تزدحم وجوه المارة من حولك حاملة بضائع مختلفة، مثل ما هي وجوههم وجنسياتهم، تطيل النظر فترى الكل في حركة دائمة شغوفة يبحثون عما يرضيهم ويبث الفرحة في قلوبهم، فيجفف ذاك عرق جبينه وذاك يمسح الأتربة عن بضاعته حتى تبدو مضيئة في أعين الناظرين، تطوي الأرض برجليك فتتشكل من خلفك وأمامك محلات متنوعة في العرض والمضمون، تمشي في ذلك الزقاق الضيق المزدحم، فتسمع أصواتاً متناغمة أشبه بموسيقى الصباح، تبتسم، تزيد من خطواتك بحثاً عن المزيد من النغم، حينها تجد شارعاً طويلاً فتعرف أنك في وسط العاصمة المنامة.

تصل، فترى أعيناً تبعث لك التحية من شرفة القلب، تحييك وتقدم لك الشاي الساخن المتوج بطعم الزعفران، فتتجول عيناك من حولها، لتشاهد بضع محلات صغيرة مكسوة بنوافذ زجاجية كمرآة تعكس ذاتها متسلسلة على شارع واحد بعدما كانت تتجاوز الثلاثين محلاً، تحمل منتجات أساسية لا يخلو منها أي بيت، فتنبهر عيناك من جمال الألوان المتناثرة في كل جانب، فبعضه يلمع كالذهب وآخر كالزمرد، تظن نفسك أنك في محل للمجوهرات ولكنه محل البهارات.

دخلت عدسة «الوسط» هناك وقابلت أصحاب المحلات الصغيرة القليلة، حاورتهم حول سوق المكان وأوضاعه.

صاحب محل بيرشن للمواد الغذائية صادق إبراهيم، قال: «إن الزبائن المواطنين والمقيمين يندر وجودهم هنا بينما يكثر وجود الخليجيين، وخصوصاً الأخوة السعوديين من المنطقة الشرقية، وكذلك الأجانب من البلدان الإسكندنافية وألمانيا وبريطانيا، إذ إن المواطنين لا يرتادون السوق إلا في أشهر محددة وهي محرم وصفر ورمضان المبارك والعيد إضافة إلى مناسبات الزواج».

وتابع «تراجع عدد الزبائن عن السابق بسبب قلة مواقف السيارات التي تشكل سبباً رئيسياً، فالكثير من الزبائن يطلبون بعض البضائع، ولكن سرعان ما يتراجعون عندما يعرفون أنه ليس هناك موقف لسياراتهم أو قد تكون بعيدة جداً يصعب حمل البضائع إليها، لذا يجب تطوير الموقع وذلك لأهميته، فنحن في هذه المحلات منذ ما يقارب أكثر من 40 عاماً، لذا نطالب بالتطوير مثلما تم تطوير مجمع باب البحرين وجعله مكاناً مناسباً ومريحاً للتسوق، كبناء مجمع جديد ووضع مواقف جديدة داخله إضافة إلى تشييد فنادق جديدة».

وأضاف إليه صاحب مؤسسة «kH&M» التجارية علي أصغر، أن محله مضى على تأسيسه ما يقارب الستين عاماً، إذ إن موقع تواجده قديم جداً وكذلك المحلات المجاورة، إذا إنها «كانت تستقطب الكثير من الزبائن المحليين وكذلك الخليجيين، أما الآن فقد فقدت السوق حيويتها بسبب انقطاع الزبائن وذلك بسبب ندرة المواقف للسيارات، فالكثيرون ينزعجون من قلة المواقف إلى أن توقفوا عن القدوم للتبضع، وهذا يخسرنا الكثير، وأيضاً الشارع والبيئة المكانية تحتاج إلى تطوير وصيانة دائمة، فالشوارع غير المستوية تشكل عائقاً ذلك في السير والتجول بالسيارة في المكان».

وذكر صاحب محل النحل لبيع المواد الغذائية والبهارات محمد شرفوئي أن عمر المحل تجاوز الستين عاماً، إذ كان عامراً بالزبائن من أبناء البلد أما الآن فالاعتماد في السوق على الخليجيين الذين يرتادونها أكثر من المواطنين، حيث كانت تمتد سلسلة من المحلات التجارية تقارب الثلاثين محلاً واليوم غدت خمسة محلات فقط».

وتابع أن «الوضع القائم يحتاج إلى إعادة ترميم وتخطيط الشوارع بطريقة ممتازة تساهم في توسعة المكان وإضافة مواقف سيارات جديدة، لأن هذه هي المشكلة التي يعاني منها الزبون، والتي تنعكس سلباً على البائع، حيث يضعف التردد على المحل بسبب عدم وجود مواقف كافية للسيارات، لذا يلجأ الزبائن إلى الذهاب إلى المجمعات التجارية وترك السوق الأساسي».

وتحدث صاحب محل جهرمي علي جهرمي، التي تجاوز عمر محله خمسة وخمسين عاماً، عن أوضاع السوق التي يندر فيها وجود البحرينيين، بينما يكثر فيها الخليجيون لشراء بعض أنواع البهارات والأعشاب الشعبية، حيث يتعلل الكثيرون بعدم وجود مواقف للسيارات، فيفضلون الاتجاه للتسوق في المحلات التجارية الكبيرة، وهو ما شكل انخفاضاً حاداً في عملية الشراء من قبل المواطنين، فالسوق اليوم قائمة على الخليجيين (السعوديين) لا على المواطنين ولا حتى المقيمين.

وتابع أنه عندما يحين موعد أذان المغرب يتغير لون السماء ويحل الظلام شيئاً فشيئاً، فيبدو لنا المكان مخيفاً نحن الباعة، فكيف بالزبائن الذين لا يرتادون كثيراً والسبب يرجع إلى عدم وجود أعمدة إنارة كافية موزعة على جوانب المحلات، وإن وجد بعضها، فإنها تقع في دائرة الإهمال الشديد، إذ إن بعضها تجاوز السنتين من عطبها ولكن لا حياة لمن تنادي.