أمام أحد المصارف في مدينة بيشاور، اصطفت مجموعةٌ من المواطنين الباكستانيين في طابور لاستلام رواتبهم. ليكن الانتظار طويلاً تحت أشعة الشمس الحارقة، أو في ضيق الزحام، وليذهب كل تعب العمل الشاق وقسوته ومرارته. كل ذلك يتلاشى مع فرح أطفالهم وضحكاتهم وهم يستقبلون الأب الذي عاد برزقهم، وبما تيسّر من أرز وسكر وفاكهة ولحم وبضع لعب. لا شيء أجمل ولا أروع من هذا الشعور لدى ذلك الأب الذي سيرتاح فعلاً حين يرى أطفاله سعداء.
لحظاتٌ تفصل بين الأمنيات الجميلة وبين اسوداد الحزن والمأساة، وبين الموت والحياة. يتقدّم أحد ذوي الأبدان القذرة على دراجة نارية ليفجّر المكان بما فيه وحوله وداخله، لتتناثر الأشلاء ويخيّم الأسى على المكان. لأي دين ينتمي ذلك المسخ الذي فخّخ نفسه ليحيل لحظة استلام الرزق إلى عاصفة من الحزن في مئات المنازل؟ هل حقاً سترتفع أرواح أولئك الأبرياء (الشهداء) إلى الجنان، وسيكون هو معهم شهيداً؟
بدنٌ قذر آخر، لم يجد ما يشفي غليل حقده وجنونه وعقيدته الشيطانية إلا بتفجير مسجد في بغداد. كان يدرك أن اللعبة الحقيرة التي يلعبها أقطاب تقسيم وتدمير الأمة العربية والإسلامية مناسبة تماماً له. فمن أجل حفنة دولارات، وبأصوات تكبير زائف سقيم، سيكون لهم عبداً مطيعاً، وسيريهم مشهد دماء أبناء جلدته وهم يتساقطون. ليس مهماً إن كانوا من المسلمين أم من الكفار. فالكل عنده كفار وهو المؤمن الموحّد المتقي الصالح الورع الذي ربما شاء أن يلحق على وجبة في الجنان العلا مع رسول الله (ص)، الذي لم يتعلم منه معنى الرحمة والإنسانية، وفضّل أن يلحق على موعد المأدبة وهو ملطخٌ بدماء الأبرياء ووحشية الجاهلية التي تربت في عقله كدورة تناسل من أبي جهل وأبي لهب.
وكم هو غريب أمر ذلك الشاب الفلسطيني المجاهد العظيم الذي لم يكن ذات يوم يجرؤ على إشعال عود ثقاب أمام واحد من الجنود الصهاينة في بلاده المحتلة، ولم ينفخ عضلاته وغروره وتكبيراته أمام مجازر المحتل الغاشم في كل ربوع فلسطين، فقرّر بعد أن عقد العزم على السير في طريق الاستشهاد لينال أعلى درجات الفردوس، أن يشد الرحال، بعيداً عن الصهاينة وعن أرضه المحتلة، ويفخّخ جسده بأشد أنواع المتفرجات ثم يرمي نفسه في سوق شعبي، ليذهب هو إلى الجحيم، ويشرب أسياده نخب مشهد دموي دراكولي يعشقونه وهم يضحكون على ذلك (المسخ الذي اعتقد نفسه شهيداً)، فيما ترتفع أرواح الأبرياء برياحين الشهادة.
هل تنتهي الأمثلة، لا والله؟ في الأمة العربية والإسلامية، برز الأبطال المدافعون عن دين الله بكل قوتهم في سيناء، وفي كل بقاع سورية، وفي اليمن ولبنان والعراق.. بل حتى في بعض دول الخليج وآسيا وأوروبا وأفريقيا. جاء أولئك الذي يرفعون إصبعهم بالتوحيد وحناجرهم بالتكبير، فلم نرهم طيلة عقود من الزمن وقفوا وجهاً لوجه أمام راية تشق طريقها نحو بيت المقدس. فقرّروا أن يكونوا أنصاراً لبيت المقدس ويتسلحون بكل عزيمة وقوة، لا لكي يذيقوا الصهاينة الذين يستبيحون حرمات الشعب الفلسطيني، بل ليفتكوا بجنود مصر! هكذا يرى أولئك الوحوش طريق الجنة. ومن أجل ذلك الطريق، يزيّن خطباء ومشايخ ودعاة جهنم لهم الدرب بما في الجنة من نعيم مقيم، وحور عين. كل ما عليهم هو أن يكبّروا ويفجّروا وستكون الجنان أمامهم على بعد خطوات.
تلك الأبدان والعقول صنيعة فكر ديني منحرف وخطاب مليء بالكراهية والتوحش، لا علاقة له بسماحة وروحية وإنسانية الدين الإسلامي، ووفق ذلك المسلك، تتكون عقلية «الإرهابي»، فحين تتحدّث الحكومات العربية والإسلامية عن مكافحة الإرهاب، فليس لها أن تكذب على نفسها، وهي تربّي تلك الأبدان القذرة بإعلام خبيث وخطاب ديني جاهلي. فهل تعرف من الذي يُسمّن الإرهابيين ويموّلهم ويوفّر لهم الحواضن؟ إن أول خطوة صحيحة لتضييق الخناق على وحوش الإرهاب هو أن تعتبر تلك الحكومات بأنها تربيهم وتغض الطرف عنهم.
في حوار تلفزيوني، تحدّث أحد الإرهابيين ليقدّم اعترافات مذهلة: عاش في بيئة فقيرة، لم يحصل على قدرٍ كافٍ من التعليم. تلاقفته جماعة إجرامية تتلبس بلباس الدين، فأقنعوه سريعاً بأن هذه الدنيا الفانية دار ممر، وأن دار المقر هي الآخرة حيث جنان الخلد. والطريق سيكون عليه طويلاً. صلاة وصيام وزكاة وصدقة وحج وأعمال صالحة وهو ليس كفؤ لها. إن الطريق الأسهل والأسرع للذهاب إلى الجنة هو أن يرتدي حزاماً ناسفاً ويتّجه إلى سوق مكتظ ويفجّر الكفار ويخلص الناس منهمّ فيذهبون إلى جهنم ويسير هو معطّراً بالمسك والعنبر إلى الجنان.
لعل بعض المسئولين والخطباء والمشايخ والباحثين والمفكرين والمثقفين في مجتمعاتنا التي ترتفع فيها معدلات التطرف والإرهاب والتشدد، بذلوا جهداً فلم يفلحوا، ولن يفلحوا ما دامت هناك أقطاب في دول وحكومات تغذّي الإرهاب. والسؤال: لولا الأموال الطائلة والدفع المغري للمرتزقة والإنتحاريين، هل سيتمكن الإرهابيون من شراء سيارات جديدة ومواد متفجرة ليقتلوا كل جميل في الدين؟ من أين تأتي كل هذه الأموال الضخمة؟ الجواب لدى من يدّعي محاربة الإرهاب.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ
رد على زائر 6
انت تقول ايران منبع الارهاب هل الدواعش ايرانيين لو كلهم عرب من اقطار الدول العربيه
منبع الاٍرهاب
ايران هي منبع الاٍرهاب و الحركات الإرهابية
كل
كل اعمال الشر الي حصلت على الامة العربيه سببها امريكا الشيطان الاكبر وحلفائها باموال خليجيه المشتكى لله والله يرحم شهداء التفجير
على بعض دول الخليج إعادة النظر في سياساتها....
هذا مطلوب، وهذه مسئولية الأمانة العامة لدول الخليج العربي، فيتوجب على بعض دول الخليج إعادة النظر في منهجها .................... أنا متفق تماماً مع الأيستاذ سعيد في أن الطائفية لا تنتشر إلا اذا كانت الحكومة تريد لها أن تنتشر فتعطل قوانينها وتستقوي بطائفة على أخرى ثم تسحق الطائفتين معًا بالاستبداد..
الارهاب
لم يعرف العالم الاسلامي الارهاب الا بعد العام تسعة و سبعون من القرن الماضي عندما انتشر الفكر المتطرف و المنحرف
إنه الإرهاب..زائر رقم 2 أحسنت
نعم لم يعرف العالم الإسلامي الإرهاب والطائفية والتطرف إلا بعد العام 1979 عندما تحركت الدول العربية والإسلامية المستبدة ضد حركة التنوير والتحرر والدفاع عن القومية فتم ملء السجون بل عملت بعض دول الخليج والدول الغربية على تمويل وتأجيج مشايخ الطائفية من الطائفتين الرئيسيتين السنة والشيعة، في عام 1985 المخابرات الأميركية خصصت 5 مليون دولار كتمويل من احدى دول الخليج لتمويل الأدوات الطائفية المتشددة والنتيجة ما نراه اليوم من صراع طائفي لكن نحن نعيش نهاية مشهدهم بعون الله.
نزعوا الرحمة من دين محمد صلى الله وآله وقدّموه للعالم دين القتل والدمار
مسوخ الأمّة شوهوا اسلام محمد صلى الله عليه وآله دين الرحمة فجعلوه دين الفتك وسفك الدماء فلا جريمة اكبر من هذه الجريمة المركّبة = قتل وسفك دماء للأبرياء + تشويه لانصع الأديان السماوية