الحركة الثقافية في البحرين بإنشاء أول نادٍ ثقافي للرجال وهو نادي «أوال» في العام 1913م وتلاه «النادي الأدبي» في المحرق.

يقول الباحث البحريني علي حسن تقي في دراسته عن تغير الحالة الاجتماعية للمرأة البحرينية The Changing Status of Women بأنه «ومنذ القرن التاسع عشر الميلادي كان المجتمع البحريني متقدماً ومنفتحاً على التأثيرات الخارجية بخلاف جيرانه، كون البحرين جزيرة تعبر من خلالها الثقافات المختلفة. كانت البحرين غنية اقتصادياً باعتبارها مركزاً لصيد اللؤلؤ في تلك الفترة. حجمها الصغير وموقعها الجغرافي وضعاها في موقع أكثر للتأثر بالعالم الخارجي. كان مجتمع البحرين أكثر استقراراً ولم يكن البدو ضمن التركيبة السكانية فيه مثل باقي الدول المجاورة، وجل سكانه هم من الشيعة الذين يقطنون القرى والمدن أما التجار السنة فيعيشون في المدن، ولكونها دولة صغيرة كان التواصل بين حياة القرية وحياة المدينة أكثر تمازجاً».

يضيف تقي بأنه يعتقد بأن أول ثورة في حياة المرأة البحرينية كانت في العام 1928م عندما بدأ التعليم النظامي بافتتاح أول مدرسة للبنات وهي مدرسة خديجة الكبرى، وأخذت العائلات بعض الوقت لكي تستوعب تعليم بناتها، ولكن سرعان ما أصبح تعليم الفتيات شيئاً ضرورياً عندما أصبحت الحاجة ملحّة إلى مدرسات للتدريس في مدارس البنات. في البداية كانت المدرسات يأتين من لبنان وسورية، وفي خضم التوسع في التعليم فُتحت فصول لإعداد المدرسات في البحرين. أخذت الفتاة تتطلع للدراسة الجامعية في الجامعات خارج نطاق البحرين. في الخمسينيات من القرن الماضي بعثت الحكومة عدداً من الطالبات اللاتي أحرزن النتائج العليا إلى الجامعة الأميركية في بيروت لإكمال دراستهن وخلال فترة بقائهن في بيروت خلعن الحجاب ورجعن وهن سافرات الشعر رافضات أن يلبسنه ثانية. كما بعثت العديد من الأسر الميسورة بناتها إلى الجامعات الانجليزية والأميركية. أما الثورة الثالثة التي ساهمت في تطور المرأة كما ذكر تقي «كان نمو وسائل الإعلام عندما افتتحت أول سينما في العام 1937م وكانت تلك السينما تقدم عروضاً خاصة للمرأة ثلاثة أيام في الأسبوع. توفرت لهن الكتب والمجلات من كل أنحاء العالم واقتنى الناس المذياع وأجهزة التلفاز ما شكّل نواة جديدة للانفتاح على العالم.

في منتصف الستينيات أخذت الحكومة تعمل على حركات التحرر وافتتحت الكثير من النوادي النسائية والتي كانت تدار في بداية الأمر في السر».

أعطيت المرأة الحق في قيادة السيارة ومنذ الخمسينيات كان الرجل يرافق زوجته في السيارة وبعد ذلك أصبحت المرأة تقود السيارة بمفردها فكان ذلك بمثابة استقلاليه للمرأة البحرينية.

تدرجت المرأة في العمل من كونها مدرسه فقط إلى أن افتتح مجمع السلمانية الطبي في العام 1958م وأصبحت الحكومة بحاجة إلى ممرضات في أواسط الستينيات فافتتحت أول مدرسة للتمريض في أواخر الستينيات. تابع ذلك افتتاح شركة النفط بابكو إلى معهد لدورات السكرتارية لتتيح للمرأة مجالات عمل جديدة.

عند نشوب حرب 1967م بين العرب وإسرائيل قرر الأميركان تحويل مقر عملهم إلى دول الخليج عامة وفي البحرين خاصة، وبما ان البحرينيين هم الأكثر ثقافة وتعليما بين أبناء دول الخليج فقد وفر ذلك فرص عمل جديدة للجنسين في أعمال البنوك والشركات الاجنبية التي قدمت إلى البحرين في أوائل السبعينيات.

من ذلك المنطلق بدأت المرأة البحرينية تأخذ طريقها نحو التعليم وبرزت أسماء في الحقل التعليمي والتربوي ومن ثم العمل التطوعي وأخذت المرأة تتولى المناصب إلى أن وصلت لمنصب الوزيرة والسفيرة، فكانت أول وكيلة للإعلام هي هالة العمران ابنة لأول مدير للمعارف في البحرين، أحمد العمران.

ومن أوائل النساء اللاتي أسسن نادياً رسمياً للسيدات في العام 1952م، الشيخة نيلة بنت خالد آل خليفة مع مجموعة من النساء من جنسيات مختلفة وهنّ الشيخة نورة بنت عبدالله بن عيسى آل خليفة، والشيخة موزة بنت محمد آل خليفة، والسيدة مارجوري بليغريف (حرم مستشار حكومة البحرين)، والسيدة عائشه يتيم، والسيدة وفيقة ناير، والسيدة سلوى العمران، والسيدة حياة القصيبي، والسيدة عائشة (حرم الوجيه يوسف المؤيد)، والسيدة شيخة فخرو، والسيدة محفوظة الزياني، والسيدة نعيمة القصيبي، والسيدة عصمت آل شرف، والسيدة فاطمة آل شرف، والسيدة سكينة القحطاني، والسيدة فاطمة الفايز. من هنا بدأت المرأة ممارسة نشاطها التطوعي وتبلور هذا المشروع إلى تأسيس الكثير من الجمعيات النسائية التي ساهمت بدورها في ارتقاء مستوى المرأة الثقافي والاجتماعي.

يُذكر أن أول معلمة ومديرة مدرسة كانت السيدة سكينة القحطاني، وأول ممرضة وقابلة بحرينية تخرجت في العام 1941م هي فاطمة بنت على بن إبراهيم الزياني، وكانت صديقة العوضي أول طبية تخرجت في العام 1969م، وبعدها بأشهر تخرجت غالية دويغر والتحقت بمهنة الطب، وأول مهندسة هي بدرية المرزوق التي تخرجت في العام 1977م، وأول محامية هي المرحومة فاطمة الدلال. ومن أوائل النساء اللاتي نلن شهادة الدكتوراة هن الدكتورة ليلى دويغر التي حصلت على الدكتوراه في العام 1978م، والدكتورة صفية دويغر التي حصلت على شهادة الدكتوراه في التربية في العام 1985م من جامعه تكساس.

لقد أصبحت المرأة في وقتنا الحاضر أكثر شجاعة في الإدلاء برأيها وباستطاعتنا أن نشيد بالمرأة البحرينية لجدارتها وقوتها ومهارتها في شتى ميادين الحياة رغم الثمن الباهظ الذي دفعته بحق أسرتها وأولادها، فقد كان من الصعب عليها في أحيان كثيرة التوفيق بين عملها خارج البيت لأوقات طويلة وبين تربية أبنائها. أخذت المرأة توازن بين عالم أسرتها وعالم أحلامها وتحقيق ذاتها ومازالت تعيش هاجس الشعور بالذنب، فالمرأة كائن حي خلق لكي يكون حنوناً وعطوفاً لا أن يكون مستهلَكاً ومثقَلاً بأعمال الرجال. وللمرأة الحق في أن تقرر مصيرها بنفسها فقد سنحت لها الظروف كي تختار ما تشاء.

العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:45 ص

      أمينة الفردان

      جميل يا لونا ..
      واصلي
      أمينة الفردان
      أمينة الفردان

اقرأ ايضاً