العدد 4625 - الأربعاء 06 مايو 2015م الموافق 17 رجب 1436هـ

رحيل روائية الجريمة روث رندل عن 85 عاماً

غلاف رواية «الوحش في الصندوق» - أحد إصداراتها باسم باربرا فاين
غلاف رواية «الوحش في الصندوق» - أحد إصداراتها باسم باربرا فاين

أعلن ناشر مؤلفة روايات الجريمة، البريطانية روث رندل، «هاتشينسون»، وفاتها يوم السبت الماضي (2 مايو/ أيار 2015)، بعد إصابتها بجلطة خطيرة في يناير/ كانون الثاني الماضي.

رندل، التي اعتبرها كثيرون الخليفة الفعلية لرائدة الروايات البوليسية، وخيال الجريمة أغاثا كريستي، هي واحدة ممن كرَّسوا بأسلوبهم السلس واحداً من فنون الرواية بعوالمها المعقدة، والألغاز التي تكتنفها، حابسة أنفاس القرَّاء، واضعة إياهم في حال من الإثارة والتشويق.

قالت عنها هيئة الإذاعة البريطانية، إنها عضو بارز في جيل من الكتَّاب ممن تناولوا خيال الجريمة، وحوَّلوه إلى الأدب في شكله الرصين والسلس والمُعقَّد في عوالمه وشخوصه، وعمق مضامينه.

نالت شهرتها في أعمالها الأولى بابتكارها شخصية المفتش ويكسفورد، في أول رواية لها بعنوان «فروم دون ويذ ديث» في العام 1964، وفي سجلِّها قائمة طويلة من الأعمال التي وإن عالجت موضوعات الجريمة إلا أنها لم تخلُ من التَّمَاس مع قضايا التمييز على اختلاف أنواعه ودرجاته. وتشير سيرتها، إلى أن رواياتها التي بلغت ستين رواية، سجلت أرقاماً على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً.

الاسم المستعار

أعمالها الأولى وما تبعها، كتبتها باسم مستعار عُرف بـ «باربرا فاين»، وانتشرت في أكثر من 30 دولة، وتم تكييف الكثير منها لتظهر في عدد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، وحققت نجاحاً كبيراً، بموازاة كتبها التي تُرجمت إلى عدد من اللغات الحيَّة.

اهتمت في رواياتها بنماذج من البشر يُعانون من النكبات، ومن خلفيات نفسية إجرامية وكذلك الضحايا، حيث بحثت عميقاً في تلك الحالات، كما تضمنت أعمالها نماذج للمعزولين اجتماعياً.

بالمرور على أرشيف اللقاءات الصحافية التي أجرتها، نقف عند إحداها، وتحديداً مع صحيفة «الغارديان» البريطانية، تناولت في جانب منه موضوع الأسرار والغموض الذي يجب أن يكون موجوداً كجزء من القصة لجعل القارئ في حال ترقب وتشويق تجعله مشدوداً إلى الأحداث.

بقيت الإشارة إلى الجانب الإنساني لرندل، والقضايا التي تبنَّتها، بما توافر لها من تأثير وأدوات، ومن بينها عضويتها لمجلس اللوردات البريطاني، وبعيداً عن عالم الغموض والإثارة في رواياتها، فهي ترعى جمعية خيرية للأطفال مهمَّتها مساعدة الأطفال المحتاجين في ريف دارفور بالسودان.

أليسون فلود وفانيسا ثورب، كتبتا تقريراً في صحيفة «الغارديان» يوم السبت الماضي (2 مايو 2015)، نورد جانباً منه، مع لمحة مختصرة عن سيرتها الذاتية.

الامتاع في العالم المُعْتم

روث رندل، إحدى أفضل المؤلفين البريطانيين المُحبَّبين، والتي أمتعت المعجبين لعقود بعالمها المُعتم والغامض، ذلك الذي خطَّطت له بشكل مُعقد ومُذهل من خلال روايات الجريمة، توفيت عن عمر ناهز الخامسة والثمانين عاماً، بحسب ما أعلن ناشرها.

بارونة بايبرغ، رندل، مبتكرة شخصية المفتش ويكسفورد ومؤلفة أكثر من 60 رواية، نقلت إلى المستشفى بعد إصابتها بجلطة خطيرة في يناير الماضي، وتوفيت في لندن صباح السبت (2 مايو 2015).

وقال بيان صادر عن ناشرها «هاتشينسون»، بأن عائلتها طلبت الخصوصية في مسألة وفاتها.

وأعرب كاتب الجريمة فال مكديرمد عن حزن عديد من معجبي رندل حين سمعوا بالنبأ.

وقال: «روث ريندل فريدة من نوعها. لا أحد يستطيع أن يعادلها في مجموعة الإنجازات التي حققتها؛ ولا أحد كسب الاحترام الكبير من بين زملائها العاملين مثلما فعلت».

وتدين رواية الجريمة البريطانية، بالكثير إلى الكاتبة خلال فترة عملها الذي امتد إلى أكثر من 50 عاماً؛ حيث أظهرت باستمرار أن هذا النوع من الكتابة يُمكنه إعادة اختراع نفسه باستمرار، والتحرُّك في اتجاهات جديدة، بافتراض مخاوف جديدة واستكشاف طرق جديدة لسرد القصص. وهي تفعل كل ذلك بأسلوب نثري لافت وسلس».

نعي الأصدقاء

من جانبها، قالت رئيسة «بنجوين راندوم هاوس» في المملكة المتحدة، والتي تتفرع عنها هاتشينسون ناشرة أعمالها، البارونة غيل ريبوك: «كانت روث تحظى بإعجاب كبير من قبل صناعة النشر بأسرها لبُنْيَة أعمالها الرائعة. أبرزت ملاحظة ثاقبة وأنيقة في المجتمع، وكثير من الجوائز التي فازت بها عن أعمال الرعب وأسرار القتل النفسي، أضاءت الأسباب العميقة التي كانت تهتم بها».

وأضافت ريبوك «كانت كاتبة كبيرة، مناضلة من أجل العدالة الاجتماعية، وهي أم فخورة وجدَّة، وصديقة سخية ومخلصة، وربما أفضل شخص قرأته من الذين قابلتهم في حياتي. العديد من أصدقائها المقربين في مجال النشر ومجلس اللوردات، سيفتقدون كثيراً صحبتها الرائعة ومساهمتها الفريدة حقاً في حياتنا».

العضو المنتدب لشركة «كورنر ستون»، التي تدير هاتشينسون، سوزان ساندون، أثنت أيضاً على حياة رندل وعملها: «كانت روث محبوبة كمؤلفة وصديقة بالنسبة إليَّ، وبالنسبة إلى الكثير منا. كتاباتها وصحبتها أثْرَت حياتنا جميعاً. مثقفة، وحكيمة ومسليِّة إلى ما لا نهاية، وسَتُفتقَد إلى حد كبير».

عُرفت للمرة الأولى بعد نشر روايتها «فروم دون تو ديث» في العام 1964، مع المفتش ويكسفورد. وتضمَّنت روايات رندل المفتش ويكسفورد في سلسلة الجريمة، وقصص الرعب النفسي، وكتبتها باسم مستعار عرف بـ «باربرا فاين».

ويكسفورد يشبهني

وكانت رندل قد قالت لصحيفة «الأوبزرفر» في العام 2013: «إنه من النوع الذي يشبهني، وإن لم يكن بشكل كامل. يحمل ويكسفورد وجهات نظري بشكل جيد في معظم الأشياء، لذلك أجد وضعه على الصفحة أمراً سهلاً إلى حد ما».

في روايتها «الفتاة في البيت المجاور»، تحكي عثور خادمة على فتاة تم قتلها في بيت كاهن، يجد المحقق ويكسفورد رسالة تم وضعها في أحد الكتب قرب سرير القتيلة، يوصله ذلك إلى اكتشاف الكثير عن ماضي الضحية، وهي من عرق مختلط، وتعرَّضت إلى ممارسات تتعلق بالتمييز الجنسي.

عملت ككاتبة صحافية لدى صحيفة «تشيغويل تايمز»، لكنها استقالت بعد أن تبيَّن أنها كتبت تقريراً عن عشاء في نادٍ محلي لكرة المضرب من دون أن تحضر الحدث، وذلك يعني أنها فوَّتت وفاة كلمة المتحدِّث الرئيسي في حفل العشاء أثناء إلقاء خطابه.

وكانت صديقتها جانيت وينترسون، قد قالت: «كانت تمثل قوة رئيسية في رفع مستوى الكتابة حول الجريمة، محلِّقة بذلك النوع من الخيال؛ أخذاً به إلى مستويات من التطور في الأدب السائد».

ومن ضمن الشهادات، تأتي إفادة إيان رانكين، الذي قال، إنه ينظر إلى رندل باعتبارها «ربما أعظم كاتبة في الجريمة على قيد الحياة»، وأضاف أنه «إذا كان خيال الجريمة حالياً في حال صحية قوية جداً، فإن ممارسيه يسعون جاهدين لتحسين الحِرَفية والحفاظ عليه حيوياً وطازجاً، ونابضاً بالحياة وموضوعاتها ذات الصلة، وهذا بفضل روث رندل».

وبتتبُّع موت رندل عن كثب، هنالك زميلها كاتب الجريمة بي دي جيمس، صديقها الطيب والخصم السياسي في مجلس اللوردات.

المذيع والكاتب مارك لوسون قدَّم لها تحية في نهاية الأسبوع وأطلق على كل من «جورج إليوت وجين أوستن كتَّاب روايات الجريمة والقتل: عقول ونمط مختلف؛ ولكن المواهب متساوية». خلَقوا بالخيال في أعمالهم ما ينقذ الخيال البريطاني من ازدراء نقاد الأدب الجادِّين».

التشويق وطيُّ الصفحات

إلى ذلك، قال كاتب الجريمة سيمون بريت، إن نتاج رندل كان مُدهشاً. لا أستطيع أن أفكِّر في مثال آخر لمؤلف أحدث انتقالات في تجربته بشكل كبير جداً مثلما فعلت».

وكانت رندل قد صرَّحت لصحيفة «الغارديان» قبل عامين بالقول: «التشويق هو حالة تخصني. أعتقد أنني قادرة على جعل الناس مستمرين في طيِّ الصفحات. أنا فقط انتظر حتى أحصل على الشخصية وأظل أفكر: لماذا يقوم أي شخص بفعل ذلك، ما الذي يكمن في خلفياتهم، ما الذي في حياتهم يجعلهم يفعلون ذلك؟».

وكانت رندل قد فازت بعديد الجوائز بما في ذلك جائزة رابطة كتَّاب الجريمة للتميز المستدام في كتابة رواية الجريمة، وكانت حياتها حافلة بالكثير من العمل الملفت؛ إذ ساعدت على إصدار قانون منع إرسال الفتيات إلى الخارج كي يخضعن لتشويه الأعضاء التناسلية وهو ما يعرف بـ «الختان».

وكانت عضواً منتظماً في مجلس اللوردات، وأكملت مؤخراً لناشرها «هاتشينسون» روايتها الأخيرة. وفي العام 2013 قالت لصحيفة «الغارديان» بألاَّ خطط لديها للتقاعد. «لم أستطع فعل ذلك (التقاعد). هذا ما أفعله (الكتابة) وأنا أحب القيام بذلك. وهو أمر ضروري لحياتي». وقالت: «أنا لا أعرف ماذا سأفعل لو لم أكتب. سأقوم بذلك حتى أموت، أليس كذلك؟ إن استطعت. لا تدري، ولكن على الأرجح ذلك هو ما سيحدث».

ضوء على السيرة

يُذكر، أن البارونة روث رندل، ولدت في 17 فبراير/ شباط 1930 في جنوب وودفورد بلندن، وتوفيت في 2 مايو الجاري.

كان والداها مُعلميْن. والدتها، إيبا كروز، من مواليد السويد ونشأت في الدنمارك؛ أما والدها، آرثر غراسمان إنجليزي الأصل. ونتيجة قضاء فترات عيد الميلاد والأعياد الأخرى في الدول الإسكندنافية، تعلمت رندل اللغتين السويدية والدنماركية. وتلقت تعليمها في المدرسة العليا للبنات في إسيكس.

التقت رندل زوجها، دون رندل عندما كانت تعمل كاتبة صحافية. تزوجا عندما كانت في العشرين من عمرها، وفي العام 1953 أنجبت ابنها سيمون، ويعمل حالياً موظفاً اجتماعياً نفسياً، ويعيش في الولايات المتحدة الأميركية بولاية كولورادو.

انفصل الزوجان في العام 1975 وتزوَّجا ثانية بعد عامين. توفي زوجها في العام 1999 بسبب إصابته بسرطان البروستاتا.

هي عضو في مجلس اللوردات عن حزب العمال. في العام 1998 دخلت قائمة أكبر المانحين الماليين الخاصة بالحزب.

عرضت في مجلس اللوردات مشروع قانون أصبح فيما بعد قانوناً يعاقب ختان الإناث، وذلك في العام 2003. وفي أغسطس/ آب 2014، كانت رندل واحدة من 200 من الشخصيات العامة الموقعين على رسالة وجِّهت إلى صحيفة «الغارديان»، تعارض استقلال اسكتلندا في الفترة التي سبقت استفتاء سبتمبر/ أيلول 2014.

تلقت عديد الجوائز الأدبية الرفيعة، من بينها جائزة رابطة كتاب الجريمة، وجائزة مجلس الفنون للكتاب الوطني، وجائزة «صنداى تايمز».

بالإضافة إلى الأعمال البوليسية وأعمال الجريمة الغامضة التي اشتهرت بها، كتبت رندل أعمالاً لها طابع رومانسي، وبحثت في بعضها التواصل الخاطئ، وتأثيرات الحظ والمصادفة.

كما واصلت العمل على تطوير موضوعات تناقش سوء فهم الإنسان، والعواقب غير المقصودة لكشف أسرار الأسرة. لوحظ على المؤلفة أناقة النثر، واقترابها من الرؤى الحادة في العقل البشري. وخلال الأربعين سنة الماضية، عملت رندل على عدد من التغيرات الاجتماعية، وكانت نشطة في نشر الوعي بتناولها لقضايا العنف المنزلي.

روث رندل في مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب في العام 2012
روث رندل في مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب في العام 2012

العدد 4625 - الأربعاء 06 مايو 2015م الموافق 17 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً