العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ

القطان: محاسبة النفس والاستقامة من الأسباب المنجية من عذاب القبر

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

قال خطيب مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان في خطبته أمس (الجمعة): «إن هناك وسائل كثيرة تعدُ من الأسباب المنجية من عذاب القبر، إذا فعلها العبد نجا من عذاب القبر، والتي منها: محاسبة النفس، فمن حاسب نفسه هانت عليه نفسه، وعظمت الذنوب في عينه، وخفف عنه الحساب، ومنها، الإيمان والعمل الصالح فهما من أعظم الوسائل المنجية من عذاب القبر، ومنها الاستقامة على دين الله، ومنها التقوى فهي من أهمِّ الأسباب التي تنجي العبد في الدنيا والآخِرة، ومنها الرباط والشهادة في سبيل الله، ومنها المداومة على قراءة سورة الملك، والعمل بمقتضاها، وممَّا ينجي من عذاب القبر أيضاً: الموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة».

وفي خطبته بعنوان «أول منزل من منازل الآخرة»، قال القطان: «كَانَ الخليفة الراشد عُثْمَانُ بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدَّ مِنْهُ، وَقَالَ، قال: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً إِلا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ)، إنه المنظر الذي به يرق القلب، وتدمع العين، ويزهد في الدنيا، ويرغب في الآخرة، ويذكر هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ويورث العظة والاعتبار، ويجعل العبد يتيقظ من غفلته، وينسلخ من أحضان أحلامه وسهوته... إن ساعة من الزمن تعيشها النفس أمام المقابر، تطل على حاضرها، وتبكي على المظلم من صفحات غابرها، وترسل بين الأجداث المبعثرة أناتها، تتساءل عن وفاة قريب من أم أو أب أو أخ أو أخت أو ابن أو بنت أو صديق، وتذيع على الدنيا العبر، وتتذكر تاريخ من غبر».

وأضاف «القبر منزل قد ترتحل إليه بعد لحظات أو سويعات أو أيام أو شهور أو سنوات، ولا يشك مسلم في أن ذلك لا محالة آت، هذه حقيقة أذابتها شمس المادية الملتهبة، وحب الدنيا الطاغي، وأطاحت بها أعاصير زينة الحياة الدنيا. القبر: واعظ صامت، لا يملك العبارات المنمقة، ولا يعرف نظم الشعر ولغته، وإنما يعرف لغة أشد تأثيراً من كل أنواعها، ومنظراً أعمق من كل عبارات الوعاظ، وللتراب الصامت صوت لا يسمعه، ولا يعي مدلوله إلا من وقف أمامه يتأمله، وهو يضم بين جنباته القريب والغريب والصديق والأخ والحبيب، القبر: تلك الحفرة الضيقة التي لا أنيس فيها ولا جليس، ولا صديق ولا سمير، العمل الصالح أنيس العبد في قبره، ومزيل وحشته في رمسه... القبر: يضم بين جوانبه جثثاً هامدة لا حراك بها، ولا نفس في عروقها، يضم الأجسام البالية، والعظام النخرة، والأشلاء المبعثرة، والأوصال المتقطعة. القبر: موطن الملوك والحكام والأمراء، والعظماء والحقراء، والحكماء والسفهاء، والنساء والرجال والأطفال، ومنزل الصالحين السعداء، والطالحين الأشقياء، السكون يرفرف على فضائه، والرهبة تنتشر بين أجوائه، فيه السؤال، والمناقشة، والتوفيق، والتثبيت، إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار».

وأشار إلى أن «القبر يعظ الأحياء بصمت ليذكرهم بالمآل الذي لابد منه، فيدفعهم ذلك إلى زيادة الاستعداد ليوم المعاد. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ). نعم هو الدواء لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، وطال أمد غفلته، فليس الخبر كالعيان. وهناك أسأل القبر: أين المال والمتاع؟ أين الجمال والسحر؟ أين الصحة والقوة؟ أين المرض والضعف؟ أين القدرة والجبروت؟ أين الخنوع والخضوع والذلة؟ إنه يضم أجساداً كانت ناعمة منعمة، تفوح منها العطور، فماذا فعل بها في تلك الحفرة؟ تتوقف الابتسامات والقهقهات، ويتوقف الجدال والصرخات، ويتوقف العناد والكبرياء، ويتوقف الأمل والجشع، ويتوقف الإخلاص والرياء، ويتوقف العجب بالمنصب، والجمال والقبيلة والعشيرة، والجاه والقوة، كما يتوقف ظلم من ظلم، وذل من استذل. يتحول الوجه الفاتن، واليد الظالمة، واللسان الكذوب، والعين الخائنة، والقلب القاسي إلى جماجم وأعظم نخرة، ولا يبقى إلا العمل الذي قدمه صاحب القبر، يسأله عنه منكر ونكير (...) إن عذاب القبر ونعيمه هو عذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والدار الآخرة، فالمصلوب والغريق والحريق، وأكيل السباع والطيور، والحيتان، له قسطه من عذاب البرزخ ونعيمه، حتى لو علق العاصي على رؤوس الأشجار، في مهاب الريح لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه، نعتقد ذلك، ونؤمن به ونصدق به، ولا نبحث في كيفيته، إذ لا سبيل للعقل إلى ذلك... إن عذاب القبر ونعيمه غيب، كما أن الجنة والنار والملائكة غيب، ومن سمات المؤمنين الإيمان بالغيب».

وقال القطان: «إن القبر هو أول منازل الآخرة، فإن جاوز ساكنه فتنته، ونجا من عذابه؛ كان ذلك أول دلائل فوزه يوم القيامة، ونجاته من أهوال الحشر وعذاب النار، ونعيم القبر وعذابه، يقع حقيقة على الجسد أو الروح أو كليهما على كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، قد تواترت به نصوص الكتاب والسنة، فلا ينكره إلا مفتون ضال، هو أقرب إلى الإلحاد منه إلى الإيمان».

وذكر أن «من أعظم الأٍسباب التي تهلك العبد، وتكون سبباً في عذابه في القبر، الشرك بالله، وهو دعوة غيره معه، والكفر بآيات الله، والتهاون بالصلاة، ومنع الزكاة، وعقوق الوالدين، وارتكاب الفواحش والمنكرات، والسعي في النميمة، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، والتحريش بين الناس، وإطلاق العنان للسان بالغيبة والكذب والسب واللعن والقذف، وعدم التحرز من البول، وكذا الرياء بالأعمال، وأكل الربا في المعاملات المحرمة، والغلول في الأموال العامة والخاصة، وشرب الخمور والمسكرات، وتعاطي المخدرات، والغش في المعاملات، وغيرها من الذنوب والمعاصي والمحرمات».

العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:29 ص

      موطن

      فليعلم من يقفون متفرجين على المظلوم، ثم يمصون شفاههم ويلوون أعناقهم، ثم ينسحبون غير مكترثين؛ إنما يعرضون أنفسهم للمقت واللعن... ووالله ما هان المسلمون أفرادًا وأممًا وما استأسد أعداؤهم واستباحوا حرماتهم ونهبوا حقوقهم ودنسوا مقدساتهم؛ إلا حين سرت روح التخاذل بينهم، وتنكر بعضهم لبعض، لقد كونت هذه التعليمات الإسلامية السامية أمة عزيزة أبية متآخية قوية، ما إن تقع مظلمة على فرد منها حتى تفور دماء الشهامة والنخوة للدفع والنصرة

    • زائر 2 | 2:26 ص

      sunnybahrain

      السلام عليكم ،،كثيره هي الاشياء التي تصب في ميزان حسنات الانسان ،،ف من بينها على سبيل المثال ،، الامر ب المعروف والنهي عن المنكر ،،العدل ،،المساواة ،،الاستقامه ،،حب الانسان لاخيه الانسان ،، التمسك ب اوامر الله سبحانه وتعالى والعمل على تجنب المعصيه ،،قول الحق ،،ونقضان شهادة الزور والبهتان ،، خافوا الله في اقوالكم قبل اعمالكم ،،السلام عليكم ،

اقرأ ايضاً