ثقافة التسامح

نشاهد في الساحة الدولية وخصوصاً في الشرق الأوسط عنفاً وقتلاً وعنفاً مضادّاً وحقداً، وكراهية غير مسبوقة بالنسبة إلى العقود الماضية من طرق المتشددين باسم الاختلاف في العقيدة أو المذهب أو الدين، مع أن الأديان كلها تنادي بالتسامح والمحبة والإخاء.

لِمَ هذا الكم من العنف والكراهية باسم الدين والمذهب؟ أين الخلل؟

هناك مقولة «لا تحب لغيرك ما لا تحب لنفسك»هذه المقولة، ما أحوجنا اليها أن نعمل بها في هذه الأيام.

إذا كل انسان يطبق هذه المقولة، سوف لن يقبل أي نوع من أنواع العنف اللفظي أو العمل الإرهابي على الآخر المختلف أو الحاقد، بل يعامله بطريقة سلمية وحضارية كما يريد أن يعاملوه.

إن ثقافة التسامح والمحبة تأتي من التربية والنشأة في البيت أولاً ثم من المجتمع ووسائل الإعلام والخطاب الديني وغير الديني ومن المناهج الدراسية، لتترسخ ثقافة التسامح في نفوس الأطفال والشباب الناشئ والشباب والكبار ويتقبلوا الآخر المختلف، وإذا كان هناك أي حقد أو كراهية لا سمح الله يتعلمون كيفية التعامل معها بالمحبة والتحمل والحوار البناء لنشر التسامح بدلاً من العنف والعنف المضاد والقتل والإرهاب. هناك للأسف منابر كثيرة من وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة انتشرت في العقدين الماضيين بصورة مكثفة في شحن الحقد الطائفي والتكفيري، إلى درجة أن بعض القنوات التلفزيونية خُصصت لهذا الغرض بدل أن تدعو هذه المنابر إلى الاتحاد والمحبة لبناء مجتمع متسامح ومحب.

عملية البناء دائماً كانت أصعب من عملية الهدم، فمثلا نشر الحقد والكراهية عملية سهلة وليست محتاجة إلى عناء كبير؛ لأنها تهدم المحبة وعلاقة الناس بعضهم بعضاً ليصبح الإنسان وحشا إرهابيا يخرج عن إنسانيته، لكن عملية بناء المحبة والتسامح بين الناس أصعب؛ لأنها تحتاج إلى عمل دؤوب لتغيير ثقافة المجتمع من عدواني وتكفيري إلى محب ومتسامح مع الآخر المختلف، وتعايشه معه، مع كل الاختلافات التي يراها في الآخر من مذهب أو دين أو جنس أو فكر... الخ. هناك عظماء في العالم نعتبرهم رموزا للتسامح ونشر السلام، أمثال غاندي الذي كرس حياته في إحقاق الحقوق باللاعنف... كذلك مانديلا الذي أبدى تسامحاً عظيماً إذ قال بعد 28 سنة من السجن: «هؤلاء البيض اخواننا مهما اساؤوا الينا، لا يجب ان ننتقم، بل نفتح صفحة جديدة معهم ونعيش كمواطنين سواسية في بلد واحد». ولكن أقوى مثال على التسامح في الإسلام هو الرسول (ص) عندما عامل اليهودي الذي كان يؤذيه يوميّاً، زاره عند مرضه وبهذا العمل النابع من الإنسانية والمحبة الصادقة وسمو الأخلاق للرسول (ص) أثر في هذا اليهودي إلى درجة انه خجل من أعماله العدوانية ضد الرسول (ص) وسارع إلى اعتناق الإسلام.

نرى في هذه القصة كيف يعلمنا الرسول (ص) أن نواجه العدوان بقوة أكبر منه، هي قوة المحبة الصادقة النابعة من فضائل العالم الإنساني.

هل ندرس أطفالنا هذه القصة التي فيها أعلى سمو للتسامح الإسلامي في تاريخ الإسلام؟

هل أدخلنا هذه القصة في مناهجنا الدراسية؟

هل المسلمون يعملون بها ويأخذونها قدوة لهم؟

هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات...وإذا فكرنا فيها نصل إلى حقيقة السبب، ونعرف لماذا نشر هذا الكم من الكراهية والحقد بين الناس والمسلمين بصورة خاصة، ونستطيع في ذلك الوقت العمل لبناء ثقافة التسامح ونشر المحبة في مجتمعاتنا العربية وقبول الآخر، ونوقن في وقتها أن المحبة هي الهدف الأسمى في كل خطوة نخطوها في إصلاح أي خلل نراه في المجتمع. وبذلك نستطيع أن نقول قد رسخنا في قلوبنا القيم الروحية، وآمنا بأن الخطأ لا يصحح بالخطأ، بل يزيده تفاقما أكثر.

ورقاء روحاني

معلقة زهير بن أبي سلمى

أودعت سيارتي الوكالة ثم كان لابد أن أقطع مسافة طويلة مشياً. أحد الشباب وافق على إيصالي وأصر على أن يوصلني حتى باب منزلي في عراد. أثناء الطريق وفي مجال التعارف قال إنه من العراق. رحبت به وقلت الله يحيّ العراق الجريح وأهل العراق الطيبين «سألت عن أسرته، فقال إن أباه وأمه أصيبا بالإحباط والجلطات التي أسرعت في موتهما، وإن أفراد أسرته مازالوا يتنقلون من مكان إلى مكان طلباً للأمان ثم أردف بألم عميق «الحرب إذا اشتعلت حرقت كل ما هو قائم وحرقت أنفس كل من بقي على قيد الحياة، فكيف يكون حال الشيوخ والنساء وكيف هو حال الأطفال؟

أجبت «يا حسرة على العباد» فالكثير من أصحاب المصالح الذين يدمرون يتجاهلون ويدعون أنهم يحسنون صنعاً. وهذا زهير بن أبي سلمى قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة مضت يقول في معلقته التي كتبها على أستار الكعبة آنذاك

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتموا

وما هو عنها بالحديث المرجَّم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

وتضرى إذا ضريتموها فتضرم

قال الشاب العراقي الطيب «نعم صدق زهير والكثيرون من أمثال زهير. ولكن لا حياة لمن تنادى.

جعفر شمس

راحت السكرة فهوت الطائرة فوق جبال الألب

كلما مرت المضيفة بلباسها وبابتسامتها على مقصورتي وهي تجر عربة الطعام بألوانه المخلتفة، تسألني إن كنت أرغب في تناول شيء ما، مخلفة وراءها قهقهات وصرخات من داخل المقصورة وكأنهم في حفل صاخب مع تجرع طعم هذه الكؤوس من الشراب الروحي، حينها تذكرت كوؤس الموت والمنية يتحدون بها جل جلالته وعظمته ونحن في قبضته وأرواحنا بين يديه ورسل الموت كالغيوم والمطبات الهوائية تتلاعب بنا وبأجنحة الطائرة قبل قلوبنا وأعصابنا لتحذرنا من أن حزام السلامة والوقاية الألهية متين وآمن ...»كابتن الرحلة» المريض بمرض الكآبة! هذه مذكرة راكب مقصورة «الفي أي بي «في الطائرة الألمانية وهو ما كان يشاهده ويسمعه عادة في مقصورته وهو بين السماء والأرض!

تماماً كما حدث لإحدى الطائرات المدنية الأميريكية 940 حينما سكب قائدها شيئا من القهوة فانطلق جهاز الانذار باحتمال تعرضها لاختطاف، مما اضطر رحلة طيران «يونايتد ايرلاينز» الاميركية المتجهة من شيكاغو إلى المانيا للتوقف في كندا، وما ركاب طائرة الأجنحة الألمانية ببعيد فمساعد الطيار لوبيتز والبالغ من العمر 27 عاما الذي انطلق بطائرته فوق جبال الألب الفرنسية الجميلة بهدوء تام دون مشاكل تذكر إلا أن رباعية المتنبي «بما لا تشتهي الطائرات» عادت من جديد مكررة مأساة أخرى من مآسي حوادث الطيران، إذ إن الطائرة فجأة هوت إلى الأرض أو جعلها «لوبيز» تهوي عمدا كما نسب إليه! سؤالي وبالتحديد لماذا سمح له بالطيران وهو يعاني من الصرع أو الكآبة؟ والأدهى من ذاك تسليمه 150 روح بريئة وصراخهم وأصواتهم إلى السماء وهم يتبادلون النكت والقهقهات والكؤوس لتتحطم طائرتهم فوق جبال يصعب الوصول إليهم! من بينهم الطاقم و16 تلميذاً ألمانياً، وكعادة شركات الطيران لم تتعطل ولم تتآخر في استصدار تقريرها مبررين سبب الحادثة ومتهمين لوبيتز «تعمده» إسقاط الطائرة وأنه يعاني من مرض الكآبة الحادة والشديدة، وهو مبرراً لا يصدقه العقل فكيف يقبله العلم والمنطق، حتى إذا نصبت النصب التذكارية وحضر من حضر في تشييع أرواح الضحايا وراحت السكرة وجاءت الفكرة باصدارالاتحاد الدولي للطيران «الأياتا» وبعض الدول الأوروبية تعميماً بضرورة تواجد اثنين من أفراد طاقم الطائرة.

مهدي خليل