العدد 4620 - الجمعة 01 مايو 2015م الموافق 12 رجب 1436هـ

منتدى «الوسط» يناقش القراءة في البحرين بين المبادرات الأهلية الطموحة والبرامج الرسمية الخجولة

الحضور في  منتدى «الوسط» احتفاء باليوم العالمي للكتاب - تصوير محمد المخرق
الحضور في منتدى «الوسط» احتفاء باليوم العالمي للكتاب - تصوير محمد المخرق

في منتدى «الوسط» الذي خُصِّص هذه المرة للحديث حول «القراءة في البحرين، بين المبادرات الأهلية الطموحة، والبرامج الرسمية الخجولة» وذلك بمناسبة يوم الكتاب العالمي الموافق 22 أبريل/ نيسان من كل عام، ذهب الأديب إبراهيم سند إلى استعراض «أهم المبادرات الثقافية للاحتفاء بالكتاب وفعل القراءة على مستوى الخليج والوطن العربي لنرى، أين نحن من هذه المبادرات»، فيما استعرض مؤسس «نادي اقرأ» سيرة النادي وأهم الفعاليات التي أنجزها وأهم الكتب التي ناقشها في لقاءاته مع رواده، بينما تحدث عضو مجلس إدارة جمعية «كلنا نقرأ» محمد جناحي عن مسيرة «كلنا نقرأ» حين كانت مبادرة وأهم المراحل التي مرت بها حتى استقلت عن «تاء الشباب» مشدداً على أهمية الدعم لمثل هذه المبادرات من قبل المؤسسة الرسمية المتمثلة في هيئة البحرين للثقافة والأثار.

جاء ذلك في منتدى «الوسط» الذي عقد احتفاء بيوم الكتاب العالمي مساء يوم الأحد 26 أبريل وأدارته الزميلة منصورة عبد الأمير وحضره بالإضافة إلى ضيوف المنتدى مجموعة من المهتمين والمثقفين.

منصورة: مساء الخير... نرحب بكم في منتدى «الوسط» الثقافي الذي نعود إليه بعد غيبة هذه المرة نلتقي بكم لنناقش العنوان التالي «القراءة في البحرين بين المبادرات الأهلية الطموحة والبرامج الرسمية الخجولة». سأبدأ حديثي بأرقام لعلها تبدو صادمة، وهي مأخوذة من دراسة كشفت عن تدني معدل القراءة بشكل عام وليس في العالم العربي فقط. الدراسة أجرتها مؤسسة Common Sense Media عام 2014 وهي مؤسسة غير حكومية في سان فرانسيسكو. نشرت الدراسة في موقع مجلة التايم في 12 مايو/ آذار 2014 وهي تكشف بأن عدد المراهقين الذين يقرأون (من أجل المتعة) تناقص بشكل دراماتيكي في الثلاثين عاماً الماضية.

الدراسة قارنت بين عدد المراهقين في سن 13 ممن لم يقرأوا أي كتاب في حياتهم في عام 1984 حيث كانت نسبتهم لا تتعدى 8 في المئة، وفي سن 17 كانت النسبة 9 في المئة للمراهقين الذين لم يقرأوا أي كتاب. لكن في عام 2014 تضاعف هذا العدد حتى وصل إلى 22 لسن 13 و 27 في المئة لسن 17. بالطبع هناك مفارقات بين الأولاد والبنات، إذ إن 18 في المئة من الأولاد يقرأون بشكل يومي، فيما بلغت نسبة الأناث اللواتي يقرأن بشكل يومي 30 في المئة.

أيضاً في عام 1984 كان عدد من يقرأون مرة واحدة في الأسبوع فقط ممن هم في سن 17 (45 في المئة) ارتفع هذا العدد في عام 2014 إلى (64 في المئة).

هذه الدراسة أجريت في أميركا. حين نأتي إلى العالم العربي، وجدت تقارير صادمة في موقع قناة الجزيرة وهي منقولة عن تقرير حديث لليونسكو. وتقول التقارير بأن معدل قراءة الأطفال في العالم العربي خارج المنهاج الدراسي 6 في المئة في السنة، وفيما يقرأ كل 20 طفلاً عربياً كتاباً واحداً، في مقابل 7 كتب للطفل البريطاني، و 11 كتاباً للطفل الأميركي في العام الواحد.

أرقاماً صادمة، ربما تكشف عن أزمة أو عن قضية ملحة تستحق أن يفتح النقاش فيها من أوسع أبوابه. نريد أن نناقش واقع الحال لدينا، وأن نجيب على سؤال حول علاقة البحرينين بالقراءة، هل يقرأ البحرينيون، الشباب والأطفال الأخص، وربما نريد أن نناقش لماذا وماذا وكيف يقرأون، وما هي تحديات القراءة الموجودة لدينا أيضا؟

للإطلاع على واقع الحال ولمناقشة محاور أخرى نتشرف اليوم باستضافة الكاتب المتخصص في كتابات الطفل والكتابات المسرحية الأستاذ إبراهيم سند. الذي يعمل اختصاصي تراث شعبي في هيئة البحرين للثقافة والآثار، وهو أيضاً معد برامج تلفزيونية، أعد برامجاً مثل «حياكم معانا» و «عتيج الصوف».

فاز الكاتب بالجائزة الأولى في مجال القصة بعد مشاركته في مسابقة «الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان» لقصة الطفل العربي العام 2002 والتي تنظم على مستوى الوطن العربي. بالإضافة إلى فوزه بجوائز أخرى منها الجائزة الأولى لمسابقة الملكة نور الحسين لأدب الأطفال للعام 1998، وجائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع آل نهيان لقصة الطفل العربي للعام 1999، والجائزة التقديرية للرواد والمبدعين من أهل المحرق للعام 2000، والجائزة التقديرية للكتاب المميز في أدب الطفولة للعام 2002.

له مجموعة من الإصدارات الأدبية للطفل، منها وطن النخلة «1983»، ما الذي يجعل سامي يجري «1987»، الولد الذي قال من أنا «1988». ومن مسرحياته سعد والأشباح «1999»، يوم واحد فقط «2000». من مؤلفاته مجموعة مقالات اجتماعية بعنوان «أنا وأنت» العام 1990، ودراسة في أدب الطفل البحريني بعنوان «عمالقة وأقزام» العام 1997.

أيضاً سيكون لدينا مداخلتان في هذا المنتدى، الأولى من مؤسس نادي «اقرأ» الشبابي عمار جعفر، الذي سيتحدث عن مبادرتهم الأهلية الشبابية لتأسيس نادي متخصص للقراءة، وهو ما يكشف بوضوح عن انفتاح شهية القراءة لدى شبابنا وربما يجيب عن السؤال «هل نقرأ أو هل يقرأ شبابنا». أيضاً لدينا عضو مجلس إدارة جمعية «كلنا نقرأ» محمد جناحي، التي كانت إحدى المبادرات التي تنضوي تحت مهرجان «تاء الشباب» ولكنها تحولت لجمعية، وربما يكمن الفرق بين المبادرتين فقط في كون الأولى مبادرة أهلية شبابية بالكامل، أما مبادرة «كلنا نقرأ» فتم احتضانها رسمياً. نبدأ مع الإستاذ إبراهيم سند.

ابراهيم سند:

عـندما نتحدث عـن القراءة فنحن نتحـدث عن مجموعة من القيم والمهارات التي تتضافر مع بعضها البعض لتشـكل المنظومة الثقافية المتكاملة لشـعبٍ ما. وهي تختلف زمانياً ومكانياً، حتى ما بين فئات الشعب الواحد هناك اختلافات متباينة حسب السن والنوع والفئة الإجتماعية، ويبقى الجانب الأكثر أهمية أن الشـعوب التي تتقن وتجيد فنون القراءة وتسـتوعب العلوم والمعارف الحديثة، وتترجم الحصيلة المعرفية في الإنتاج هي الشـعوب القادرة عـلى مواكبة التطور الحضاري والثقافي الذي يشـهده العالم. وبدون القراءة والكتاب والعلم لا يمكن أن تتقدم الدول إلى الأمام، بل تتأخر وتـُصـبح في آخر الركب الحضاري.

ولأهمية القراءة والكتاب تثار كل عـام وبالذات في شـهر إبريل/ نيسان قضية القراءة باعتبارها من أهم وأكثر القضايا تعقيداً وتحتاج إلى حلول واقتراحات إبداعية وغير تقليدية.

في اليوم العالمي للكتاب الذي تحتفل به كل دول العالم في 23 إبريل من كل عام، وهو اليوم الذي قررته اليونسكو منذ العام 1955 كيوم عالمي للاحتفاء بالكـُـتـَّاب والمؤلفين ونشـر ثقافة القراءة وتعزيز مكانتها بين الصغار والكبار من الجنسين في كل مكان.

هناك مبادرات كثيرة ورغم تنوع المبادرات والتجارب والأنشطة التي تقوم بها الدول للاحتفاء بهذا اليوم تشجيعاً للمواطنين على القراءة وحضور الأنشطة الثقافية المتنوعة وتظل تلك التجارب على قدر كبير من الأهمية ونسـتطيع رصدها على النحو التالي.

حاولت أن أرصد بعض الاهتمامات بالقراءة وتشجيع الكتاب على مستوى الخليج والوطن العربي وعلى مستوى العالم، لنجد بعد ذلك أين نحن، كمنطقة، وكبحرين، وسط هذا الإهتمام العالمي. فعلى مسـتوى الخليج العربي نجد المشروع الثقافي الرائد والذي يحمل عـنوان (ثقافة بلا حـدود)، ويأتي هـذا المشـروع كمبادرة من سـمو الشـيخ سـلطان بن محمد القاسـمي حاكم الشارقة. بالمناسبة الشارقة اليوم هي أكثر الدول الخليجية والعربية اهتماماً بالقراءة والكتابة من خلال أنشطة متنوعة سواء كانت في المسرح أو التراث أو الموسيقى وفي أمور كثيرة جعلتهم يتبوأون موقعاً متقدماً بفضل اهتمام أعلى الجهات الرسمية في الشارقة.

ويهدف مشروع (ثقافة بلا حدود) إلى نشر الثقافة لدى الأسـرة الإماراتية من خـلال إنشـاء مكتبة منزلية في كل منزل إماراتي تضم باقة مختارة من الكتب التي تتناسب مع مختلف الأعمار. وعلى هذا الأساس تم اختيار 50 كتاباً لكل أسـرة. في كل عام. ويبدأ المشـروع عـلى مراحل، وتم توزيع آلاف الكتب حتى تسـتطيع كل أسـرة إماراتية من تأسيس مكتبة خاصة بها. ولايزال المشروع مستمراً وهو مشروع رائد.

وعلى المسـتوى العربي احتضـنت مصر مشروع القراءة للجميع بهدف إنشاء مكتبة الأسرة تحت إشـراف سوزان مبارك في فترة سابقة. وتم إصدار العديد من الكتب تحت مسمى هذا المشروع، كما لا ننسى سوق الأزبكية الذي يعـد أكبر سـوق للكتب القديمة، حيث يتم بيع وتداول الكتب القديمة وبأسـعار زهيدة وفي متناول الجميع.

على المستوى العالمي، يأتي في الصـدارة (نادي أوبرا للكتاب) وهو جزء من برنامج أوبرا وينفري، حيث يتم تسليط الضوء عـلى الكتب التي تختارها أوبرا، وبدأ في عـام 1996، ويتم اختيار رواية للمشاهدين لقراءتها ومناقشتها كل شـهر. حقق هـذا البرنامج إنتشاراً واسـعاً لدى المتابعين للبرنامج على مستوى العالم. هذا البرنامج شـهر العديد من المؤلفين وازدادات مبيعات الكتب حـتى وصـلت إلى بيع الملايين من النسـخ.

ونذكر من تلك الكتب رواية (شرق عـدن) للروائي الأميركي جون شقا ينبل، بيع منها ما يزيد على 1.2 مليون نسخة، ورواية (أنا كارنينا) لتولسـتوي وبيع منها 900 ألف نسـخة، ورواية (على فراش الموت) لوفكنر صاحب جائزة نوبل للآداب، وكتاب (قلب امرأة) وهو عـبارة عـن سـيرة ذاتية للكاتبة مايا أنجيلو كاتبة أميركية ذات جذور أفريقية، عـُرض ضمن برنامج أوبرا في عام 1997 وبيعت من خلاله الآلاف من النسخ. وجدير بالذكر أن هـذا البرنامج توقف بعد أن اسـتمر في البث لمدة 25 عـامـاً، توقف الآن وعملت أوبرا برنامجاً آخر.

برنامج أو مشـروع جـديد وطريف من نوعه، انطلق من بريطانيا تحت مسـمى «الليلة العالمية للكتاب»، حيث أن بريطانيا لا تحتفل مع بقية دول العالم بهـذا اليوم بل في الأول من مارس في كل عام بسـبب تعارض (23 أبريل) مع عطلة أعياد عـيد الفصـح التي تتعطل فيها المدارس. يتم في هـذا المشـروع إعـلان أسـماء الكتب العشـرين المرشـحة للقراءة بواسـطة لجنة مـن الكـُتــَّاب والمؤلفين ودور النشـر.

ويقوم مجموعة من المتطوعين بتوزيع الكتب التي تباع بأسـعار منخفضة وتـُكتب أسماؤهم عـلى تلك الكتب تقديراً لجهـودهم. واتمنى أن يتم الاستفادة من هذه التجربة. ويصاحب هـذا الاحتفال تقديم العـديد من الأنشـطة الثقافية والفنية.


«الوسط» تحتفي بيوم الكتاب العالمي بحـــلـقة نقاشية حول القراءة

في فرنسا جاءت مبادرة مختلفة ومغايرة لجميع المبادرات الهادفة لتشـجيع القراءة، أطلق عـليها (مهرجان جنون المطالعة)، ففي عام 2003، أشارت إحدى الدراسات إلى انخفاض نسـبة القراءة حتى وصـلت إلى 50 في المئة من الجمهور الفرنسي الذي بدأ في العزوف عـن شـراء وقراءة الكتب، واتجه إلى الإنترنت كمصدر للمعلومات والمتعة.

فما كان من وزير الثقافة إلا أن أعـلن حالة الطوارئ القصوى لحل مشـكلة انخفاض منسوب القراءة، فـنزل هـو ومعه كبار الكـُتــِّاب والمؤلفين في الشـوارع والحدائق العامة والمراكز الثقافية والمكتبات العامة يقرأون ويتحدثون مـع الناس من حولهم عـن القراءة والكتب في هذا المهرجان الذي أطلقوا عـليه اسـم (مهرجان جنون المطالعة). أتمنى أن لا يعزف المؤلفون والكتاب عن المشاركة في الفعاليات المتعلقة بالقراءة والكتاب، فهناك عزوف من القراء ومن المؤلفين أيضاً.

هـذا يعطينا مؤشـر أن مشـكلة القراءة ليسـت ذات طابع محلي بل هي ظاهرة عالمية تعاني منها الدول المتقدمة والدول النامية والنائمة أيضاً.

ومن تجارب البحرين الجديرة بالعناية والاهتمام معرض الكتب المسـتخدمة حيث تبنت هـذا المشـروع جـريدة الوسـط، وقـدمته على مدى ثلاث سـنوات حيث يقام بمجمع الكونتري مول، وتباع فيه الكتب بأسعار مخفضة، ويخصص ريعه للأعمال الخيرية.

ويهدف هـذا المشروع إلى نشـر الوعي الثقافي والمعلومات إلى أوسـع نطاق، ويصبح الكتاب في متناول الجميع، ويضم المعرض في دورته الحالية أكثر من 25 ألف كتاب، تم جمعها عـن طريق التبرع من الجمهـور والمهتمين بالشأن الثقافي. وهناك العديد من الفعاليات لهـذا المعرض، كتدشين الكتب الجديدة، وتخصيص زوايا خاصة بأنشطة الطفل، وعـرض حي للحرف والصناعات التقليدية إضافة إلى الأنشـطة المتنوعة الخاصة بالإبداع الشـبابي.

وهناك أيضاً مشـروع تكريم الكـُتــَّاب البحرينيين وهو مشـروع تبنته المكتبة الوطنية في مركزعيسى الثقافي وبإشـراف منصور سـرحان لتكريم كاتب من الكـُتــَّاب البحرينيين يتم اختياره لتكريمه في اليوم العالمي للكتاب بتاريخ 23 أبريل، وبحضور مجموعة مـن الكـُتــَّاب والمؤلفين والناشـرين حيث يـُمنح المكرم شهادة ودرعاًَ في حفل ثقافي مميز يقام في مبنى مركز عـيسى الثقافي.

وبالرغم مـن انتشار معارض الكتاب والمبادرات التي تشجع على القراءة في معظم المدن العربية والأجنبية، يلاحظ الجميع انصراف الناس عـن قراءة الكتب. فهل هناك أزمة قراءة؟ ما هي الأسباب وراء عـزوف الناس عـن القراءة؟ هل هي أزمة قراءة أم أزمة ثقافة عامة؟ هل ما نعيشه هـو جزء مـن الأزمة الحضارية بشكل عام؟ هل هـذه الأزمة مرشـحة للتزايد في المسـتقبل؟ هناك العديد من الاجتهادات التي تحاول توصيف المشكلة. البعض يرى أن الانغماس في الحياة المادية وانشـغال الناس بتدبير أمورهم المعيشية هي السـبب. البعض الآخر يرجع ذلك إلى طغيان وسائل الإعـلام الحديثة من إذاعة وتلفزيون وفيديو وإنترنت، حيث تقدم المعلومة جاهزة دون أدنى مجهـود. البعض يشـخص المشـكلة من الناحية المالية، ويرجع ذلك إلى ضـعف القدرة الشـرائية وارتفاع أسـعار الكتب والمطبوعات. وهناك من يذهب أبعـد من ذلك متهماً المدرسة والبيت والمجتمع الذين عجزوا معاً في غرس عادة القراءة في نفوس الناشئة منذ الصـغر. والمهتمون بالتقنية الحديثة يرجعون المشـكلة إلى تراجع الكتاب الكلاسيكي مقارنة مـع الكتاب الإلكتروني، حيث يمكن اقتناء الكتاب إلكترونياً أسـهل من الكتاب التقليدي إضافة إلى أن سـعره أقل واسـتخدامه أكثر سـهولة، وفي الإمكان اقتناء مئات وآلاف الكتب في الذاكرة.

وهناك بالتأكيد الكثير مـن الأسباب التي أدت إلى تراجع دور الكتاب والقراءة. وأنا أرى أن العنصر الأول الذي ذكر في قائمة الإجتهادات وهو انشـغال الناس بحياتهم المادية وتوفير أمورهم الحياتية والمعيشية له دور كبير ومؤثر ساهم في انصراف الناس عـن القراءة والكتاب والانشغال التام بتوفير الإحتياجات الأساسية للفرد والأسرة.

وحسـب رأي عالم النفس إبراهام ماسـلو الذي يؤكد بأن الإنسان في أي مكان وجـد تحركه غرائزه الطبيعية الأساسية المشابهة للغريزة عـند الحيوان، وإذا تم إشباع هـذه الغرائز يتطور بشكل طبيعي ويتجه للاحتياجات الأخرى على نحو تصاعدي.

ورتب ماسـلو الاحتياجات الأساسية وفق خمسـة مستويات هي الاحتياجات العضوية (الأوكسـيجين والماء والغـذاء)، احتياجات الأمـن والسـلامة (البيئة الإجتماعية الآمنة والمسـكن والعائلة المسـتقرة)، الاحتياجات العاطفية (العلاقات الزوجية والأسـرية) ـ الحاجة إلى التقدير والاحترام فعـندما يتم إشـباع الاحتياجات الثلاث الأولى تبدأ لدى الفرد مشاعر الرغبة في أن يحوز على تقدير الآخرين، الحاجة إلى تحقيق الذات وهي احتياج الفرد في أن يكون قادراً على القيام بالعمل الذي يرغب في مزاولته بدوافع ذاتية، أي أنه يملك المهارة والقدرة والرغبة التي تليق بقدراته الكامنة في أعماقه، فالكاتب سـوف يمتهن الكتابة، والرسـام في عـمل اللوحات، والمهندس في تصميم المنشـآت الهندسـية، والطبيب في عـلاج المرضى، والشاعر لكتابة الشـعر وهـكذا.

وما يسري عـلى الفرد يسـري عـلى المجتمعات ويرى ماسـلو أنه في حالة الحرب والأزمات والثورات يعود الفرد إلى الاحتياجات الأقل مرتبة، والأزمات والحروب الطارئة تـُسـهم في عـودة المجتمع إلى الخلف وانشـغال المجتمعات في توفير الاحتياجات المعيشية أو السـكنية البسيطة، وبالتالي التخلي عـن مواصلة العمل والتفرد وتحقيق الذات. وهـذا بدوره يؤثر عـلى الاهتمام بالثقافة والكتاب والقراءة، حيث تأتي هذه الاحتياجات في آخر سـلم الاهتمامات.

وأمام الوضـع العـربي الشـديد الخصوصية والتعقيد مـن حيث ارتفاع نسـبة الأمية وتراجع حركة النشـر والتأليف، وتفاقم الجانب المعيشي والأمني، وتأزم الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسبب الحروب والدمار التي يشـهدها الوطـن العربي، أثــَّر كل ذلك عـلى الجانب الثقافي والحضاري للمنطقة، وأصـبح المواطن العربي لا يميل إلى قراءة الكتب والتزود بالعلم والمعرفة مقارنة بغيره من شـعوب العالم، أو بالأزمنة السابقة التي احتل فيها الكتاب مكانة مرموقة خاصة في فترة الخمسـينيات والستينيات والسـبعينيات من القرن الماضي.

وبحسـب تقرير التنمية الثقافية للعام 2011 الصادر عـن مؤسسة الفكر العربي يقول «إن العربي يقرأ بمعـدل 6 دقائق بالسنة بينما يقرأ المواطن الأوروبي بمعدل 200 ساعة في السنة، وهناك إحصائيات أكثر تشاؤماً وسوداوية مما ورد.

لكن ينبغي التحلي بشيء مـن التفاؤل والنظرة المسـتقبلية، والخروج مـن الصـندوق لا يتطلب صـدق النوايا والمشاعر الإيجابية فقط، بل ينبغي أن يكون لدينا أكثر مـن اسـتراتيجية للخروج من تلك الأزمة، ونحتاج إلى تكاتف الجهـود الرسـمية والأهلية في وضـع الحلول والخطط، وتبني المبادرات الفردية والأهلية مهما صـغر حجمها.

وعـندما نضـيف إلى أي مبادرة تحسـيناً صـغيراً كل يوم مـع تهيئة الظروف المحيطة سيأتي المكسب العظيم لاحقاً ولن يأتي غـداً ولا بعـد غـد، لكنه سـيأتي في نهاية الأمر. وإدخال التحسينات بصورة تدريجية وبسيطة كفيلة بإحـداث التغييرات المطلوبة خاصة مع وضع الثقافة العامة والاهتمام بالناشئة، وكيف نسـتطيع تحويل القراءة إلى مادة اجتماعية مترسـخة في أجـواء الأسـرة ومتضمنة في العملية التربوية والتعليمية ومندمجة مع كافة الأنشطة التي يحتضنها المجتمع بصورة عامة.

حين أذكر أن هناك تحسينات تعمل كل مرة مع أي مشروع أو مبادرة. يحضرني في هذا الصدد استراتيجية اتبعوها في اليابان وأطلق عليها اسم «الكايزن». فبعد الحرب العالمية الثانية حين انهارت اليابان وضعوا هذا المشروع، للتطور التدريجي وتحسين أي مبادرة. أتصور أننا بحاجة لمثل هذه المبادرة، بمعنى أنه ليس من الضروري أن نتبنى مبادرات كبيرة أكبر من ظروفنا المادية والفردية. «الكايزن» يمكن أن يطبق في الاقتصاد أو في الجانب الاجتماعي والثقافي والتربوي.

وعلى ضوء ما تم ذكره نسـتطيع اسـتخلاص النقاط التالية: المطلوب اليوم مـن أولياء الأمور وهيئة التدرس والتعليم وجمهور المثقفين والمهتمين بالحراك الثقافي في المجتمع، أن يبينوا للشـباب والناشئة أن معيار التميز بين البشر هـو العقل، وبقـدر ما نهتم وننمي عقولنا نتفوق ونتميز، وبذلك يستطيعون فهم الدنيا من حولهم بشكل أفضل ويعرفون حقائق الأمور، ويتجاوزون المشـكلات التي تواجههم، فالعقل المفكر هو الأساس لبناء الشخصيات الناجحة والقوية وال متقدمة ولا سـبيل إلى بلوغ ذلك إلا مـن خلال القراءة الواعية المسـتنيرة، والكتاب الذي ينمي القدرات الذهنية والعقلية ويساهم في رفع المستوى العلمي والمعرفي. لذلك ينبغي من الجميع بدون اسـتثناء حث الأبناء على القراءة وشـراء الكتب المتنوعة وتخصيص مكتبة في كل بيت يختار لها ركناً مناسـباً، ويتم تزويدها بمختلف الكتب المختصة بالجوانب الثقافية والعلمية والدينية والإنسانية، وكتب الأطفال والناشئة والشباب التي يجب أن تكون في المقدمة.

والقراءة بشكل عام تزرع في الصغار والكبار القيم الروحية والأخلاقية والأفكار الإنسانية النبيلة، وإذا ما تم اختيار الكتب ذات الإتجاه الإيجابي، يتعلم الإنسان بأن الحياة جميلة وهي تسـتحق أن نسـتمتع بها، وكل كتاب جيد تحرص على اقتنائه هوبمثابة شمعة مضيئة تنير كل دروب حياتك، وتجعل من رحلتك في الدنيا رحلة اكتشاف واسـتمتاع وتبصر .

منصورة: ننتقل الآن لعمار جعفر، وهو مؤسس المبادرة الأهلية التي حدثتكم عنها وهي فعلاً تجيب على سؤال «هل نحن فعلاً شعوب لا تقرأ»، ربما الإحصاءات حول نسب القراءة لدينا مبالغ بها قليلاً فلدينا نماذج تشير إلى العكس وتوضح كيف هو اهتمام شبابنا بالقراءة وإقبالهم عليها. لنستمع إلى عمار ولنرى كيف تحولت هذه المبادرة التي انطلقت من المعامير وتمكنت من الوقوف على رجلها رغم عدم حصولها على دعم حقيقي.

عمار جعفر:

منذ خمس سنوات بدأت أنشر فكرة «نادي اقرأ»، وأحاول عرضها على الكثير من الأصدقاء والجمعيات الثقافية بشكل خاص وأدعي أنها مشروع ناجح. أساس فكرة «نادي اقرأ» جاء بعد قراءة فردية لي لمقالة تأثرت بها وجعلتني اتخذ خطوة أخرى، تدور هذه المقالة حول أهمية أن يخرج الإنسان من فكرة الاستهلاك، وينحى إلى الإنتاج، لا يكفي المرء أن يقرأ فقط بل ينبغي أن يتحول إلى إنسان ناقد ومن ثم ينتقل إلى التأثير في الآخرين. من هنا تأسست لدي فكرة «نادي اقرأ» وجلست مع بعض الأصدقاء وعرضت عليهم كتاباً به صعوبة نوعاً ما واقترحت أن نتقاسم فصوله بالقراءة والشرح بيننا فأعجب أصدقائي بهذه الفكرة وأصبحوا أعضاءً في نادي إقرأ. اقترحت الفكرة في أحد المنتديات الإلكترونية فلاقت إقبالاً شديداً من أعضاء المنتدى، وكان اسمه في بدايتها «نادي القراء المعاميرين». بعدها وجدت أن بقاء هذا المشروع بين الأصدقاء فقط لا يكفي، فعرضت الفكرة في عام 2009 على نادي المعامير الثقافي وبالتحديد على رضي أمان وعلي يوسف من إدارة النادي فرحبوا بالفكرة واحتضنوها، بتوفير المكان للقاءاتنا بل ودفع نصف قيمة الكتاب لكل عضو، وكان هذا بمثابة تحفيز كبير لنا وخصوصاً أننا كنا حينها في سن صغيرة. كنا جميعاً في سنواتنا الجامعية الأولى وبعضنا كان لايزال في الثانوية العامة.

النادي أعطانا فرصة أكبر للتنوع في القراءة، قرأنا كتباً كثيرة مثل «أنا ملالا» وحتى أنا ملالا شكرت «نادي اقرأ» بشكل شخصي على موقعها لقراءتهم كتابها ومناقشته. قرأنا كتاب «العرب وجهة نظر يابانية». وتتيح لك نوادي القراءة أن تطرح وجهة نظرك على شريحة أكبر، وتبعد عنك الخجل. نحن نجتمع كل ستة أشهر ونقرر الكتب المقترحة، وفي كل شهر نقرأ كتاباً أو رواية لنعقد بعدها ندوة ثقافية كل أسبوعين. حاولت نوادي القراءة أن تقدم قيمة إضافية بتوسيعها المدارك فعلى طريقة رواية «ساق البامبو» للسنعوسي كانت جريدة «الوسط» قد نشرت عن شخص يبحث عن أبيه وقد جلسنا معه وهو يملك قصة مشابهة للرواية وكانت قصته مثيرة للإعجاب حتى أكثر من الرواية نفسها، وكذلك فعلنا مع كتاب «جوقة العميان» الذي يتكلم عن مخترع سعودي ضرير، فقمنا بعد قراءة الكتاب وعرضه بمقابلة مجموعة من العميان المبصرين وطلبنا منهم التحدث عن تجربتهم وكيف هو شعور من لا يرى، وبعضهم قال «انتم ابتعدوا عنا ونحن بسلام». من سلبيات النادي هو كونه في قرية فتحده بعض المسائل وكذلك ارتباطه بنادي المعامير أثر على الحد من أن نتحدث في كل الجوانب كالسياسية مثلاً.

منصورة: لنستمع الآن إلى محمد جناحي عضو جمعية «كلنا نقرأ» وهي أيضاً مبادرة شبابية متميزة، كانت إحدى مبادرات «تاء الشباب» ولكن القائمين عليها أصروا على أن تستقل عن تاء الشباب وتقدموا بطلب تحويلها إلى جمعية حتى وافقت عليه هيئة البحرين للثقافة والآثار.

محمد جناحي:

«كلنا نقرأ» بدأناها بفكرة تأسيس نادي الكتاب 2008- 2009م وحينها كنا نفكر كيف سنؤسسها؟ هل عبر جمعية شبابية؟ وجاءتنا الفرصة في عام 2009م بأن نطرحها على وكيل الوزارة آنذاك المرحوم محمد البنكي حيث طرح فكرة مهرجان «تاء الشباب» في البداية. كانت الفكرة عامة بدون أي تفاصيل، تتمثل في إنجاز مشروع شبابي باسم تاء الشباب، وأخبرناهم أننا مسبقاً لدينا فكرة تأسيس نادي الكتاب، وهكذا منذ 2007 بدأت المبادرات المختلفة تتجمع في مهرجان تاء الشباب مثل نادي الكتاب ومبادرة «كلنا نقرأ» ومبادرة «درايش» في المجال الفني الهندسي والعمراني، ومبادرة «دوزنة» في مجال الشعر، وبعضها تغير اسمها والأخرى بقت كما هي عليه. وهكذا انطلقت مبادرة «كلنا نقرأ» من بين المبادرات بشكل مميز حيث كان لدينا دعم من الوزارة، وكان بإمكاننا استضافة كتاب من الدول العربية واستضفنا أسماء مهمة في العالم العربي، منذ سنة 2009 ـإلى 2011م وإن شاء الله سنستضيف أسماء جديدة في 2015. كان الدعم في بدايته مميزاً وخصوصاً مع الانطلاقة، ولكن بعد عام 2010 بدأت الميزانية تتضاءل إلى النصف في مهرجان تاء الشباب، ومع السنوات تردت الميزانية. الخلاصة أن حجم الدعم الشبابي من قبل الوزارة كان غير محدد فكان يختلف من سنة لأخرى، وللعلم فإن أقل مشروع يحصل على الدعم من الميزانية هو مشروع «تاء الشباب». إن استضافتنا للكتّاب هو تشجيع للشباب على القراءة، وهو ترويج للقراءة، وكان عملنا في ذلك مميزاً؛ لأننا انطلقنا في «كلنا نقرأ» بعيداً عن تاء الشباب في مجموعة من الفعاليات. كنا مع الوزارة في تاء الشباب من 2009 إلى 2011م ثم طلبنا التأسيس بشكل مستقل في ديسمبر/ كانون الأول 2012م كجمعية ثقافية شبابية وتم قبولها، ولكن لحد الآن لا يوجد لدينا مقر أو مركز مع أن «كلنا نقرأ» هي بنت الوزارة إلا أنها مازالت بعيدة عن الدعم، وكل ذلك راجع لمسألة الأولويات، هل الثقافة أولوية وهل المبادرات الشبابية أولوية لدى الوزارة أو حتى لدى المجتمع، ودائماً ما يكون الأكبر سناً هو الأهم في الدعم وفي الميزانية، مع أن الشباب هو المحرك الرئيسي للمجتمع، وأختم بأننا حاولنا بمبادرات شبابية أن نشجع الشباب على القراءة. تترصدنا بعض الإشكالات تتمثل في هل نعتمد الكم وكثرة الفعاليات والحضور أم الكيف ونوع الكتب المختارة، فكان البعض يقول لماذا يتم اختيار هذا الكتاب العميق أو غيره، وهذه إشكالات مازالت تصلنا من الشباب، وغير الشباب، لماذا اتجهتم هذا التوجه وتركتم غيره. قمنا بتنظيم معرض للكتب المستعملة في 2010م باسم «زاري عتيق» بحيث يتم التبرع بمجموعة الكتب القديمة، للحصول على كتب جديدة، فحصلنا على مجموعة كتب ثم بدأنا بتوزيعها من جديد. إن فكرة مثل «زاري عتيق» كانت تحتاج لميزانية قد لا تكلف شيئاً، على الأقل لشراء عربات لتوزيع الكتب، في مقابل العطاء الكبير الذي يقدمه الشباب كعمل تطوعي يأخذ الكثير من أوقاتهم فالشباب أثناء العمل في المهرجان يضحون بأوقاتهم ويقدمون جهوداً كبيرةً ونحن نتكلم عن ميزانية بسيطة. الشاب البحريني قمة في العطاء لكنه يصدم بحجم الدعم القليل الذي لا يحصل عليه. ومن الفعاليات الأخرى هي استضافة أندية القراءة من الخليج كما تم في العام الماضي.


مادخلات الحضور

شرف المزعل:

منذ عام 2011 وما صاحبها من ضغوطات نفسية بدأت بتأسيس مجموعة «سقف البنفسج»، وهو في الأصل اسم غرفة أولادي، ولما عملت على إنشاء مجموعة للقراءة شعرت أن لدي حالة تبني لفكرة القراءة؛ ووضعت لها هدفاً، أننا كلنا نريد أن ننمو، ودائماً أضع أمامي نموذج الإنقاذ في الطائرة فقبل أن تضع لطفلك أنبوب التنفس عليك أن تبدأ بإنقاذ نفسك لتستطيع إنقاذ الآخرين، ونحن لدينا مشكلة التفتت المجتمعي فكان السؤال كيف نعيد النسيج الأسري؟ بألم وحسرة، فبدأنا بالقراءة وأنه علينا أن ننمو إنسانياً كبشر لهم هدف التعايش، وصرنا نقرأ الروايات ذات القضايا العميقة فقرأنا معظم روايات ميلان كونديرا وروايات كازنتازاكي، والروايات العالمية التي تتحدث عن مخاضات الإنسان، ومن هنا بدأنا نتطور، وخصوصاً مع القانون الذي وضعناه وهو «أننا كلنا فلاسفة، وأن أي فكرة يقولها أي فرد في المجموعة لها قيمة، وتعلمنا الإنصات خارج النسق العربي، فلا أحد يقاطع، ولا أحد يستحوذ على كل الوقت، ولا لمناقشة التجارب الشخصية بل مناقشة الكتاب وفكرته ووجهة نظرك فيه. قرأنا أكثر من أربعين كتاباً متنوعاً قرأنا في الألم وفي الحب والارتهان والانتظار، وكنا نمارس العصف الذهني في هذه القضايا مثل ما هو الحب قبل قراءتنا لرواية «قواعد العشق الأربعون». أما عن الأعضاء فالمجموعة متنوعة فلدينا أكاديميون وربات بيوت وموظفون، وفئة الشباب موجودة أيضاً، فعالياتنا متنوعة بين قراءة كتاب وجلسات عصف ذهني وأمسيات شعرية، نحتفي بالشعراء فنخصص ليلة لنزار قباني وأخرى لمحمود درويش، لدينا مجموعة من الشعراء والبعض نما واكتشف موهبته، بعد أربع سنوات شعرنا أن لدينا استعداداً للخروج من فكر المجموعة، بأن نكون سنداً للآخرين ونتعاون مع مجموعات أخرى للقراءة.

شيماء الوطني:

بدأت أتجاوز الخمسين كتاباً في تحدي موقع «غود ريدز» Goodreads لكن المشكلة أن البرنامج له خاصياته المحددة، ولا يسمح لك بأكثر منها. لدي قناعة أنه لولا أنني كنت أرى أمي وأبي يقرآن لما كنت أنا نفسي قارئة وعلى نفس المنظومة والمنوال، أنا الآن أزرع هذه البذرة في أولادي، فقد وضعت لدي قانونين في البيت إذ ليس لدي أحد لا يقرأ، كما أنه ليس لدي أحد لا يصلي. ومازلت على هذا النسق فأولادي منذ فتحوا عيونهم عرفوا القراءة وعرفوا أن هذه سيرة أمنا مع الكتاب؛ فصار لكل واحد منهم في غرفته مكتبته الخاصة، وحين أدخل إحدى المكتبات أصبحوا يتعرفون على الكتب من عناوينها، فهذا الكتاب لدينا في البيت وكذلك الآخر، وبمجرد أن يرى الطفل أمه تحمل الكتاب يصبح ذلك دافعاً للقراءة، بل أصبحوا يحملون كتبهم معهم أثناء خروجنا من البيت.

في المعدل الطبيعي أقرأ كتابين أو ثلاثة، وأحب الكتب الأدبية وكتب علم النفس، والكتب الدينية، رغم أنني أرى أن البعض يتبرأ منها إلا أنني أعتز بها فهي أسست لثقافة، وأرجع الفضل لها في تحسين لغتي وتأسيس ثقافتي، ولها دور في خلق الإنسان، ولا أحصر نفسي في كتب مذهب معين بل أقرأ لكل المذاهب، وفي مكتبتي ترى كتب عايض القرني متجاورة مع كتب كمال الحيدري، القراءة تزرع منذ الصغر، وأتذكر ربما حين كان عمري عشر سنوات أن لدي عبارة كتبتها وأنا صغيرة في مكتبتي وما تزال صورتها لدي هي «اقرأ حرفاً، اقرأ كلمةً، اقرأ سطراً، اقرأ جملة، اقرأ صفحة، وستقرأ كل كتاب» وحين أرجع الآن لهذه الكلمة أتعجب كيف كنت أفكر وأنا بهذا العمر بهذه العبارة وأضعها منهجاً وشعاراً لي على مكتبتي.

محمد جواد:

بالنسبة لتجربة عمار وجناحي، أتمنى أن لا يكون التمويل عائقاً كبيراً بالنسبة إلى «كلنا نقرأ»، فتجربة نادي القراءة بدأت وما تزال بدون تمويل وكذلك «سقف البنفسج»، طبعاً التمويل شيء مهم، ولكن لا نجعله عائقاً ويجعلنا نستسلم للجهل وعدم القراءة، نحن في البحرين الآن بحاجة للقراءة أكثر من أي وقت مضى.

أحلام الخزاعي:

أجمل الجلسات هي التي يشعر فيها الإنسان أنه طالب وسط مفكرين ويخرج بفائدة كبيرة وأنا سعيدة ج داً بتواجدي معكم، أنا أعشق الفن بكل أنواعه وأرى أن الفن أقوى لغة للتغيير نريد أن نخرج من هذه الجلسة بفائدة ونتيجة كيف من الممكن أن نغير مجتمعاتنا، الأستاذ سند معروف وله مبادرة خاصة حين ساهم في تدشين رواية لطفلة العائلة نور الخزاعي في مجمع العالي أيضاً الوسط لها مبادرات في دعم القراءة وحتى نعزز القراءة لدى الطفل لابد أن نعززها لدى الكل مع أننا عادة نبدأ مع الأطفال ولكن في هذه الموضوع لا نبدأ مع الصغار دون أن نعزز القراءة لدى الكبار لأنهم سيأخذون بيد الأطفال، الفن لغة تسعى للتغيير.

لونا العريض:

أعتقد أن جيل ما بعد 2008 جيل مختلف لا نعرفه فثمة طفرة تكنولوجية لا يعجبهم ما يعجبنا، هم مختلفون لا بد أن نسألهم ماذا يحبون وماذا يريدون هم يعيشون عالماً مختلفاً وولدوا بجينات مختلفة، فالعام بدأ يتغير وحتى الـ ( dna ) بدأ يتغير، لا أجد أنهم لا يريدون القراءة ولكن القراءة لديهم تختلف، هم مختلفون ويحتاجون اختيار ما يريدونه من غير وصايتنا، سيرفضون ما نعطيهم إياه، فلابد من إعطائهم فرصة، ونرى ماذا يريدون وماذا يحبون، بعد ذلك نستطيع إعادة توجيههم، نحن جيل قدمت لنا الثقافة بملاعق وتقبلنا ولكن الجيل الجديد لن يتقبل، لقد ولدوا بجينات مختلفة طفل عمره ستة أشهر يستطيع اللعب باللابتوب ويغير فيه ما يشاء.

عيسى مبارك:

قد اختلف مع لونا فيما طرحته حول جيل السمة 2008م رغم أن السمة الموجودة في المجتمع هي عدم القراءة، أو القراءة الكسولة المعتمدة على اعتماد أي معلومة تصل عن طريق الهاتف، والاستغناء عن الكتاب، وأجد أنه من المهم على المؤلفين والمؤسسات الثقافية أن يستخدموا الوسائل الحديثة بشكل أكبر، وربما لأنه لدي اتصال عاطفي مع الكتاب فأفضله على هذه الأجهزة، ولكن الآن التوجه المجتمعي بات يأخذ الناس بعيداً عن الكتب بما يوجب على الفئة المهتمة بنشر الكتب والثقافة والقراءة أن تتبنى التكنولوجيا الحديثة في نشر ثقافة الكتاب، ونشر المعلومة الصحيحة، فالكثير يصله على الهاتف وبشكل يومي الكثير من المعلومات ويعتقد أنها صحيحة بينما هي محرفة عن مكانها وزمانها وتنسب لغير صاحبها مما يوجب التصحيح وإعادة النظر فيما يصلنا.

شرف المزعل:

بالنسبة للتكنولوجيا وأثرها في انحسار الكتاب الحقيقة لابد أن نعي أن التدوين على المستوى الثقافي البشري بدأ شفوياً ثم بدأ بالكتابة على الجدران ثم الكتاب الورقية وأصبحت الكتابة الورقية مع أزمة العالم العربي والاستعمار وفي فترة الدولة العثمانية كأنها خاص بالنخبة، وكذلك عدم وجود الطابعة أخّر العالم العربي ردحاً من الزمن، ثم انتقلنا مع القراءة العامة حيث الجرائد متوفرة في كل مكان وأصبحت الجماهير ترد على الكاتب وتنتقده وأصبحت منافسه له، والآن ما عاد الكتاب هو الأولوية فالصورة المتحركة أصبحت تغني عن القراءة وحالة القراءة لم تتراجع وإنما تغيرت أدواتها فأصبح الإنسان بإمكانه أن يشاهد صورة ويحكي لك قصة عنها فنحن انتقلنا إلى الثقافة التلفزيونية ثم إلى التكنولوجيا نحن كجيل نشعر بهجمة، الأطفال يقرأون قراءة عميقة ويظهر ذلك على مناقشتهم لنا، فقد أصبح لهم مداخل أخرى للثقافة مختلفة عنا. وأختم هل نحن نقرأ، أم نتصفح، ونجمع معلومات، أم أننا نقرأ لننمو.

إبراهيم سند:

الأمر ليس مرتبط بالقراءة فقط فهناك مهارة أخرى يطلق عليها مهارة الإنصات فقبل أن يقرأ هذا الطفل هو ينصت ويكون الحصلية والثقافية والمعرفية عن طريق الإنصات سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع، ينصت ويتلقى وبعدها مهارة التعبير ودائماً الشباب الذين لديهم المخزون اللغوي والثقافي هم أكثر قدرة على التعبير، والتفاعل مع الآخرين، بعدها تأتي مهارة النقد.

وكان لدي تجربة في مدرسة جدحفص الإعدادية للبنين بإشراف وزارة التربية والتعليم هي برنامج كاتب وكتاب الناقد الصغير وجدتهم يتفاعلون معه بشكل كبير، التحدي هو كيف نحفز على القراءة.

جاسم آل عباس:

بالنسبة للبحرين كانت ذات منابع علمية وكانت فيها نهضة علمية والنهضة العلمية لاتكون إلا بوجود القراءة، آثارها لا تزال موجودة من خلال كتب التراث والمخطوطات التي عناوينها بالآلاف وتبقى منها نحو 500 مخطوط هذه النهضة العلمية جعلت البحرين في المقدمة وكان العلماء يقصدونها من مختلف البلدان ويدونون مخطوطاتها وخصوصاً أن علماء البحرين ألفوا في الكثير من العلوم، اللغة، الفقه، الأصول، التراجم الفلك.

العدد 4620 - الجمعة 01 مايو 2015م الموافق 12 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً