من عمق آلامنا عادةً ما تولد أكبر آمالنا. تلك سيرة قرأها جيداً الشاب البحريني محمد جاسم أحمد (25 عاماً) بعد أن واجه «معاناةً كبيرةً» - كما وصفها - بسبب طرده المتكرر من العمل بداعي إصابته بمرض السكلر.

محمد وهو من قرية الدير غصن واحد من شجرة «المسكلرين» البحرينيين الكبيرة، لكنه غصن لم يقبل أن تذبل أحلامه أو بعبارة أصح أن يتولى البعض إذبال أحلامه.

يقول إنه وجد نفسه غير مرةٍ على قارعة طريق التعطل. حدث ذلك عندما «تم فصلي من عدة وظائف بسبب التغيب الناجم عن المرض، مع إنني لا أرقد فترة طويلة في المستشفي، وعدد النوبات التي أصاب بها قليلة جداً، وانتظامي وقيامي بواجباتي الوظيفية يشهد به زملائي، ولكنهم مع ذلك يستغنون عن خدماتي ظناً منهم أني سوف أتغيب بشكل كبير في المستقبل وهذا الأمر غير صحيح» - يبوح محمد -.

إذاً فمحمد ليس مريضاً بنوبات السكلر التي تلم به أحياناً، بل أيضاً بنظرة قاسية تحاول أن تنزع زهرة شبابه في أوج تفتحها، عوضاً عن سقايتها بالتقدير والمساعدة.

غير أن الناجحين أو الذين يتمنون أن يكونوا كذلك لا يشربون اليأس بسهولة، وهو ما بدا جلياً في إرادته عندما قال: «أنا لا أعتبر السكلر مرضاً، بل تحدٍ يجب أن أتخطاه لأستمر في حياتي وتحقيق ما أمكن من أحلامي».

وليس من حلمٍ عند محمد أكبر من الاشتغال بالإخراج أو الإنتاج الفني للأفلام القصيرة. وعندما أجريت معه هذا اللقاء، كان محمد قد أمضى عاماً كاملاً في هذا الطريق، أنتج خلالها 4 أفلام اعتبرها «بداية طريقه للاحتراف في هذا المجال».

ورغم معاناته من نظرات «مقرفة» لمرضى السكلر، حالت دون قدرته على الاستقرار في وظيفة، إلا أن هم الخدمة ونفع الناس ضل يحرك وجدانه، ويحفزه على الإبداع، ظهر ذلك خلال إجابته عن السبب الذي دفعه لمجال الإخراج، حيث ذكر «لا يوجد فكرة معينة دفعتني للمجال، لكن عانيت من فترة فراغ خاصة بعد طردي من الوظائف، وكنت أحاول أن أفعل شيئاً لأستغل هذا الوقت بإنتاج عمل يفيد المجتمع ولو بالقليل، لكن بعد أول عمل أحببت النتائج فقررت الاستمرار».

وعن الأعمال التي أنتجها يتحدث محمد «أول فيلم كان بعنوان (رضا الناس غاية لا تدرك)، مثَّل فيه مجموعة من شباب القرية، وهذا كان بالنسبة لي بمثابة قاعدة الانطلاق، كما أخرجت فيلماً بعنوان «نظرة مظلومة» وهو موجود علي موقع «Vimeo» ومدته 7 دقائق. الحقيقة أنا ومجموعة من الشباب استطعنا تصويره في يوم واحد فقط، وقد كانت رسالته تنبيه الناس إلى عدم اتخاذ القرارات المتسرعة بحق الآخرين، والظن بهم ما يؤدي إلي نتائج ظالمة في حق الطرف الآخر».

يضيف محمد «ومن الأعمال التي أعتز بها أيضاً آخر إنتاجاتي، وهو عبارة عن فيديو يصنف شبه وثائقي لقريتي الحبيبة الدير، وكان بعنوان (الدير من هنا وهناك) وقد عملنا فيه جزءين، وهو يهدف إلي إبراز الحياة العامة والأماكن والحرف المميزة في القرية، التي ستعتبر بعد زمنٍ ما تراث مهم سينظر إليه الكثير بالاشتياق والاعتزاز».

وفي ضفة أخرى ليست ببعيدة، تحدث محمد عن ضرورة تعزيز الثقة بمرضى السكلر، وعدم الحكم عليهم بسلبية مطلقة لمجرد كونهم مصابين بهذا المرض. فعن ثنائية «المرض والإبداع» قال: «المرض لم يكن عائقاً لي في هذا المجال وأسعى للتطور إلي الأفضل. البعض وللأسف الشديد يري مرضي السكلر غير مؤهلين للإنتاج والإبداع، وهذا الشيء يحبط من عزيمة البعض. انظر إلي الساحة البحرينية في شتي المجالات ستجد مرضي السكلر متواجدين، ويقدمون الكثير للمجتمع في مختلف المجالات».

ويتابع «أصنف نفسي حالياً كمبتدئ، ولكني أطمح للاحتراف وهذا حلم حياتي. تجربتي في التصوير والإخراج بسيطة جداً أمام كل هذه الأعمال الاحترافية الموجودة في الساحة. صحيحٌ إن الأدوات التي أستخدمها تعد بسيطة غير أنني أسعي دوماً للتعلم من تجارب غيري، وأتابع أعمالهم بشغف كبير» .

وفي ختام حديثه، وجه محمد دعوة لأصدقاء المرض، «زملائي مرضي السكلر لا تدعوا أحداً يقتل أحلامكم مهما كانت كبيرة، ثقوا بقدراتكم وإمكانياتكم حتى لو كانت متواضعة، فلا يوجد شيء اسمه مستحيل في هذه الحياة. هنالك الصعب نعم، ولكن لا يوجد مستحيل، أما عن مجتمعي البحريني الغالي، فأتمني منهم إعطاء مرضي السكلر مزيداً من الفرص والثقة في جميع نواحي الحياة العملية والاجتماعية وغيرها».

وخص بالشكر ما اعتبرهم أولي فضلٍ عليه «وفي سياق هذا الحديث أوجه رسالة شكر «لقناة الدير الإعلامية» المختصة بتغطية جميع الفعاليات الاجتماعية والدينية فقط، فهي الجهة الوحيدة التي احتضنتني ووثقت بقدراتي وأنا ممتن لهم كثيراً».