هل هنالك نقد أدبي استثماري تجاري؟ هل هنالك شعر تجاري استثماري أيضاً؟ ماذا عن فن المقالة؟ هل هنالك مواقف استثمارية، تجارية، تضع القيَم والأخلاق ما دون الحذاء؟
ألم تُفرز حالة الزار والصَرَع التي نعيشها محلياً وعربياً منذ أكثر من أربع سنوات، مقالات تجارية استثمارية؟ لذلك موضع سنأتي عليه.
في النوع الأول، وعلى المستوى المحلي يكفي الرجوع إلى نموذج واحد؛ من خلال إصدار جهة رسمية لكتاب من المفترض به أن يكون كتاباً نقدياً لأستاذة في جامعة عربية؛ تتناول في كتابها الذي بلغت صفحاته أكثر من 800 صفحة؛ التجربة الشعرية النسائية لبعض الأصوات هنا؛ وعلى امتداد مئات الصفحات لن تقرأ سوى ما دون حتى الانطباع بدرجات. لا مجال للحديث عن منهج نقدي، ولا مجال للإشارة إلى تأصيل واكتشاف؛ على رغم المستويات المتفاوتة بين الأصوات تلك وبدرجات كبيرة إلا أن المستثمرة «الناقدة» وضعتها جميعاً - تقريباً - في سلة واحدة!
الإصدار بحجمه له كلفته العالية؛ من دون مردود حقيقي؛ ليس بالضرورة مادياً وهو ما لن يتحقق؛ وخصوصاً إذا وجد الكتاب له موطئ قدم في العواصم الكبرى؛ لركاكته ووهنه، وارتجاله، وتوزيعه السمات والكفاءات بحسب الطلب؛ إذ يبدو الإصدار تم بتكليف وليس اشتغالاً يتحرّى الكشف والوقوف على واقع الحراك الإبداعي هنا. ذلك نوع من «النقد الاستثماري»، وربما يكون ضرره غير منظور ومُعاين ومباشر. يلتمس الثرثرة، والعمل بحسب الطلب! وتحطيم المعايير التي من خلالها يمكن تحديد المبدع من عدمه. النص الملفت الفارق، من النص الركيك، أو الذي لا يقول شيئاً أساساً، تطلُّعاً إلى منفعة مادية، ومصلحة ما تتحقق بإنجاز مثل تلك «الثرثرة»، وأحياناً بطلب من جهات رسمية، لا تعنيها من قريب أو بعيد قيمة ما يقدَّم.
ولا تبرز تلك النوعية من الأعمال إلا في الأوقات التي يتم فيها رواج الشراء بالجملة تقريباً، لمن هو قابل للشراء، بغضِّ النظر عمَّن يتم شراؤه، مثقفاً كان، أو ممن لا علاقة له بأي شكل من أشكال الثقافة والتفكير.
أقول أوقات الأزمات؛ وضمن حملات للعلاقات العامة تطول كل شيء؛ ولا بأس أن يتم تطعيم ما يُراد لها أن تكون «دراسة نقدية»، وهي ليست كذلك، بمن هم من المفترض أن يكونوا ضمن طيف مستهدف؛ كي يبدو الأمر وكأنه تعاطٍ محايدٍ مع أمور الثقافة وقضاياها، وإبعادها عن أي شكل من أشكال التوترات والاستهدافات، والأمر هذه المرة أيضاً ليس كذلك، وليس بتلك البساطة بتوافر شواهد بالمئات تدحض مثل ذلك الإيهام الذي تتم محاولات تمريره!
الكتاب المذكور، لن تقف فيه على ملاحظة نقدية واحدة تذهب في الاتجاه المعاكس للثناء، على امتداد أكثر من 800 صفحة؛ بل ربما، ولا كلمة واحدة؛ على رغم أنه يتناول عدداً لا بأس به من الأسماء؛ وعلى رغم تفاوت المستويات الفنية للنصوص، وخبرات الشاعرات وحضورهن وإصداراتهن؛ إلا أن «الأستاذة الجامعية» نأت بنفسها حتى عن التلميح أو الإشارة إلى وهن أو ركاكة؛ حرصاً على «الشرط الاستثماري» غير المعلن، فكل تناولها كان بمعيار واحد، وعلى خط مستقيم، إذا صح أن نطلق عليه «خطاً مستقيماً»: الثناء؛ بل والتغاضي عن كثيرٍ من الركاكة التي لا يمكن أن تغيب عمّن يمارس درس النقد في تجربته الأولى. الثناء المبطَّن والظاهر؛ دون أن تضعنا في تفاصيل ومبررات وحيثيات ذلك الثناء الذي ورد بشكل «حاتمي» طال أطراف ما يُراد إقناعنا بأنها «دراسة»!
ذلك وجه من «النقد الاستثماري» الذي شَهِدْتُ له أكثر من مثل في أكثر من بلد ولكن ليس بهذه الصفاقة، والقفز على بدهيات وأمانة البحث العلمي والنقدي في أبسط صورها وتجلياتها.
مقابل التحايل الساذج الذي يسعى إلى أن يكون ممنهجاً؛ والتوهُّم بإمكانية تمريره بهدوء؛ وقد يلاقي المديح والثناء، أولاً من قبل الجهة التي دعمته، ومن خلال أقلام يتم تسخيرها في هذا المجال، ونحمد الله أن الكتاب المذكور لم تتم الإشارة إليه بالشكل الذي يتم تكريسه كنموذج مستقبلي يمكن تكراره! أقول مقابل ذلك، هنالك «نقد» يذهب في اتجاه واحد، وتنفتح لأصحابه والقائمين عليه أبواب كانت موصدة؛ وتنهمر عليهم العطايا والبِدَر من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون. ويراد لذلك «النقد» الذي يتم استثماره بشراسة، بالبذاءة والشتائم والنيل من الأعراض والمعتقدات ووطنية فئات وانتمائها؛ وأن يكون متصدِّراً المشهد، ومحتلاً المساحات؛ ومهيمناً على الوعي الذي يتم تمرير تلك «الفضلات» إليه، باسم الوطنية والانتماء!
وكلما علتْ حدَّة الشتائم والسباب والتحقير والتخوين والتحريض؛ كلما كانت عوائد الاستثمار في هذا المجال مجزيةً بالنظر والتقييم المريض والزائف في نهاية المطاف.
لم يقتصر الاستثمار في الشتائم تحت عنوان «النقد» بدافع «الوطنية» و»الانتماء» على الذين لا يُحسنون الكتابة، ولهم تاريخ لا يمكن تغييبه من الأمية والسذاجة وقلة الإمكانات، والاضطراب على مستوى النزاهة، ونظافة التاريخ واليد؛ بل امتد مثل ذلك الاستثمار ليتورط فيه من يمتلكون الأدوات للبناء لا الهدم، والتواصل لا القطيعة، والتقارب لا اتساع الشّقة، ووضع حدٍ للجحيم لا تغذيته وصبّ الزيت عليه.
طال مثل ذلك الاستثمار كثيرين «ذهبوا مع الريح» ولن يعودوا لا في ضمير الزمن، ولا في ضمير الذين استهدفوهم - ولا يزالون - بذلك الاستثمار الذي مهما تذاكى يظل غبياً لأنه يتعامل مع المؤقت؛ ومهما تواصلت عوائده إلا أنه مثل أي استثمار عرضة لتقلُّبات أمزجة أفراد وأسواق ومداهمة وتغيُّر أحوال وظروف.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4615 - الأحد 26 أبريل 2015م الموافق 07 رجب 1436هـ
سوق رائج
هو سوق رائج لمن باع ضميره وديبنه وانسانيتة
سوق المتزلفين والمنافقين رائجة هذه الأيام
لذلك الامة في ترد مضطرد بسبب رواج هذه الفئة ممن يحسبون على الكتاب وهم اسوأ نوع من انواع البشر
المختار الثقفي
استشهد هنا بأبيات للشاعر العراقي الموسوي:
بان ذاك الثوب مشقوقا لأرباب البصائر
فاستعار القوم ما يستر مأساة السـرائر
هو ثوب العنصــريات وهذا غيـر ســاتر
نعم هو ثوب العنصريات التي تلبس بها البعض واسترزق منها مهما حاول أن يبعد عننفسه صفة (ا....) أيا كان منشأه وملته لا لأجل شيء غير المصلحة ورضى من لم يرضى عنه سبحانه وتعالى لعظيم ذنبه وفتكه بخلقه.