سوق المحرق المركزي... صرح خدماتي مضى على إنشائه أكثر من 3 عقود من الزمن، تقرر قبل نحو 3 أعوام من الآن أن يتم هدمه ليُنشأ سوق جديد من الأساس في نفس الموقع بوسط المحرق، يكون أوسع ومجهز بكافة الخدمات. وبعد مخاض عسير، وعدة جلسات بلدية وتوصيات وقرارات ووجهات نظر رسمية تتعلق بالمشروع الجديد، تم إقراره، ووقعت وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني (آنذاك) في مطلع العام 2013 عقد تنفيذ المشروع مع شركة مستثمرة بحرينية، بكلفة نحو 5 ملايين دينار، وهنا بدأ المشروع يتعثر.
مشروع السوق تم توقيع عقد تنفيذه، وبعدها ولد سوق صغير بديل، ثم ضاع العقد، وتمت استعادته ببديل «محرر» منسوخ طبق الأصل، إلا أنه ظهر ما أسماه مجلس بلدي المحرق «الشبهات والمخالفات»، وتقرر بعد ذلك إحالته بالكامل إلى هيئة التشريع والإفتاء القانوني، وكذلك ديوان الرقابة المالية، إذ انتهى الحال بعقد المشروع بحسب ما أحاط به رئيس الديوان حسن الجلاهمة المجلس البلدي بأنه «سيتم التدقيق على العقد المذكور خلال أعمال الرقابة النهائية على الحساب الختامي للبلدية للسنة لمالية المنتهية في 31 ديسمبر/ كانون الثاني 2015 والتي بدأت في 19 أبريل/ نيسان الماضي».
ووقعت وزارة شئون البلديات في بداية الأمر عقد تنفيذ المشروع بتاريخ 13 مارس/ آذار 2013، على أن يتم الانتهاء منه وافتتاحه بعد 18 أو 24 شهراً كأقصى تقدير، لكن هذين العامين انتهيا الآن، ومن المفترض أن السوق الجديد الذي يضم فرعاً لسوق اللحوم وآخر للأسماك وثالث للفواكه والخضروات قد تم افتتاحه قبل شهر على الأقل.
ومضت أشهر من توقيع عقد تنفيذ المشروع، إلا أنه ظهرت مشكلة أولى عثراته وتمثلت في مطالبة أصحاب الفرشات والمحلات التجارية في السوق القديم بموقع بديل لهم لحين انتهاء أعمال إنشاء السوق الجديد. وبالفعل، شرعت وزارة شئون البلديات بالتنسيق مع الشركة المطورة للمشروع بأن تتولى عملية تجهيز سوق بديل على أن تتم إزالته لاحقاً.
العقبة الثانية، كانت تتعلق بالموقع المؤقت للسوق البديل، إذ مر بعدة إشكاليات عبر مجلس بلدي المحرق وأولياء أمور بعض الطلبة في المدارس المحيطة بالموقع، وتفاقم الأمر في إحدى جلسات المجلس البلدي، باعتبار أنه يقع في مواقف سيارات حديقة حسان بن ثابت وإحدى المدارس الملاصقة. وبعد شد وجذب وضمانات قدمتها وزارة شئون البلديات والشركة المطورة بتحقيق سبل السلامة والالتزام بإزالة السوق المؤقت لاحقاً، تم تنفيذ المشروع وافتتحه وزير شئون البلديات والتخطيط العمراني السابق جمعة الكعبي في نهاية العام 2014.
بعد ذلك، انتقل أصحاب الفرشات إلى الموقع المؤقت، وظهرت عقبة ثالثة أخرت أيضاً المشروع الأم؛ وهي عدم شمولية الموقع البلديل المؤقت لنحو 25 محلاً تجارياً، اذ أصروا على البقاء في مواقعهم واستمرار أعمالهم لحين تكفل البلدية بتوفير مواقع بديله لهم أسوة بأصحاب الفرشات، مع ضرورة دعمهم فيما يتعلق بالإيجارات. وقد شرع المقاول في أعمال هدم الفرشات مؤخراً، واحتج أصحاب المحلات الذين مازالوا متواجدين في مواقعهم دون إخلاء.
وخلال هذه الفترة، ذهب مجلس بلدي المحرق ممثلاً في اللجنة المالية والقانونية إلى تبني مقترح يهدف الى مراجعة عقد السوق وما يتعلق به. وقد سردها رئيس اللجنة غازي المرباطي في تصريحه الآتي:
قال المرباطي إن «اللجنة المالية والقانونية وضمن إطار مشروع أطلقناه لدراسة أو مراجعة عقود بعض المشروعات البلدية في المحرق، وركزنا على المشروعات التي كانت تواجه تعثر سواء على الصعيد الفني أو المالي، وتناولنا أبرز هذه المشروعات، وهو مشروع سوق المحرق المركزي. وهو المشروع الذي طرح ضمن مناقصة عامة خلال نهاية العام 2012، وبعد مراجعة لبنود العقد لاحظنا أن هناك العديد من المخالفات أبرزها المتعلقة بمخالفة المادة (109) من دستور مملكة البحرين الفقرة (ب)، والتي أكدت على أنه لا يجوز تخصيص إيراد لوجه من وجوه الصرف إلا بقانون، إذ بنيت هذه المناقصة (المزايدة) على أساس أن تتم تغطية تمويل مشروع سوق المحرق المركزي الذي تقدر كلفته بـ 5 ملايين دينار من الرسوم المستحقة لبلدية المحرق الصادرة أو المحصلة من أحد المجمعات التجارية في نطاق المحافظة».
وأضاف المرباطي أن «المخالفة تكمن هناك بنص من الدستور، أن الرسوم البلدية هي إيراد من إيرادات البلديات التي تأتي ضمن الأموال العامة، اذ قام صانعو هذا العقد بتخصيص إيراد لوجه من وجوه الصرف وتغطية تمويل السوق من دون إصدار قانون بذلك؛ بما معناه أن الموازنة العامة للدولة لم تتناول هذا الإيراد ولم تتطرق بوجه الصرف على هذا المشروع. وبمعنى آخر، أنه لم يأت كبند من موازنة البلديات للعامين 2013 و2014، إذ يستوجب قانون الموازنة العامة للدولة ضمن المادة (13) بضرورة أن يصدر قانون بهذا الأمر، أي يتم عرض المشروع على مجلس النواب حتى يُخصص اعتماد إضافي ضمن الموازنة العامة للدولة التي تأتي موازنة البلديات في مشروع اعتماد الموازنة العامة للدولة الذي يصدق عليه جلالة الملك بعد موافقة مجلس النواب».
وخلص رئيس اللجنة المالية والقانونية إلى أنه «بما تقدم، تم الالتفاف على مادة دستورية صريحة، وثم على قانون الموازنة العامة للدولة، وبالإضافة إلى أن تغطية تمويل هذا المشروع من المال العام لا يفهم سوى أنه مخالفة تستدعي محاسبة المسئولين عليها»، مستدركاً بأن «قيمة الرسوم التي من المفترض أن تحصل من المجمع التجاري المشار إليه تقدر بـ 350 ألف دينار سنوياً، وهي عبارة عن 10 في المئة من إجمالي الإيجارات المتوقعة لصالح المجمع. وجرى الاتفاق بين المستثمرين وزارة شئون البلديات على أن تكون نسبة 80 في المئة، أي بواقع 280 ألف دينار من قيمة الرسوم الإجمالية التي تقدر بـ 350 ألف لصالح تغطية تمويل السوق. هذا مع الملاحظة أن مدة العقد هي 20 عاما، ما يعني أن الرسوم ستحصل طوال مدة العقد، وستكون إجمالي ما سيتم تحصيله لصالح تغطية التمويل 7 ملايين و500 ألف دينار طوال مدة العقد، وباقي الـ 20 في المئة تقدر بنحو 70 ألف دينار سنوياً ستدخل كإيراد مستحق للبلديات، بما يساوى 1.6 مليون دينار لطوال مدة العقد».
تحصيل الانتفاع
وزاد المرباطي على قوله: «ما تقدم كان من حيث الرسوم. علماً أن بنود العقد أعطت الشركة المطورة الحق لأن تعين مكتبا محاسبيا عالميا لتحصيل الرسوم البلدية ثم تغطي بها تمويل السوق. وبعد ذلك فيما يتعلق بالاتفاق الخاص بتحصيل الانتفاع من سوق المحرق المركزي بعد تشغيله، فإن الشركة المطورة تقوم بإنشاء شركة مطورة مهمتها تطوير وتشغيل السوق طوال مدة العقد. وبحسب التقديرات الأولية فإن قيمة الإيجارات التي ستحصل من السوق تتجاوز الـ 900 ألف دينار سنوياً، يُخصص مبلغ 15 في المئة من إجمالي الإيجارات لصالح الشركة المطورة والمشغلة للسوق من قيمة الإيجارات الإجمالية، لأنه يتحمل دفع تكاليف هذه الشركة المنتفعون وهم المستثمر والبلديات. وتكون حصة المستثمرين من المبلغ المتبقي بعد خصم نسبة الـ 15 في المئة ما نسبته 92 في المئة، وهي قرابة 850 ألف دينار، ونسبة 8 في المئة المتبقية تذهب كمبلغ انتفاع لصالح بلدية المحرق».
وبين رئيس اللجنة المالية والقانونية أنه «يقدر في نهاية مدة العقد قيمة الإيجارات الإجمالية عن محلات سوق المحرق المركزي بنحو 18 مليون دينار، 15 في المئة من هذا المبلغ كما بينا تُدفع للشركة المشغلة وستكون بنحو 3.5 ملايين دينار، والمبلغ المتبقي بعد ذلك يكون 92 في المئة منه والتي سيحصلها المستثمر تبلغ مع نهاية مدة العقد نحو 21 مليون دينار، و8 في المئة لصالح البلدي كانتفاع تقدر بـ 1.8 مليون دينار، والبلديات في هذه الحالة هي الخاسر الأكبر في هذا المشروع».
وواصل المرباطي «بالرجوع إلى طبيعة صياغة هذا العقد، توحي بأنه لم يُعرض على جهة قانونية معتبرة في الدولة، إذ أكد المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2010 بشأن تنظيم هيئة التشريع والإفتاء القانوني المادة (2) المتعلقة باختصاصات الهيئة البند (7) أنه لا يجوز إبرام أي من العقود الحكومية والتي تقدر قيمتها أكثر من 300 ألف دينار إلا بعد عرضها على الهيئة لإبداء الرأي بشأنها. وعلى هذا الأساس، رفعنا في اللجنة المالية والقانونية بعد أن لاحظنا أن بنود العقد تعتريها الكثير من المخالفات أن يعرض على الهيئة، وبالفعل وافق وزير الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني على توصية المجلس البلدي، وأكد على أن الوزارة قامت بالفعل بإرسال نسخة من العقد المبرم في 18 مارس/ آذار 2013 إلى هيئة التشريع والإفتاء القانوني لإبداء مرئياتها حول الطبيعة القانونية له».
وأسهب المرباطي «ما تقدم لا يدع مجالاً للشك في أن وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني مقتنعة بأن العقد لم يعرض على الهيئة قبل التوقيع عليه، وإلا ما هو مبرر عرضه على الهيئة مجدداً إذا كان قد عرض في السابق، فالمبرر المنطقي أن الوزارة اكتشفت أن ليس لديها ما يثبت أن العقد قد عرض على الهيئة، ما يجعل من خالف البند 7 من المادة الثانية بقانون هيئة التشريع والافتاء تحت طائلة المسائلة باعتبار أن صيغة المادة جاءت كقاعدة قانونية آمرة، ولا يجوز مخالفتها».
وتحدث رئيس اللجنة المالية والقانونية عن إحالة العقد إلى ديوان الرقابة المالية والإداري، وذكر أنه «من باب حرص اللجنة ممثلة عن المجلس البلدي، بأن يقوم ديوان الرقابة المالية والإدارية بمراجعة هذا الملف، قمنا بمخاطبة رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية وأرفقنا نسخة من العقد، وبالفعل تجاوب الديوان وأكد أنه بدأ العمل من تاريخ 19 أبريل/ نيسان 2015 ضمن التدقيق النهائي على الحساب الختامي للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2014، ونحن نشيد بمهنية الديوان، وسننتظر ما سيتمخض عن تدقيقه على عقد السوق خلال المرحلة المقبلة».
ولفت المرباطي أن «المجلس رفع توصية لوزير الأشغال وشئون البلديات عصام خلف، وطلبنا عبرها رفع العقد لمكتب استشاري قانون خاص، إلا أن الوزارة اعترضت على التوصية ورفضتها، واكتفت بأن الجهة التي تدقق على العقود الحكومية والعامة هي هيئة التشريع والافتاء، وكنا نأمل من الوزير الموافقة على هذه التوصية لأننا كنا نريد دفع تكاليف المكتب الاستشاري القانوني، وإلا نحن كمجلس بلدي يحمل الشخصية الاعتيارية أن يرفعه إلى المكاتب الاستشارية الخاصة دون الحاجة للعودة إلى الوزارة، سواء أن تغطية نفقات هذه الاستشارة لا يستطيع المجلس أن يتحملها من دون موافقتها».
وختم رئيس اللجنة المالية والقانوينة بأن «الجدير بالذكر أننا تفاجئنا بعد مرور عام من إبرام العقد، بأنه قد فقد من طرفي التعاقد، أي من جانب الوزارة، وكذلك المستثمرين، وعلى إثر ذلك، تم تحرير وثيقة بتاريخ 14 فبراير/ شباط 2014 يفيد بأنه تم الاستعاضة بنسخة من عقد السوق؛ نظراً لفقد العقد الأصلي، ويعتبر بذلك أن النسخة هي طبق الأصل».
العدد 4627 - الجمعة 08 مايو 2015م الموافق 19 رجب 1436هـ