مع التغييرات الإدارية المستمرة في إعادة هيكلة الدولة، وتجديد أجهزتها بدماء شابة في مختلف المواقع، من المنتظر أن ينعكس ذلك أيضاً على السياسات العامة للدولة داخلياً وخارجياً، بصورة تعزّز توجهات جديدة ومتناسبة مع التحديات التي نواجهها في هذه المرحلة.
مع أن الجو العام يسوده التفاؤل بهذه التغييرات التي ساهمت في تحريك الجمود الإداري وزادت من ديناميكية صناعة القرار، إلا أنه قد يكون من السابق لأوانه إعطاء تقويم واضح حول التغيرات الجارية والمستمرة في مختلف أجهزة الدولة، حيث أن ذلك بالطبع سيحتاج بعض الوقت لمعرفة النتائج التي قد تفضي إليها هذه التغييرات.
ومادمنا بصدد مراجعة الملفات العالقة إدارياً واقتصادياً وأمنياً، فإن هناك عديداً من القضايا الاجتماعية والملفات الداخلية التي ينبغي إعطاؤها الأولوية في المعالجة، ولعل الوقت مناسب الآن أكثر من أي وقت مضى لاتخاذ قرارات حاسمة حولها.
يأتي موضوع تعزيز الوحدة الوطنية على رأس هذه القضايا، ففي ظل التحديات القائمة وانبعاث روائح طائفية نتنة وممارسات عنصرية متصاعدة مؤخراً، ينبغي الإسراع في معالجة ذلك من خلال نظام وقانون واضح يجرّم الحضّ على الكراهية والدعوة إليها – كما طرحه أعضاء مجلس الشورى.
القرارات الكبيرة التي صدرت مؤخراً هي بحاجةٍ إلى دعم شعبي ومشاركة واعية لإنجاحها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إحداث نقلة حقيقية في مشاركة المواطن في صناعة ومتابعة ومراقبة القرارات والسياسات المختلفة. وذلك يتطلب أيضاً توسيع دائرة اتخاذ القرار وإفساح المجال أمام شرائح شعبية أوسع للمشاركة فيه، وإعطاء صلاحيات ودور أكبر للجهات الرقابية والتشريعية المختلفة.
قضايا المواطنين وحاجاتهم ينبغي أن تنال الاهتمام الجاد، خصوصاً تلك المتعلقة بمشكلات البطالة والإسكان والتعليم والصحة، التي لاتزال تواجه عقبات وتحديات مزمنة. من أجل معالجة جميع هذه القضايا ينبغي عمل خطة وطنية استراتيجية متكاملة تقوم عليها مختلف الجهات المعنية وليس بعضها، حتى يتم تقديم خدمة شاملة وكاملة ومستدامة.
الأمن مسألة ضرورية وملحة في هذه المرحلة، والمحافظة عليه مسئولية وطنية مشتركة، لكن ذلك ينبغي ألا يكون مبرراً للتجاوزات. وعليه فإن من أولويات هذه المرحلة هو التعاطي المتوازن مع قضايا الموقوفين – وخصوصاً من أوقفوا على خلفيات فكرية وسياسية وليست جنائية – لأن ذلك من شأنه خلق مناخ توافقي وإيجابي في مختلف الأوساط، وتعزيز قيم حقوق الإنسان على الصعيد الوطني.
الفساد بأشكاله ومستوياته المختلفة يشكّل قضية ذات أولوية في بلدنا، حيث إنه يستهلك جزءاً كبيراً من الناتج القومي، ويعيق تنفيذ وجودة المشاريع الاستراتيجية والخدمية. ومن هنا، فإن معالجة الفساد واقتلاع جذوره المزمنة ينبغي أن تنال كبير الاهتمام، وأن توضع لها استراتيجية وطنية شاملة تشمل الرقابة المستقلة على المال العام.
هذه خمسة ملفات رأيت فيها قضايا وطنية عامة وملحة، بحاجةٍ إلى توجه جاد لمعالجتها في ظل الترتيبات الحالية، التي قد تفضي إلى سياسات أكثر وضوحاً وقرارات أكثر عملية حول هذه القضايا وغيرها.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4623 - الإثنين 04 مايو 2015م الموافق 15 رجب 1436هـ