ليسوا وحدهم الذين يُعانون من مرض السكْلر، يموتون بصمْت وبالجملة، وإن كانوا غالبين مقارنةً بحالات أخرى، ومن بينها السرطانات بأنواعها، ولا يتجرَّأن أحد بربط ذلك بمصانع الموت البطيء التي تحفُّ بالقرى؛ ففي ذلك مساس بهيْبة ورحمة وأبوَّة كيان وأدائه اليتيم في العالم؛ علاوة على ضغط الدم والسكَّري، وخصوصاً السكَّري لفرط الهناء والدِعَة والامتيازات والرفاهية التي تهبط على المواطن من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب؛ فهنالك من يموت في الغرف المُغلقة، المعقَّمة، ربما بعد لحظات أو أيام، ولدرء الفتنة، أوجدتْ لنا اللغة العربية ما يُجنِّب الأمة الفتنة وشقّ الصف، ومحاولة النيل من الإنجازات الوطنية التي أصبحت مدعاة إعجاب العالم الذي نعرف والذي لا نعرف. أوجدت لنا اللغة، والوسط الطبي خصوصاً عبارة «خطأ طبي» في أحسن الأحوال، هذا إذا لم يتم نفي المسئولية عن الخطأ، وكأن الخطأ الطبي حين يتكرَّر، يُصبح جزءاً من العرف والتقاليد والممارسة في هذه المهنة الإنسانية العريقة والنبيلة! ولن تثبت عراقتها ونبلها إلا بمزيد من الجنائز والجروح الغائرة في الروح!
ولن نُفاجأ إذا وصَلَنا ردٌّ من بعض أقسام العلاقات العامة المترهِّلة نصه: عليك حمد الله وشكره، والثناء على المنظومة الطبية، لأن بعض الدول تنفي أساساً موت مواطنيها في غرف العمليات وخارجها، وحتى في «مشاوير التسوُّق»!
ثم ماذا يعني أن يموت عشرة، عشرون، ثلاثون، خمسون مريضاً تحت تصنيف: «خطأ طبي»، أو إهمال أو زحمة مرضى أو متمارضين؛ فذلك جزء من دورة الحياة وضرورتها؛ والحفاظ على التوازن؛ ولا ينفصل عن خطط تخفيض المصاريف. فأولئك الموتى سيكلفون الطبيعة كميات من الهواء ونسبة من الاستفادة من أشعة الشمس، ومواقف سيارات، وحجز مواعيد، والاستفادة من خدمات إسكانية وتعليمية، ومن بعد ذلك مخصصات التقاعد الذي «مات قاعداً» لفرط المخصصات للمُؤتَمَنين على الأموال والمستقبل الذي لم يعُدْ غامضاً؛ وبحسب الأنباء الواردة من البادية والحضر، فإن أمانات الناس في طريقها إلى الضياع من فرط الحرص على هدى التفكير في تنميتها!
ثم إن أولئك الموتى سيحتاجون إلى تعيين طوابير من الموظفين لخدمتهم في الجهات المعنية؛ من بطاقات هوية وجوازات سفر وموظفي ختم مغادرة ودخول في حال السفر؛ علاوةً على كلفة أكبر في حال كانوا سجناء جُنَح أو جرائم والأخطر من ذلك، في حال كانوا سجناء سياسيين؛ يحتاجون إلى حراسة ومأكل وترميم لإقامتهم؛ علاوة على ملايين تنفق لتأكيد أنهم يعيشون في بيئات تنافس الإقامة بفندق جورج الخامس في باريس إلا قليلاً!
ثم إن بعض البلدان لا تتردَّد في الاحتفاء بأمم الأرض، وتوفير كل مقومات الحياة الكريمة لها كي تُعطي صورةً عن وطنية البلد وإنسانيته وعروبته؛ ولو كان المنتمون الجدد إليه لا يُفرِّقون بين عمود الكهرباء وعمود المشنقة أو الألِف، ولو كان ذلك على حساب «النزعة الوطنية والقومية» التي صدَّعوا رؤوسنا ورؤوس العالم بها: «ابن الأرض والوطن والعروبة».
كل أولئك يعملون عملهم بحركتهم وعجزهم، بقوتهم وضعفهم، بغبائهم وذكائهم في الضغط وتحميل الموازنة أعباء ومصاريف لها استحقاقات؛ في ظل وَلْوَلة وبكاء ونحيب على عجز الموازنة؛ ونسيان الفائض الذي «ذهب مع الريح» واختفى بقدرة قادر بعد انهيار أسعار «الآيل»!
ثم ماذا لو مات أولئك المرضى في سبيل أن تحظى الأمة بمجلس نيابي له مخصصاته الضخمة لأعضائه؛ كي يبذلوا جهودهم الاستثنائية في التصريحات التي تحتاج إلى قُدرات عضلية وعقلية، تُطمئن الأمة والناخبين بأن أصواتهم وهم أحياء وأموات لم تذهب هدراً؛ مادام النائب يتمتع بامتيازاته من وراء شقائهم أو سذاجتهم؛ ومادام يُطمئنهم على أحواله في كل نشرة أخبار في المناسبات وحفلات الاستقبال الرسمي والشعبي؛ ومادام لا يرتكب خطيئة الفقر باللجوء إلى المراكز والمستشفيات الحكومية من باب الاحتياط الأكيد واليقين بأن الحياة لا يمكن التفريط بها بالخضوع لرحمة «الخطأ الطبي»!
ومادام النائب مشغولاً بالسعي لتدشين محطة للصرْف الصحي، قبل التفكير في جوع أو شَبَع من منحوه أصواتهم!
ثم ماذا لو مات الناس غُفْلاً هنا؛ فسبحان من لا ينسى مشرطاً في معدة، وسبحان من لا ينظر إلى مريض السكْلر على أنه مُدمن مخدرات يريد أن يعيش «النشْعة» على «نفقة الدولة» ولو كان يتلوَّى ويموت مئات المرات في اليوم؛ وسبحان من لا يمارس التجريب في الخلق كي يتعلم، وسبحان من لا يسهو ولا يغفل!
وإذا آمنا بالله و«لعن الله الشاك» بأن المرضى عموماً يتلقَّون خدمات طبية لن يجدها المواطن في سويسرا ولا السويد ولا حتى الدولة التي تم الاستهزاء بها لسنوات باعتبارها ماركسية ومُتخلِّفة وفقيرة (كوبا) التي تُصنَّف اليوم من بين أوائل دول العالم في هذا المجال، فلماذا لا يخضع وزراء الصحة وحتى الأشغال؛ ولكي لا نُتهم بالتمييز والانحياز؛ الثقافة أيضاً لمشرط وعلاج يُطبّلون له في بلدانهم؛ ومع أول اضطراب معوي، يفرُّون بأرواحهم إلى بلاد الأطباء من ذوي العيون الزُرْق والخُضْر؟
فهل سألتِ الدولة أو أخذت حق مواطنيها من الذين يرسلون أبناءها إلى الموت تحت «تشطيب» موقَّع بتقرير «خطأ طبي» هنا كي تسأل عن الموت بالجملة لمن فرّوا بجلدهم من هنا على نفقتهم الخاصة أو «على نفقة الدولة» إلى الهند وغيرها من البلدان؟
تتعدَّد الأمكنة في الموت أيضاً وليست الأسباب وحدها. ويظل الموت واحداً هنا أو في الهند، مع فارق فائض الحنين واللوعة والغصّْة. ثم إنه لا موتى عندنا؛ سواء بسبب «خطأ طبي»، أو خطأ جيني؛ فالأمر شائعة كبقية الشائعات التي تتناسل في هذا الوطن! وصلُّوا على النبي.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4618 - الأربعاء 29 أبريل 2015م الموافق 10 رجب 1436هـ
الامراض
يااخي يبلي الله الخلق بالأمراض بأنواعها وخاصه الخطيره ليعرفوا انه الحق واحد أحد فرض الصمد لم يلد ولم يولد واحد لا شريك له في الملك تعالي عما يشركون
الكاتب لم يتكلم عن الأمراض
الكاتب لم يتكلم عن الأمراض بل تكلم عن الإهمال الحاصل في المستشفيات