اختارت «اليونسكو» قبل عشرين عاماً، هذا اليوم (23 أبريل/ نيسان)، يوماً عالمياً للكتاب، تعبيراً عن تقديرها وتقدير العالم للكتّاب والمؤلفين، بتشجيع الجميع وخصوصاً الشباب، لاكتشاف متعة القراءة، وتجديد الاحترام للذين مهّدوا الطريق للتقدم الاجتماعي والثقافي للإنسانية جمعاء.
الكتاب هو عصارة العقل البشري، ففيه تجد خلاصة الآداب والفنون والفكر، وقصة الحضارة وتحوّلات الإنسان. الحضارة الكبرى التي نعيشها، لم تبدأ بصناعة القوس والسيف، وإنّما بصناعة القلم. وحين نزل القرآن الكريم ليخرج الجزيرة العربية من الظلمات إلى النور، كانت الكلمة الأولى: «اقرأ»، ولم تنزل آيات القتال إلا بعد 14 عاماً من الدعوة الحضارية السلمية والاستضعاف.
«اليونسكو» اختارت هذا التاريخ لما له من رمزية في عالم الأدب العالمي، كما جاء في أدبياتها، حيث يصادف هذا اليوم من العام 1616، وفاة كلٍّ من ميغيل دي سرفانتس أعظم كاتب إسباني، ووليام شكسبير كبير الإنجليز، وغارسيلاسو دي لافيغا. ومن حسن الحظ أني قرأت لسرفانتس رائعته «دون كيخوت»، وبعض مسرحيات شكسبير مثل «هاملت» و «تاجر البندقية» و «حلم منتصف ليلة صيف» و «عطيل» و «ماكبث»، و «روميو وجولييت». ولكني للأسف لم أسمع أو أقرأ عن غارسيلاسو دي لافيغا، وهو ما دفعني للبحث عنه أمس في «غوغل»، فاكتشفت أنه أحد أدباء العصر الذهبي الإسباني، وُلد في طليطلة (1498)، وتوفي في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1536، (على خلاف ما تذكره اليونسكو) في نيس بفرنسا.
القراءة اكتشافٌ، والقراءة تحدٍّ، والقراءة اعترافٌ بعجزنا ومحدوديتنا، وقوةٌ تحفّزنا على المعرفة والتعلم الدائم ومقاومة الجهل... والتطلع نحو أفق إنساني أرحب.
والقراءة تبدأ منذ الصغر، وكانت المكتبة الصغيرة في مدرسة الخميس مطلع السبعينيات، تمثّل لي شخصياً جنة لتلميذ السادس الابتدائي، حيث تسحره الكتب والمجلات، فيأوي إليها أوقات الفسحة لينمو معه هذا العشق الطويل. في تلك الفترة كانت تجوب «المكتبة المتنقلة» مناطق البحرين وقراها، وحين حاول مرةً أن يستعير من ذلك الباص الصغير المجهّز برفوفٍ من الكتب، صدّه السائق لصغر سنه، بينما سمح لفتاةٍ في مثل عمره بالاستعارة. حادثةٌ ولّدت في نفسه شعوراً بالتمييز، ونفوراً من المكتبات العامة، لكنها حفّزته لشراء الكتب والمجلات لتكون له مكتبته الخاصة، حيث كان له أبٌ لا يبخل عليه بالمصروف ليقتنيها. ولم يُنهِ المدرسة حتى كان لديه ما يقارب المئة كتاب، ولم تمضِ ثلاث سنوات في الجامعة حتى بلغ عددها المئتين والخمسين كتاباً، وهو عددٌ كبيرٌ بمقياس طالبٍ لم يتخرّج بعد.
القراءة تفتح لك آفاقاً جديدة، وتدخلك عوالم لم تعرفها، وبلداناً لم تزرها، وشخصياتٍ لم تقابلها، وبعضها أصبح في العالم الآخر قبل عقودٍ أو قرونٍ وأحقاب، لكنه ترك لك خلاصة فكره وعمله وإنتاجه. وكثيراً ما يلحّ عليّ خاطرٌ وأنا أقرأ كتباً للماضين: هل مات فعلاً هؤلاء الكتاب؟ فمن الذي يكلّمنا إذاً ونسمع صوته ونرسم له صورةً متخيّلةً تخرج لنا من بين السطور؟
كنت آنسُ لزيارة المكتبات، حتى لو لم أشترِ، منظر الكتب المصفوفة على الرفوف تلهب مخيلتي. وكلما تتقدّم في العمر يزداد ميلك لقراءة الكتب القديمة التي قرأتها أيام الصبا والشباب. إنه الحنين إلى الماضي الجميل.
اليوم الكتاب ليس في أحسن حالاته، وربما كان عصره الذهبي الخمسينيات والستينيات، ولم يدرك جيلنا السبعيني إلا بقايا ذلك الشعاع، مع آخر الكتاب الكبار، من حملة الفكر التنويري والديني الإصلاحي. أما اليوم فقد دخلنا عصر الظلمات، مع غلبة الأفكار الرجعية وهذا المدّ التكفيري الأهوج الذي يُغرق المنطقة في الجهل والدماء.
اقرأوا أيها الشباب. اقرأن أيتها الشابات. اقرأ أيها الإنسان، إنها ليست نصيحتي... وإنّما هي نصيحة السماء.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4611 - الأربعاء 22 أبريل 2015م الموافق 03 رجب 1436هـ
معرض رائع
نعم القراءه رافد مهم في تنوير وتطوير النفس البشرية
ونشكر الوسط لتبنيها فكرة هذا المعرض الجميل
القراءة نور
أمة لا تقرأ أمة جاهلة وتكون النتيجة ما نراه من انتاج داعش وأخواتها من ادوات القتل والتكفير والتدمير.
كلام جميل
القراءة اكتشافٌ، والقراءة تحدٍّ، والقراءة اعترافٌ بعجزنا ومحدوديتنا، وقوةٌ تحفّزنا على المعرفة والتعلم الدائم ومقاومة الجهل... والتطلع نحو أفق إنساني أرحب.
اجل انها نصيحة السماء
جل ما يقال في الكتاب فيه علم ماضى وسيستمر ورسم لمستقبل آت . وبعد تستقي منه كل العبر حلوها ومرها .. الا هل من متعظ .