في سبتمبر/ أيلول 1990، وبعد شهر واحد تقريباً من احتلال صدام حسين للكويت، خاطب الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة العالم، ليعطي صبغة أخلاقية على حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لحرب تحرير الكويت بقولة «عندما ننتهي من هذه المهمة، سنتفرغ للعمل من أجل تلبية التطلعات الديمقراطية لشعوب المنطقة»!
ولكن كما يعرف الجميع، فقد تبخرت تلك الوعود، سواء من قبل الولايات المتحدة أو من قبل الأنظمة الخليجية التي قدمت الوعود أيضاً لشعوبها، من أجل كسب تأييدها لانضمام دول مجلس التعاون للتحالف الدولي لتحرير الكويت بقيادة الولايات المتحدة.
اليوم وبعد انتهاء المرحلة الأولى من حرب اليمن بانتهاء عاصفة الحزم وتدشين المرحلة الثانية «إعادة الأمل»، ورغم أن الولايات المتحدة لم تدخل هذه المرة التحالف الخليجي العربي الدولي، فإنّ التاريخ يعيد نفسه، وأن بأسلوب آخر.
الرئيس الأميركي باراك أوباما وفي مقابلة نادرة مع صحيفة «نيويورك تايمز» وكذلك في خطابه الشهري من البيت الأبيض، دعا زعماء دول مجلس التعاون الخليجي إلى اجتماع لمدة يومين (13 و14 مايو/ أيار 2015)، اليوم الأول في البيت الأبيض واليوم الثاني في منتجع «كامب ديفيد»، الذي اشتهر بموقع التسوية التاريخية ما بين مصر بقيادة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات و«إسرائيل» بقيادة رئيس وزرائها مناحيم بيغن.
الرئيس الأميركي خاطب حكام الخليج بقوله «إن عليهم أن يدركوا أن الخطر عليهم لا يأتي من إيران وإنما من الداخل، حيث تحبط تطلعات الشباب السُّني، الذي يلتحق بالمنظمات الإرهابية».
وفي حين أكد الرئيس الأميركي أنه سيبحث مع الزعماء الخليجيين سبل تعزيز التحالف ما بين الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي في ضوء الاتفاق النووي الإيراني، فإن الكل يدرك أن الهاجس الأمني الذي تسببه الحركات التكفيرية وفي مقدمتها ما يدعى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على المنطقة، وعلى الولايات المتحدة بل والعالم أجمع هي في صلب المحادثات القادمة. وبالطبع فكلام الرئيس الأميركي واضح؛ وهو ضرورة عدم التغاضي عن منابع الإرهاب والحركات التكفيرية سواء من خلال مناهج التعليم، أو الإعلام أو التمويل، وبالتالي التوجه في طريق آخر، أي إدخال إصلاحات شاملة، تؤمّن مشاركة الشعوب وخصوصاً جيل الشباب، في إدارة الحياة بكل أبعادها وإدارة الدولة وشئونها، بحيث يشعرون بأنّ لهم هدفاً في الحياة، وبالتالي يبتعدون عن طريق الانزلاق نحو التطرف.
لقد سبق للولايات المتحدة أن طرحت مشاريع للإصلاح لمنطقة ما يعرف بمبادرة الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان حتى المغرب، وتضم بالأساس العالم العربي، في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن في 2004، في جزيرة «سيتي آيلند» بجورجيا، وشهدت ثلاث دول في المنطقة وهي البحرين والكويت والإمارات دورات لهذا المشروع (مبادرة منتدى المستقبل لدول الشرق الأوسط الموسع وشمال افريقيا)، حينها تقوم على شراكة الدول الثماني الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة، وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا والصين) مع الدول الواقعة في الشرق الأوسط الكبير، وتستهدف تشجيع التحول الديمقراطي، وتحفيز الاقتصاد، وإيجاد وظائف للشباب ومشاركة نشطة للمجتمع المدني.
وكانت الصيغة تقوم على اجتماع وزاري للدول، ثم يتبعه اجتماع مشترك مع منظمات المجتمع المدني، وإصدار بيان مشترك يتضمن أهم القضايا المتفق عليها. كما يتولى كل عام رئاسة ثنائية (دولة من الدول الثماني الكبرى ودولة من دول المنطقة) حيث يعقد الاجتماع السنوي عادةً في دول الرئاسة في منطقة الشرق الأوسط.
وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت - بصورة موازية - صندوق «مبادرة الشرق الأوسط» (MEPI) لتمويل مشاركة المجتمع المدني في العملية وبعض مشروعاته. لم تكن الإدارة الأميركية ولا باقي الدول الثماني الكبرى ولا دول الشرق الأوسط الكبير، جادةً في انخراطها في هذا المشروع، بل إن غالبية الدول لم تكن راغبةً في استضافة المؤتمر السنوي، الذي يعقد في نهاية العام، حيث اضطر المغرب مثلاً لاستضافته مرتين. وبانعقاد دورة المؤتمر في تونس في ظل الثورة في ديسمبر/ كانون الأول 2012، فقد كان آخر مؤتمر، ولم تبدِ الدول الأعضاء في المشروع حتى الاهتمام بإعلان نهايته أو استضافته.
مرةً أخرى تقدّم الولايات المتحدة في ظل الرئيس أوباما مبادرةً للإصلاح والتحول الديمقراطي، ولكن هذه المرة في منطقة محدّدة وهي الخليج العربي. ومن الملاحظ أن شقة الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين قد اتسعت في السنوات الأخيرة، خصوصاً في التعاطي مع المنظمات والحركات الإرهابية والتفكيرية والإسلام السياسي وطرق التعاطي مع الاوضاع الداخلية.
الولايات المتحدة في ظل «مبدأ أوباما» القائم على أولوية الحلول الدبلوماسية، غير مستعدة للدخول في حروب نيابةً عن الآخرين كما حدث في العراق وأفغانستان. وهي مستعدةٌ لتقديم الدعم اللوجستي والإسناد الجوي والمخابراتي، لكنها لن تزجّ بجنودها على الأرض، كما أن الولايات المتحدة تتعامل مع دول المنطقة بطريقةٍ براغماتية بعيداً عن مواقف حلفائها الانفعالية والذاتية. فهي مثلاً إذ تفكّر في مصالحة تاريخية مع إيران، تعيد تموضع القوى الإقليمية في مواجهة خطر أشد وهو خطر القوى التكفيرية، وتسهم في إطفاء الأزمات الإقليمية التي تفجّرت دون سابق إنذار كما حدث في اليمن.
والولايات المتحدة ترى أن الوسائل العسكرية والأمنية، ليست كافيةً للقضاء على الحركات والتنظيمات التكفيرية والمتطرفة، بل يتوجب تجفيف منابعها الفكرية والمالية والسياسية. من هنا فإن مقاربة الولايات المتحدة لأزمات المنطقة، تختلف مع المقاربة الخليجية، كونها ترى أن العلة تكمن في الداخل الخليجي، أي في نمط النظام السياسي والعقائدي القائم، الذي يهمّش ويحبط القوى الديمقراطية والتنويرية، ويشجّع القوى الظلامية والمتطرفة والمتعصبة والطائفية.
دول مجلس التعاون في حالة ترقب، وقد زار بعض المسئولين الخليجيين البيت الأبيض وتحادثوا مع الرئيس أوباما، ولكن لم يرشح شيء عن هذه المحادثات.
إن التطلعات نحو إصلاحات عميقة وشاملة وتحولات ديمقراطية حقيقية في الخليج العربي ليس جديداً، وقد تواصل ذلك جيلاً بعد جيل منذ حركة المجالس في 1938 حتى اليوم، واكتسب هذا النضال زخماً كبيراً مع انطلاقة الربيع العربي في يناير/ كانون الثاني 2011 حيث شارك عشرات الآلاف من المواطنين في هذا الحراك. واللافت للنظر الدور القيادي للشباب والمشاركة الكثيفة للنساء. لكن الدول بدل أن تتفكر ملياً في هذا الحراك ومشروعيته، أخذت تكثف جهودها لإجهاض هذا الحراك، بدءاً من القمع وانتهاءً بالمغريات للمواطنين مقابل تنازلهم عن مطالبهم المشروعة.
سياسات الأربع سنوات أدت الى إهدار المليارات في وقت تنخفض فيه أسعار النفط إلى النصف، ما ينذر بكارثة محيقة اليوم بالخليج. ما يدعو للتساؤل عن مسارنا كدول خليجية، وتعاملنا مع شعوبنا، والاتفاق على برنامج إصلاح شامل وتحولات ديمقراطية، بدل أن تفرض الولايات المتحدة برنامجها لمثل هذه التحولات ولكن من منظور أميركي لن يكون متوائماً مع متطلبات وتطلعات شعوب الخليج.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ
الله يرحمك ياسيدنا الخمينى
قالها الى العرب وحذرهم انه امريكا عدوة الشعووب ولاتريد من المنطقة الى مصالحها لاكن اشرى على الي طاوعها ودمر الشعووب المشتكى لله
الاٍرهاب ؟؟
وينه اوباما من الارهاب : لعصائب الحق وحزب الله وإيران ؟؟؟ اكيد ما سمع بهم
أغنية للسياسيين
حلو وكذاب ليه صدقتك. الحق علي اللي طاوعتك.
لكن الملاحظ على ارض الواقع مغاير جدا فإمريكا تدرب وتسلح الارهابيين علنا في سوريا والعراق
ويعلن امام الناس بالصوت والصورة ،فكيف هذا الالف مكيال
ثانيا الملاحظ على المسؤلين الامريكمان يصرح احدهم في الصباح تصريح يصرح الآخر ويتعذر بالليل هذا حدث اكثر من مرة خلال الشهور السابقة وخلال ولاية اوباما ويكفي ما صرح به في مصر بالذات اين هو تبخر مع طلوع الشمس ، فكيف نوفق ونثق بين الاثنين ؟؟؟ انما المصالح والابتزاز حتى آخر قرش في الخليج وبعدين لكل حادث حديث ؟؟؟