طرحت ندوة بعنوان «تحصين الشباب من التطرف الديني» آراءً جريئة ومداخلات قوية جداً تلاقت جميعها عند (انتقاد دور الحكومات ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء) وتقصيرها في التصدي للظاهرة، فيما اتجهت بعمق نحو وجود منابع تغذي التطرف والإرهاب في المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية لم يتم التعامل معها بحزم.

وأجمعت الآراء على أن هناك تردياً واضحاً على مستوى اهتمام الحكومات العربية بالسياسات والبرامج التي تعالج قضايا الشباب.

غزو تنظيمات متطرفة

وتحدث عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر سابقاً عبدالحميد الأنصاري في المحاضرة التي نظمتها جمعية (المنتدى) وأقيمت في قاعة المحاضرات بمحلات أشرف في الحورة مساء أمس الأول الثلثاء (21 أبريل/ نيسان 2015)، وهي بمثابة لقاء وصفته رئيس مجلس إدارة جمعية المنتدى منى يوسف المؤيد بأنه ينطلق إيماناً بدور الشباب في المجتمعات العربية وما يمثلونه من ركيزة وعماد كل أمة، فهم قادة المستقبل ونور الحاضر ونبراس الأمل، فيما تناول مدير الندوة الكاتب عبيدلي العبيدلي تقديم نبذة مختصرة عن واقع الشباب في العالم العربي حيث اختارت جمعية المنتدى هذا الموضوع لإدراكها بموقع الشباب المهم على المستوى العالمي والعربي، فسكان العالم العربي يصلون إلى 400 مليون من أصل 7 مليارات نسمة من العالم كله، والشباب العربي دون سن 25 سنة يمثلون ما نسبته 70 في المئة حسب النسخة العربية من التقرير الإقليمي حول حالة السكان.

ومن جهته، استهل المحاضر الباحث عبدالحميد الأنصاري ورقته بالتأكيد على أن قضية الشباب هي قضيتنا ومستقبلنا جميعاً، لكننا نعاني منذ سنوات من ظاهرة التطرف الذي يُنسب إلى الدين، فيما تسعى بعض التنظيمات المتطرفة العنيفة لغزو عقول الشباب وتستحوذ على عقولهم.

«خطف الشباب»... جرس إنذار

وعلق جرس إنذار مشدداً على أن مسئولية المجتمع المدني والدولة ومؤسسات المجتمع والأسرة هي حماية الشباب من الخطف على يد التنظيمات المتطرفة قائلاً: «الشباب يختطفون فما هو دورنا ومسئوليتنا تجاه هذه القضية؟ هي تشغلني مثلما تشغلكم وأنا معني بها منذ زمن، ولكن بالطبع، هناك ضرورة لتنسيق الجهود وليس فقط الاعتماد على الكتابة والمحاضرات، بل على مستوى الدولة يلزم صياغة استراتيجية على مستوى الشباب، فإذا لم يكن للدولة استراتيجية وطنية لحماية الشباب من غزو التطرف الديني، فلن ننجح ولن يكون للمؤسسات الدور الفاعل، ونحن نريد تفكيك التطرف، ولكي نهزم التطرف فيجب أن نهزمه من الرؤوس».

ووصف حماية وتحصين الشباب كمهمة تشكل ما أسماه (الجهاد الأكبر) حسب وصفه، موضحاً أن الجهاد المدني الأكبر يعني الحفاظ على الشباب كثروة ومستقبل يمثلون النسبة الكبرى في تركيبة مجتمعاتنا.

وشرح مفهوم التطرف بموازاة الاعتدال، إلا أنه أوجز بالقول: «البعض يرى أن التطرف حرية شخصية: يقصر ثوبه ويطول لحيته وينقب زوجته ويحرم الموسيقى... تلك حريته الشخصية... لكن يمكن أن نقول أن التطرف المنهي عنه إسلامياً هو رديف (الغلو)، فالتطرف الديني الأخطر هو فرض التطرف وفهم الدين بطريقته المتطرفة على الآخرين، ويعتقد أنه يحتكر الإسلام وهو وكيل الله في أرضه وهذه الوصاية هي المشكلة، فالوصاية الدينية على الناس لا يمكن قبولها».

تشخيص وعلاج التطرف

وعرج الأنصاري نحو أساليب مواجهة التطرف، فهناك مجتمعات متقدمة واعية ولديها روادع تواجه التطرف، فيما تبقى مجتمعات أخرى غير مؤهلة أو قادرة على المواجهة، فالبعض يربط انتشار ظاهرة التطرف بالأوضاع الاقتصادية أو الأحداث السياسية التي تصل إلى جعلها حلقة من حلقات الاستعمار والغزو الأميركي، إلا أن ذلك غير صحيح فالتطرف الديني قديم في التاريخ الإسلامي ومن أبرز نماذجه هم (الخوارج)، وهم عبارة عن عصابات مسلحة، وقد خرجوا على أفضل مجتمع وهو مجتمع الخلفاء الراشدين، فالخوارج لم يعجبهم المجتمع المثالي، فخرجوا واستباحوا دماء الصحابة، وفي ذلك الوقت، لم يكن تطرفهم بناء على استعمار أو بطالة أو ضيق معيشة.

وزاد قوله: «ما يطرحه بعض الخطباء من أن ظاهرة التطرف انتشرت كردة فعل للعدوان الخارجي والمؤامرات العالمية ضد الإسلام ليس صحيحاً.. ظاهرة التطرف في المجتمع الإسلامي ولدت قبل أميركا وقبل الاستعمار»، منوهاً بشكل مباشر إلى ضرورة قيام الحكومات بالتصدي لمنابع ومنابر التشدد، وأن يتم تطبيق مفهوم (حياد الدولة)، أي أن تتعامل الدولة مع المواطن باعتباره مواطناً وليس بناء على معتقده، فالدولة هنا مثل الأب، ومكونات المجتمع هم أبناء ذلك الأب، ولا يجوز للأب أن ينحاز، ولذلك، فإن ما يجري الآن من مناصرة لمذهب على الآخر خطأ فادح، فالصحيح أن نحيط بالإسلام الصحيح ونفهم الآخر وليس مطلوب منا إفحام الآخر أو الانتصار عليه والتصفيق للطرف المنتصر، فثقافة التسامح مطلوبة».

واختتم بالتركيز على ضرورة تجفيف الينابيع التي تغذي شجرة التطرف، وتقديم معاني الإيمان بالمواطنة وإبعاد الدين وإخراجه عن ساحة الملوثات السياسية، فالسياسة فيها الكذب والمناورة ولا يمكن أن أوظف (الثابت) وهو الدين لخدمة المتغير والمصلحي وهو (السياسة)، فالدين قيم والسياسة مصالح متغيرة.