قضت محكمة مصرية أمس الإثنين (27 أبريل/ نيسان 2015) بحظر غير المتخصصين من علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف الإفتاء في أمور الدين، لما فيه من إساءة للإسلام الصحيح، ومن أجل مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف. وناشدت المحكمة العلماء بتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من آثار التعصب الديني، قاصرة تجديد الخطاب الديني على «الفروع فحسب دون ثوابت الدين الإسلامي»، حسبما أفادت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر اليوم (الثلثاء).
جاء ذلك خلال تأييد المحكمة لقرار وزير الأوقاف السلبي بالامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح لأحد المنتمين إلى التيارات الدينية بمحافظة البحيرة، والذي أقام دعوى ضد وزارة الأوقاف لمنعه من الخطابة، بعد أن خالف موضوع خطبة الجمعة المحدد من قبل الوزارة.
وأصدر الرئيس المصري السابق عدلي منصور، العام الماضي، قانونا بتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد، وقصرها على المعينين المتخصصين بوزارة الأوقاف والوعاظ بالأزهر الشريف المُصرح لهم بممارسة الخطابة.
ويأتي هذا الحكم اتساقا مع دعوة أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل عدة أشهر، ناشد فيها المؤسسات الدينية الإسلامية بتجديد الخطاب الديني، من أجل مواجهة أعمال العنف والتطرف الطائفية التي تمارسها جماعات متشددة باسم الإسلام.
وجاء في حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة الأولى بالبحيرة)، الصادر أمس برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، أن «أساليب تجديد الخطاب الديني التي يتعين انتهاجها في العصر الحديث لمواجهة ظاهرة الإرهاب يجب أن تصلح ولا تفسد، تيسر ولا تعسر»، داعية العلماء المتخصصين بوزارتي الأوقاف والأزهر الشريف أن يراعوا عدة نقاط عند تجديد الخطاب الديني، منها «بيان أن الإسلام يدعو إلى السلام في الأرض، وهو دين خير وسلام وليس دين عنف أو عدوان، مع إعادة فهم النصوص على ضوء واقع الحياة وما تستحدثه البيئة المعاصرة بحيث تتناسب مع روح التطور، وعدم المساس بثوابت الدين نفسه من نصوص قطعية الثبوت والدلالة، وأن يعالج تجديد الخطاب الديني مفهوم الوطن في ضوء حقيقة مفهوم الفكر السياسي الإسلامي».
وأضافت المحكمة أنه «يجب أن يكون تجديد الخطاب الديني عالميا يتعدى حدود الأقطار الإسلامية والعربية، وعلى جميع الدول الاصطفاف مع مصر لمواجهة الإرهاب لأنه بلا وطن، وأن يعتمد على الاعتدال ووساطة المنهج، وأن يقيم وزنا لشبكة المعلومات الدولية، ومواجهة الفكر بالفكر، خصوصا مع فئة الشباب، ذلك أن الواقع كشف عن أن هناك تقصيرا في مناقشتهم واحتوائهم».
وتابعت أن «قادة الفكر الديني الوسطي يدركون أنه يجب أن تكون أساليب التجديد للخطاب الديني مرتبطة ارتباطا وثيقا بتطور الحياة ومنبثقة عن تعاليم الإسلام السمح، ذلك أن التاريخ أثبت أن المذاهب الإسلامية المتشددة لم تستطع أن تخترق مصر على مر تاريخها، بسبب تشرب علمائها الأجلاء من منهج الاعتدال، وأن يعتمد التجديد على أن الدين ليس للعبادة فحسب، وإنما المعاملة.. فالأمة الإسلامية عانت من التخلف الحضاري بسبب الاستقطاب المذهبي المتنافر، وأن يكون التجديد في الفكر المرتبط بتطور الحياة وليس في الدين ذاته».
واختتمت المحكمة بقولها إن «الإفتاء في أمور الدين محظور على الجهلاء وغير المتخصصين والمغرضين إجلالا لصحيح الدين، وأن وزارة الأوقاف والأزهر الشريف عن طريق الأجهزة العلمية المتخصصة ومنها مجمع البحوث الإسلامية ملزمون بالعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب الديني الذي ينتج عنه الانحراف في الفكر المذهبي والسياسي، وإبراز تجليات جوهر الدين الأصيل الخالص وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وبيان الرأي في ما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، والتصدي للدراسات الزائفة ودعاة الفكر المنحرف وتفسيراته الخاطئة ضد الدين والرد على الافتراءات والشبهات والأباطيل وتوضيح الحقائق».