العدد 4621 - السبت 02 مايو 2015م الموافق 13 رجب 1436هـ

«حمّالية» بحرينيون... قضوا جلّ عمرهم يترزقون بعرق جبينهم

وسط مطالبات بإجراءات إزاء تكدس الآسيويين في السوق

الحاج عبدالله حسن
الحاج عبدالله حسن

يحني ظهره المتآكل بالأتعاب ليرفع كارتون تفاح أو سلة برتقال، ومن ثم يضعها في عربته ليدفعها إلى سيارة زبونه المركونة خارج السوق، وعمره يتعدى الستين عاماً قضى منه الكثير وسط السوق المركزي بساعديه الأسمرين، وخطواته المثقلة وجسمه الذي يترنح يميناً وشمالاً من شدة التعب كلما عاد إلى داره عند نهاية المساء بقوته وقوت عياله.

قصدت «الوسط» سوق المنامة المركزي بحثاً عن مواطنين يمتهنون مهنة «الحمَّالي» بين موج من «الحمالية» الآسيويين الذين غزوا السوق المركزي، وغيّبوا الوجوه البحرينية عنه وسط مناشدات تطالب بتقليلهم أو اتخاذ إجراءات ضد تكدسهم غير القانوني تزامناً مع احتفال عيد العمال في الأول من مايو/ أيار.

مهنة شريفة...

يتحدث عن مهنته «حمَّالي» بكل شرف ورفعة رأس، ويترفع بتعففه عن صدقات الغير أو نظرات الشفقة برضا تام وقناعة مفادها أن عمله شريف، والدينار الذي يكسبه بعرق جبينه حلال. الوجع الذي بدأ بالحديث عنه الحاج عبدالله حسن (75 عاماً) امتصته ابتسامة يعقبها حديث ذو شجون، وهو يستعرض قصته مع هذه المهنة التي كبر عليها كثيراً وما عادت تلائم كبر سنه. سألناه ما إذا كان مرتاحاً في هذه المهنة فقال بنبرة يغلب عليها الرضا «أي يا بتي مرتاح، مادام أنا أكدّ الروبية بشرف فأنا بخير... أحسن من يوقف لي واحد ويقولي هاك خمس روبيات أو خمسة دينار بدون سبب... الحمد لله أحصل بتعبي... والله يزيدني من خيره».

قضى قرابة العشرين عاماً يدفع عربته بأثقال غيره... هكذا سرد قصته مع مهنته «صار لي عشرين سنة أشتغل هالشغلة ومالي وقت معين، يوم أداوم الساعة خمس ونص ويوم 6 أو 7 الصبح. والحين يابتي كبرت عليها وإذا صادني حمل ثقيل حتى لو أشوف فيه رزقي ما أقدر آخذه.. أعطيه ظهري وأمشي عنه».

ونحن نتحدث إليه غلب على صوتنا صوت الآسيويين الذين يمتهنون مهنته... علق الحاج عبدالله قائلاً: «لو يقللون ربع هالآسيويين اللي يغطون السوق يمكن نبيّن... احنا كلنا 8 أو 9 بحرينيين، ولو بمر عليك واحد وبسلم شحوالك ياخوي وهو ماشي عنك، وياخذ آسيوي عشان يقضي شغله... هذا وضعنا».

وراء كل عربة قصة

الحاج عباس أحمد «حمَّالي» منذ أربعين عاماً تحدث معنا بابتسامة شفافة، وصوت خافت يخفي وراءه قصص وغصص فضل كتمها وهو يجلس على عربته الخالية إلا من شقاء سنينه «صار لي 40 سنة أشتغل وأداوم من أربع الصبح إلى أربع العصر وتعودت على هالشغلة... والحمد لله رزقها زين».

تبدو متعباً... سألناه فأجاب مبتسماً «تعودت على تعبها... مادامت مهنة شريفة». وماذا عن تكدس الآسيويين فيها؟ قال: «ما يعطونا مجال نترزق الله». وما هي كلمتكَ في عيد العمال؟ «ما عندي شي أقوله».

حمَّالي... عمره لم يتجاوز العشرين

انتهى فصل الحديث مع الحاج عباس دون تعليق يُذكر... لفت انتباهنا شابٌ في مقتبل عمره يقف بجانبه... سألناه «حاج عباس... هذا ابنك؟، فقال:» لا، هذا (.....) ويشتغل ويانا حمَّالي».

كان من الغرابة أن نرى شاباً يافعاً يبلغ من العمر (19 عاماً) للتو تخرج من الثانوية العامة يمتهن هذه المهنة. استفسرنا عن الأسباب فقال مفضلاً عدم ذكر اسمه «أشتغل هني أحسن من قعدتي في البيت بدون شغل أو دراسة بسبب الظروف... ماحصلت شغل إلا هالشغلة، ومثل ما تشوفون الآسيويين يسرقون اللقمة منا... يعني حتى لو أحصل لي رزق يطردني واحد منهم ويهاوشني عشان أتباعد... شوفوا وش كثرهم والبحريني ضايع بينهم».

يقهر تعب السنين بضحكاته...

على بعد خطوات وبين الزحام التقينا بالحاج أحمد الذي سرق الزمن منه سمعه. بالكاد كان يسمعنا ليجيب على تساؤلاتنا. أطلق قهقته العالية ساخراً من تعب الزمن وقال: «عمري كله قضيته في هالشغلة»، سكت قليلاً ثم أكمل «اشتغلت أو ما اشتغلت هني مافي فايدة كله نفس الشي والحين مو مثل قبل... خليها على الله».

الرزق ضعيف...

ومن الحاج أحمد إلى سيد عباس سيد مهدي وهو يجر عربته باحثاً عن رزقه، قال: «صار لي أشتغل هني أكثر من 25 سنة وعايش على الله وعلى السوق». ثم أكمل مبتسماً قانعاً برضا الله يتحدث عن أوقات عمله «ما عندي وقت محدد... أداوم من بعد صلاة الصبح إلى بعد صلاة الظهر، وصرت ما أقدر أواصل أكثر بسبب كبر سني».

يشارك سيد عباس زملاءه في المهنة الهم ذاته بصوت يغلب عليه الأسى «وين أحصل زبائن اللحين الرزق ضعيف... الآسيويين مغطين السوق ومن ينزل الزبون من سيارته إلا يروحون له واحنا كبرنا وما عدنا قوة مثل قبل».

إلى من يهمه الأمر...

انتهى بنا المطاف بحديث يغلب عليه اليأس، وتسبقه شكاوى وعتاب مع أحد المواطنين الذي يمتهن هذه المهنة منذ أكثر من 20 سنة «عجزنا واحنا نتكلم عن وضعنا مع الآسيويين غير القانوني في السوق، تكلمنا مع هيئة تنظيم سوق العمل ومسئولين في الدولة وبعضهم تحركوا على الموضوع بس ما صار حل، تعبنا واحنا نتكلم ونحاول بس مثل ما تشوفون كل يوم يزيدون».

يختم حديثه بوصف وضعه المادي متألماً لحال أبنائه قبل حاله «الله وكيلكم أولادي جامعيين وعاطلين عن العمل يعني الخوف ما يلاقون غير هالشغلة بعد كل سنوات التعب... خلوها على الله... تعبنا واحنا نتكلم».

العدد 4621 - السبت 02 مايو 2015م الموافق 13 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 7:03 ص

      عوار قلببب

      حرام حرام ....شعبنا متبهدل ، كل راعي مسوول عن رعيته

    • زائر 12 | 4:07 ص

      الفقر والظلم هو السبب

      لو مان المواطن يتوظف في القطاع الحكومي مثل الجيش والشرطه والوزارات ماكان اشتغل المواطن حمالي او في القطاع الخاص براتب زهيد ولكن مع الاسف تذهب الوظائف والرواتب الكبيره حق الأجانب .. وتستثنى المواطنين من المذهب الشيعي ماعدا من لديه واسطه فقط من المذهب الشيعي ولنكن واقعيين

    • زائر 10 | 2:54 ص

      نتضامن من البحريني ... ولابد من الحكومة تضمن لهم تقاعد

      لما انز ل السوق ما اقبل غير بحريني ، ويجب علينا كلنا دعم البحريني، احيانا لما اشوف كبير في السن يريد حمل أغراضي اخجل من ذلك فأعطيه المكتوب و احمل أغراضي بنفسي . وهنا نداء للحكومة لابد من توفير تقاعد لهولاء الأشخاص او تقديم خدمات لهم . و يعجبني الولد البحريني الذي يعمل بلا خجل بارك الله فيك ، وتحياتي

    • زائر 11 زائر 10 | 3:43 ص

      الحمدلله

      صحيح هو المفروض ان لا نطلب من غير الحمالة البحرينين عندنا ننزل للسوق المركزي و لكن اغلب الاحيان و اغلب الاشخاص يصابون بالخجل من طلب البحريني لحمل اغراضنا لذا يتوجه للاسيوي

    • زائر 9 | 1:39 ص

      مناشدة للمسؤولين أصحاب الضمائر الحية

      أرجوكم أنظرو في حالهم والله يقطع القلب وضعهم بحريني أصيل تربى في هالديرة ويزاحمه على شغلته البسيطة الغريب الأجنبي حسبنا الله ونعم الوكيل

    • زائر 8 | 1:21 ص

      بوعلي

      هذا شغلتي القديمة. مع ربعي في الثمانينيات وهذ العمل يعتبر بمثابة تجنيد البحريني لخوض غمار الحياة الكدح ياانة ينجو ويصل للتقاعد ولله الحمد انا وصلت او الواحد لاقدر الله يروح في لمح البصر

    • زائر 5 | 12:23 ص

      ربكم رحيم

      تقطع القلب حالتهم ليش محد ينظر لوظعهم سنين خدمه وتعب واخر العمر لين طاحو ماليهم حتى شي يضمن لهم لقمة العيش

    • زائر 3 | 11:47 م

      لماذا

      لماذ لا يقوم المسؤولين بتوفير حياة كريمة لهؤلاء الرجال الذين افنوا عمرهم في مثل هذه الاعمال التي لا تليق بالسن ولا بهم كونهم من دولة خليجية

    • زائر 6 زائر 3 | 12:27 ص

      في كل مكان

      ومثلهم أمثال .....على قولة النثل

    • زائر 2 | 11:11 م

      لو البلد فيها رعايه للمواطن

      كان احتوت هاالمجموعه الصغيره ورتبت ليهم معاش تقاعد بعد هالخدمه الطويله هذلين لاسمح الله لو مرض احدهم توقف الذخل المادي عن عوائلهم فماذا سبكون مصير من يعولهم ارجو النظر اليهم من قبل مسؤلي الدوله

    • زائر 1 | 10:14 م

      «حمّالية» بحرينيون... قضوا جلّ عمرهم يترزقون بعرق جبينهم

      العمل والجري وراء لقمة العيش ليس بعيب
      ولاكن العيب من يجلس في بيتهم وهو قادر ان يعمل
      والعيب ان نرى الغريب متنعم في خيرات البلد والبحريني حمالي في الاسواق بدل ان يكون في مكانه الصحيح .

اقرأ ايضاً