طوال التاريخ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم تصنع الحروب سوى الآلام والاستفراد بكل ما أنجزه الإنسان في سنوات وقرون، تدميراً له في لحظات أو أجزاء منها، وأيام.
طوال التاريخ وحتى يومنا هذا، لم تحقق الحروب رفاهية للإنسان، بقدر ما ضمنت له أن يعيش في شقاءٍ وعوزٍ وفقرٍ وأمراضٍ وجوع.
وظيفة الحروب التي خاضها الإنسان، ومازال يخوضها، هو القضاء على ما أنجز، وتحطيم ما بناه، وقتل ما أنجب، وتجريف ما زرع، وتجويع ما أشبع، وإفقار ما أغنى.
مشكلة بعض البشر أنهم إذا حاوروا يريدون الحوار بشروطهم، ويريدون أن يتم الإصغاء إليهم وحدهم دون سواهم، ويريدون أن يحققوا الاستقرار الذين يرونه هُمْ وضمن سقف شروطهم أيضا.
مشكلة بعض البشر أنهم لا يرون في السلام إلا انتقاصاً من قوتهم وقدراتهم وثرواتهم التي يعتقدون أنهم يستطيعون بها شراء كل شيء، بما في ذلك بعض البشر من حولهم.
ولى زمن الحروب التي تصنع السلام، هذا إذا كانت هناك حروب صنعت سلاماً، فلأن لذلك أثمانه الباهظة، ومآسيه التي لا يمكن لأيٍّ كان أن يمحوها من صفحات التاريخ الأسود والمعتم.
وتكرار عبارة أن الحرب يمكنها أن تصنع السلام فيه الكثير من المغالطة والخداع والكذب أيضا.
يكفي أن الحروب إن لم تخلف انتقاماً مباشراً من قبل الضحايا أو ذويهم، ستضمن استتباب الحقد والكراهية والتربُّص من قبل أولئك، ومثل ذلك الحقد والكراهية والتربص لا يمكن أن يخلق حالة من الانسجام والاستقرار، وزيف العيش المشترك، وتعميم ثقافة المحبة والاحترام.
كل الحروب، الصغرى منها والكبرى، يشعلها الكبار ليدفع ثمنها الصغار. يشعلها الأقوياء ليدفع ثمنها الضعفاء. يشعلها الأغنياء ليدفع ثمنها الفقراء والذين لا يملكون قوت يومهم. يشعلها الطامحون ليدفع ثمنها الذين يحلمون بالبسيط من العيش في هدوءٍ وكرامة، بعيداً عن الحلم بالثروات الفاحشة والقصور المنيفة والضِياع الرحبة.
لو تفرغ الإنسان للاستقرار والسلام، وسادت القناعة بالتهديد الذي تمثله الحروب على الجنس البشري، وعلى هذا الكوكب بشكل عام، لأكل البشر من فوقهم ومن تحتهم.
قد يبدو مثل هذا الكلام مثالياً لأن الصراع بين الإنسان ونفسه، وبينه وبين من حوله في المجتمع الواحد والأرض الواحدة، والكوكب الواحد لن ينقطع ولن يزول بطبيعة الإنسان الذي يحب أن يستأثر ويستولي ويتملك، ويعزز ذلك بقوة تضمن له كل ذلك، ولكن لا يبرر ذلك أن يتفرغ الإنسان للحروب أكثر من تفرغه للسلام والاستقرار. تلك هي المفارقة. التفرغ لما يشقيه ويستنزف ثرواته ويراكم أعداءه، وترك ما يوفر عليه كل ذلك، ويضمن له في الوقت نفسه تفرغا لبناء ما لم يتمكن من بنائه، وحصاد ما زرعه، والمساهمة الفعالة في إيجاد انسجامٍ يحفظ لهذا الكوكب وإنسانه والمخلوقات التي تعيش عليه، قدرة على الاهتمام بالإنسان الذي تنطلق الحروب باسم الدفاع عنه فيما هي تقتله، والحفاظ على ثرواته فيما هي تنهبه، وتعزيز استقراره فيما هي تفتح عليه أكثر من باب في الجحيم.
وما لم يستطع الإنسان تحقيقه بالحوار الناقص والمراوغ، لن تستطيع الحروب أن تثبته وترسخه وتفرضه على العالم.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ