العدد 4625 - الأربعاء 06 مايو 2015م الموافق 17 رجب 1436هـ

خسارتنا حين نغفل عمن أخلص لنا

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

هل على البشر أن يتألموا كي يفرحوا؟ ويشقوا كي يسعدوا؟ ويغتربوا كي يعرفوا أوطانهم الحقيقية؟ ويكونوا أوفياء كي يقفوا على المرارة التي تخلفها الطعنة والخيانة؟ ويتعلموا كي يكتشفوا بشاعة الأميَّة والظلام؟ وأن يقتربوا أكثر من الذين يحبونهم كي يعلموا الأثر الكبير الذي تتركه خفقات القلوب ونبضاتها، تلك التي كأنها ممهورة بأسماء ووجوه وذكريات؟

ربما لو وقفنا على أكبر الخسارات التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان اليوم، سنجدها في الذين كانوا مخلصين ومحبين لنا، وعلى استعداد لفعل أي شيء يجعلنا سعداء ومهمين، ولكننا في لحظات الانشداد إلى ذواتنا، لا نراهم، ولا نرى في صنيعهم مع تكراره وتصاعده ما يثير الاهتمام لتكراره، وبكلمة أدق، لوفائه، وفائهم، وعدم انتظارهم لأي مقابل وقيمة من وراء كل ذلك.

تلك خسارة جسيمة لكل البشر، حين يفرطون بالأقربين، ويتناسون الفعل الخلاق والجميل، والمواقف التي تثبت الشرف والوفاء والنبل، ولا تمل من القيام به. فقط لأن قلوبهم بامتداد استعدادهم لتجاوز النكران والجحود والإغفال. وهم لا يصنعون ذلك كي يرفعوا القيم تلك شارات للرائح والغادي كي يعرف من هم، وما حقيقتهم.

يفعلون كل ذلك لأنها الطبيعة التي يجب أن يكونوا عليها، وبكلمة بسيطة: لأن تلك هي حقيقتهم، ولا يجيدون شيئاً في الحياة على النقيض من ذلك، لأنهم ساعتها يتقمصون أدواراً ليست لهم، ويقدّمون صورةً زائفةً لا تليق بالبياض الذي تمتلئ به قلوبهم وأرواحهم. خسارة أولئك ستنعكس اليوم أو غداً في طبيعة علاقاتنا بالعالم من حولنا، وفي طبيعة علاقاتنا حتى مع أنفسنا، بالنظر إليها، وبالضرورة النظر إلى الآخرين.

كلما انشغل الإنسان بالنظر إلى نفسه، والاهتمام بتفاصيله هو فقط، كلما نأى وابتعد وكانت بينه وبين الناس برازخ وخنادق وفواصل، يصعب مع مرور الزمن اجتيازها، أو التغلب عليها.

حين تعجز عيوننا عن النظر إلى بؤس الناس، فلن يمنحنا ذلك صك ضمان سعادة لا تمر بأطوار التقلبات والتغيرات، شأننا شأن أي مخلوق بشري، وحين نعجز عن الوقوف على القيمة التي يمنحنا إياها أولئك البشر بالحب الذي لا حدود له، وبنكران الذات أمامنا، من دون أن نبدي امتناناً ولو للقليل من ذلك، نكون ساعتها أمواتاً محاصرين في أشكالنا وملامحنا، فيما الروح غائبة بانعدام ذلك الحس.

وحين يصبح التعامل مع التفاصيل تلك أمراً عادياً وطبيعياً فلا أمل يرجى من صلاح النفوس، وانتباهها وخروجها على الغفلة أو الاستغفال.

قيمة أيٍّ منا بقدرته على أن يكون منتبهاً لما ومن حوله. ومثلما من الضرورة وضع الأمور في نصابها الصحيح، فمن باب أولى، وأول تلك النصابات أن يكون الحس يقظاً والمشاعر فاعلة متفاعلة، وتقدير الجميل من المواقف والصنيع، وأسماها وأعلاها درجة من بين كل ذلك هو الحب، بكل ما يكتنز به من معنى وإعجاز في الأثر.

كل خسارة يمكن أن يتم احتواؤها مادام في الإنسان قلب ينبض، وروح تهفو إلى السمو، إلا أن خسارة الذين يحيون من أجل أن نكون في أحسن حالاتنا، ولا يترددون في مشاركتنا الآمال والآلام معاً، فإن لخسارتهم خسارة أنفسنا وأرواحنا، وكل معنى وقيمة يمكن أن تدلا علينا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4625 - الأربعاء 06 مايو 2015م الموافق 17 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً