قالت الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المدير الإقليمي لمكتب الدول العربية ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيما بحّوث: «إن منطقتنا تعيش حالة من انعدم الاستقرار ولا أبالغ إن قلت أنها في حالة غليان، فلا يمكن أن تكون هناك تنمية في ظل نيران مستعرة تطلق بدافع الغضب فانعدام التنمية يمثل بالأساس سبباً من أسباب نشوب النزاعات، فعلى المستوى الإقليمي يمثل السلام ضرورة واحتياجاً لا غنى عنه، فبدون سلام لا يمكن الحديث عن تنمية ناهيك عن استدامتها، وهذا السلام ينبغي أن يكون مرتكزاً على جهود قوية للبناء على نحو أفضل وضمان التعامل مع جذور النزاعات في جانبيها التنموي والبيئي وإن كل أبناء الوطن الواحد يشتركون في صياغة رؤية مشتركة لمستقبلهم».
وأشارت في كلمتها بأنه وحيث ينعدم السلام يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع جميع الأطراف المعنية للبناء لغد أفضل لتمكين المجتمعات من مواجهة التحديات والصمود بقوة إزائها حتى تستطيع التحرك من النزاعات التي أوقعت خسائر فادحة بمستقبل التنمية المستدامة في تلك المجتمعات، ورأت بأنه حيث يعم السلام ويحل الاستقرار يمكن الحديث عن رؤية مشتركة للمستقبل وأن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيعمل بلا كلل لمساندة الجهد المشترك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقالت: «يأتي اجتماعنا هذا في مرحلة عصيبة تمر بها منطقتنا العربية، ولكن لا بد من التطرق إلى مراجعة التحديات التي تواجه الدول العربية فعلى الصعيدين الدولي والإقليمي، اتفق قادة العالم منذ خمسة عشر عاماً في قمة الألفية على برنامج طموح تبلور في الأهداف الإنمائية للألفية، والتي مكنت جميع دول العالم وللمرة الأولى من وضع رؤية مشتركة للتنمية وعلى نحو يسمح بقياس الإنجاز بموضوعية، ولا شك أن هذه الأهداف أسهمت على نحو كبير في دفع جهود التنمية وطنياً ودولياً، حتى وإن اعتبر البعض أنها قد وضعت دون مشاركة واسعة من الأطراف المعنية، وإنها لم تأخذ أو تراعي وجهات النظر المختلفة وكذلك الاحتياجات الخاصة بمناطق معينة».
ووصفت ذلك الإطار بالجامد ولم يتسم بمرونة كافية، ورأت ضرورة وجود منهج يتسم بمرونة أعلى تسمح باستيعاب الاختلافات بدقة، وتسليط الضوء على وتيرة الإنجاز في ظل الأجندة التنموية الجديدة.
وأضافت بأن توفر الحاجة إلى وضع إطار عمل لما بعد عام 2015 فرصة للتفكير في أوجه العجز والقصور التي تعاني منها البلدان العربية وخاصة في ظل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي للمنطقة العربية، منوهة بأنه ورغم أن التحديات الحالية قد تبدو عصية، فإنه يتعين التفكير في كيفية صياغة إطار مغاير ومؤشرات أفضل للنمو الشامل والعادل في سياق المنطقة العربية وصياغة نهج تنموي يرتكز على حقوق الإنسان والتي تمثل حجر الزاوية لتحقيق أثر إنمائي مستمر.
وتابعت بأن الأجندة الجديدة تضع استدامة التنمية في صلب الاهتمام بالمستقبل بما يتعدى التركيز على النمو الكمي وبما يسمح بتخطي المناهج القائمة على رؤية الإنجاز من خلال عدسة تختزل النتائج في سياقات عامة تخفي في طياتها العديد من أوجه التمييز، خاصة ضد المرأة وكذلك أوجه كثيرة من انعدام المساواة وأن هذه السياقات العامة تتسم في أحيان كثيرة بخطورتها في طمس مشاعر الإحباط والتهميش.
ورأت بأن الإطار الجديد للتنمية يقدم المنهج الثاقب، منوهة بأنه وفي الوقت الذي يتم التطلع إلى مناقشات ومداولات الجمعية العامة في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل أصبح واضحاً وجود توجهات عامة بما يتعلق بضرورة التركيز على الاستدامة البيئية وارتباطها الوثيق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وأهمية القيام بثورة في منهجية تجميع وتحليل البيانات وكذلك ضرورة وضع أطر وطنية للتنمية المستدامة لا تستلهم الأولويات من الأجندة العالمية فحسب، ولكن تبني عليها أيضاً.
شح المياه قضية سياسية بامتياز
وأشارت إلى أن التركيز على الاستدامة البيئية يمثل أهمية خاصة بالنسبة للمنطقة العربية، إذ قالت: «نحن نعيش في منطقة وإن كانت تزخر بموارد معدنية إلا أن طبيعتها تتسم بالفقر الشديد في مصدر حيوي ألا وهو المياه، ومن ناحية أخرى تأتي مفاعيل تغير المناخ لتزيد من حدة ما تعانيه المجتمعات العربية من شح كبير في المياه، ومنذ عامين أطلقنا هنا في المنامة تقريراً هاماً عن حوكمة المياه في المنطقة العربية يوضح حجم التحديات التي تواجهها المنطقة فيما يتعلق بشح المياه وكيف أنها يمكن أن تكون مصدراً من مصادر النزاع أو هي بالفعل أصبحت مصدراً له، ونحن مازلنا على اعتقادنا بضرورة التعامل مع هذه القضية على نحو استراتيجي لا يتناول المياه فقط كسلعة للتسعير وإنما كمصدر للحياة تناقصه يؤدي إلى ما هو أعظم من خطر بيئي إذ يعصف بكل إنجاز تنموي، وهو يمثل أيضاً قضية سياسية بامتياز».
ورأت ضرورة التشديد على أهمية الانتباه وبشكل عاجل لقضية تنويع مصادر الطاقة في المنطقة العربية بما يتجاوز الاعتماد على النفط، ليس فقط من أجل تقليل انبعاث الكربون للحد من تسارع التغير المناخي، ولكن كذلك لضمان مستقبل الأجيال المقبلة وحقها في تنمية متقدمة تعتمد على مصادر متجددة من الطاقة، منوهة إلى أن تأسيس مملكة البحرين لمركز الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة يأتي كخطوة رائدة في هذا المجال على الصعيد العربي كله.
وتطرقت بحّوث إلى التحدي الثاني في المنطقة العربية والمتمثل في توفير البيانات المفصلة اللازمة لأي تخطيط تنموي سليم، إذ بينت: «بينما تعتبر العديد من بلداننا رائدة في مجال الإحصاء، فإن البيانات تمثل حساسية في هذا الوقت الحرج، وأؤكد أهمية هذه البيانات المفصلة التي سنحتاجها للتعرف بدقة على الفوارق القائمة على النوع الاجتماعي والتي تسمح بإجراء مقارنات بين المناطق والأقاليم المختلفة على الصعيد الوطني».
وأضافت:» إن فوائد التنمية التي لا تصل إلى الفقراء والفئات الأكثر ضعفاً لا يمكن قراءتها بوضوح من خلال استعراض البيانات التي تعتمد منهج المتوسطات الوطنية، فهذا الأسلوب يحجب رؤية الواقع بدقة ولا يوفر البيئة التي تسمح باستدامة التنمية.
ورأت ضرورة التعامل مع الأهداف الجديدة على نحو مرن يسمح بتحريك الحدود الدنيا لتبني خطوط وطنية تعكس الواقع المجتمعي وتعرجاته الداخلية، منوهة إلى أنه غالباً ما يؤدي تبني الحدود المتفق عليها دولياً إلى الإحساس بشعور مختلق بالإنجاز ونسيان التحديات القائمة بالفعل والأركان إلى إنجازات يتعين دفعها دوماً إلى الأمام.
هذا وذكرت بأن المنتدى يمثل مناسبة في غاية الأهمية للاطلاع على التقدم المحرز في تحقيق الأهداف الإنمائية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، وكذلك لمناقشة وتدارس وضع التنمية المستدامة على نحو عام في المنطقة العربية، وذلك في ضوء مسارات التفاوض الدولية المقبلة والتي تشمل مؤتمر أديس أبابا حول تمويل التنمية (يوليو/ تموز 2015)، ثم قمة الأمم المتحدة لاعتماد خطة التنمية لما بعد عام 2015 (سبتمبر/ أيلول 2015)، ومؤتمر باريس بشأن تغير المناخ (أكتوبر/ تشرين الأول 2015).
العدد 4624 - الثلثاء 05 مايو 2015م الموافق 16 رجب 1436هـ