هي شمعةٌ نشعلها لا غير، شمعةٌ تذرفُ دموعها على من قضوا في رحلات الحروب الجنونية وأسلحتها الفتاكة التي نالت من أرواحهم هلعاً، وأنفاسهم خنقاً، وأجسادهم حرقاً، جوعاً وعطشاً وغرقاً وهدراً للكرامة. ففي خاتمة الحكاية صرنا شهود زور في مسرح الجرائم البشعة والفظائع التي أوصلتنا إلى قعر الهاوية، على رغم أننا مثلنا مثلهم لا نملك قدرة على تغيير المسارات. والسؤال الصعب المتكرر في النفوس المتعبة: هل سيخرجون ظافرين من فعلتهم؟
في كواكب نائية نعيش، كواكب لا اطمئنان فيها ولا سلام. طنين المحركات يقض مضاجعنا وأزيزها يمدّد الجحيم في عروقنا، فيفقدنا الصواب والأفواه مكمّمة والقلوب متحجرة، والذاكرة من الأهوال غدت في عالم النسيان.
سيلٌ من الأحقاد والكراهية ونشوة القتل المعدية، قيل في زمن ما والأحلام تداعب الرؤوس ووفرةٌ من كلام: «كلنا ذاهبون للسلام، للحرية وللإنعتاق، بيد أن الحالة ما برحت متخمة بالجراح والابتذال، والرعب سيد الزمان والمكان، فما أسهل الخديعة وما أبسط أكاذيب الكلام. لم لا وهذا بحق عصر انحطاط القيم والأخلاق.
في نشوة الانتصارات الزائفة تضيع ملامح الطرقات بضياع وفقدان البوصلة، عالمنا العربي والإسلامي كما يصفه أمين معلوف: «يغوص أكثر فأكثر في بئرٍ تاريخية يبدو عاجزاً عن الصعود منها؛ وهو الحاقد على الأرض كلها وعلى ذاته بالدرجة الأولى... غرق في الحروب الأهلية ومتاجرات قذرة، وفساد شامل، وانحطاط للمؤسسات، وتفكك للنسيج الاجتماعي، والبطالة الكثيفة، والقنوط. إن الجميع في مهب العاصفة بشكل أو بآخر، سواءً كنا أغنياء أو فقراء، مستكبرين أو خاضعين، محتلين أو تحت الاحتلال، فنحن جميعاً على متن زورق هزيل، سائرين إلى الغرق معاً، ومع ذلك فنحن لا نكفّ عن تبادل الشتائم والمشاحنة غير آبهين لتعاظم أمواج البحر، وحتى غير قادرين على الترحيب بالموجة القاتلة إذا ما ابتلعت أعداءنا أولاً إبان صعودها نحونا».
إن تبنى المحبة وإشاعة السلام لها بعد حضاري في أية معارك تخاض، خلاف القتل والتدمير وتغذية الحقد والكراهية وممارسة العنف والقهر والتهميش الذي تتآكل معه معالم الحضارة الإنسانية وبما يهدّد مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة. وحالة التشنجات الطائفية والإثنية والمذهبية والإيديولوجية العمياء تستدعي بشدة تغليب قوة الحب والسلام، تماماً كما قال لنا أوسكار روميرو: «السلام ليس نتاج الإرهاب أو الخوف، ليس صمت المقابر، ليس النتيجة الصامتة للقمع العنيف، السلام هو فعالية وسخاء، وهو حقٌ وواجب»، خصوصاً ونحن نعرف عن الحرب أكثر مما نعرف عن السلام، ونعرف عن القتل أكثر مما نعرف عن العيش» حسب أحدهم.
أخيراً وقبل أن تطفأ الشموع ويخيّم الظلام على أرواحهم، لندرك بيقين «أن الانتصارات الحقيقية والدائمة هي انتصارات السلام لا انتصارات الحروب، لا شيء غير انتصار المبادئ»، كما يفيدنا رالف والدو إمرسن، وكما يعلمنا الدالاي لاما بأن» السلام يعني غياب الحرب، يعني أن يُزيل ألم العذاب الذي يحاق بسجين الضمير، فهو الذي يبقى حيث تصان حقوق الإنسان، حيث يغذي الناس، حيث يكون الأفراد والأمم أحراراً، السلام يبدأ من دواخلنا حينها بوسعنا أن نكون في سلام مع من حولنا».
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4614 - السبت 25 أبريل 2015م الموافق 06 رجب 1436هـ