العدد 4619 - الخميس 30 أبريل 2015م الموافق 11 رجب 1436هـ

الممثلون

جعفر طيون

ناشر ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

ليس «التمثيل» جديداً على العاملين في السياسة والحقل العام، فلطالما كان جزءاً من حياتهم. وللتمثيل في اللغة العربية أكثر من معنى، إذ قد يكون تمثيلاً في المسرح أو للناس، كما قد يكون تمثيلاً عليهم أو بهم. وتمثيل الناس قد يكون شرعياً وعن وجه حق، من قبل أشخاص اختارهم الناخبون بحرية لينطقوا باسمهم ويدافعوا عن مصالحهم وحقوقهم، كما قد يكون تسلطاً وانتحال صفة. وفي هذه الحال غالباً ما يتحول الى تمثيل على الناس بدل أن يكون تمثيلاً لهم ولحقوقهم.

عدوى التمثيل بدأت تصيب الحياة البيئية. فقد ورد هذا الفعل أكثر من عشر مرات في خبر واحد صدر مؤخراً عن حفل أقيم في مناسبة يوم البيئة العالمي، حيث مثّل الوزير مستشاره، ومثّل موظفون رئيس الوزراء السابق وثلاثة وزراء، كما مثّل آخرون نقباء المهندسين والأطباء والمحامين.

ومغالاة في التمثيل، حفلت الخطب التي ألقيت بوعود وسرد لنيّات حميدة فارغة من أي مضمون عملي أو إنجاز فعلي. وقد يكون أطرف ما جاء فيها تأكيد الوزير، بلسان ممثله المستشار، على حرصه أن تكون الوزارة عصرية!

المؤسف أن بعض المسئولين عن قضايا البيئة يحاولون تغطية عجزهم عن التغيير الفعلي بإصدار لوائح من الإنجازات تقتصر على سردٍ للبرامج والاجتماعات والهبات والقروض، من دون الإشارة إلى النتائج. منذ ما يربو على 20 عاماً، تم صرف عشرات الملايين من قروض وهبات لمعالجة التلوث الخطير في نهر يصب في بحيرة، تحولت إلى خزان مكشوف للمجارير والفضلات الصناعية. بعد عشرات الدراسات والبرامج التي لم يعالج أي منها أساس المشكلة، يتم في حفل عامر الإعلان عن خطة جديدة بمئات الملايين، من دون أن يكلف المسئولون أنفسهم إيضاح كيف صُرفت أو هدرت الملايين التي تم تخصيصها للهدف نفسه خلال عشرين عاماً خلت.

ومن أغرب الأمور حملة إعلانية بدأتها إحدى الوزارات مؤخراً تحت شعار «قلبي من النار لاوي». سلامة قلوبكم جميعاً، ولكن الناس ليسوا حائط مبكى. فمواجهة حرائق الغابات تكون بوضع خطط عملية وتهيئة ما يلزم لتنفيذها، بدلاً من ذرف الدموع على الناس الذين لا حول لهم ولا قوة.

منذ 20 عاماً تم وضع عشرات الخطط لمعالجة حرائق الغابات، لكنها تستمر في التكاثر والتهام الأخضر واليابس والغابات تتهاوى.

وما دمنا في موضوع التمثيل، لا ننسى الانتشار غير المسبوق لألقاب «أبطال التنمية» و«سفراء البيئة» (فوق العادة أو تحت العادة، لا فرق) التي توزعها هيئات وهمية في غالب الأحيان ويتهادى منتحلوها كالطواويس.

التمثيل أحد أرقى الفنون الجميلة. لكن كفوا شرّكم عن التمثيل بالبيئة أو عليها.

العدد 4619 - الخميس 30 أبريل 2015م الموافق 11 رجب 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً