تدخل إلى ذلك العالم فتجد عوالم أخرى تنقلك على ضفافها وتبحر بك، لتخطفك خلسة دون أن تحسّ فتكون في مدارك تتسع حولك شيئاً فشيئاً لتسافر بك في كل وادي عميق بلا مبالاة بمن تكون وإلى أيِّ عصر تعود وإلى أين تنتمي. تفتح عينيك عندها فتعرف أنك وسط اصطفاف زحام من الكتب المختلفة المتنوعة لتبتسم لنفسك وتقول إنك في المكتبة.
هنا نحن اليوم نشهد تضاعف عدد الكتب المنتجة، ليزداد معها افتتاح دور جديدة للنشر والتوزيع حتى تواكب هذا التوالد المستمر في شتى أرجاء العالم، ومن هذا المنطلق خصصت الأمم المتحدة الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان في كل عام يوماً للكتاب وحقوق المؤلف، ليتم الحفاظ على الإنتاج الثقافي والفكري والسيطرة على كل اختراق قد يكون.
ولتسليط الضوء أكثر، حاورت «الوسط» عدة شخصيات لهار اربتاط بالكتاب.
تشريعات تحفظ حق الجميع
تحدثنا مع مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي منصور سرحان بشأن ذلك الموضوع مستدلاً بإحصائيات قام بهم، أولها أنه يبلغ معدل الإنتاج البحريني من 80 في المئة إلى 90 في المئة عنوان كتاب في السنة. ويضيف أيضاً أنه في إحصائية أخرى أجريت على مدى مئة عام قسمت إلى قسمين: من عام 1900 إلى 1999 وصل عدد ما كتبه المؤلفين البحرينيين 1502 كتاب، من عام 2000 إلى 2014 وصل عدد ما كتبه المؤلفون البحرينيون 1985 كتاباً، وبالمقارنة بينهما نجد الارتفاع الملحوظ في الإنتاج خلال أربعة عشر سنة مقارنة بمئة عام مضت بمقدار 483 كتاباً ما يدل على ارتفاع الإنتاج الفكري والثقافي، وعلى صعيد المرأة البحرينية، من عام 1973 إلى 2014 وصل عدد ما كتبته المرأة 650 كتاباً.
وعن حفظ حقوق الملكية الفكرية، أكمل حديثه عن التشريعات الصادرة في البحرين حول ذلك، قائلاً: «صدر المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 1975 بشأن إيداع قانون للمصنفات نص على إلزام مؤلفي وطابعي المصنفات التي تعدّ للنشر عن طريق عمل نسخ منها في البحرين، وكذلك المؤلفين البحرينيين الذين ينشرون مؤلفاتهم بالخارج، بإيداع خمس نسخ من المصنفات المذكورة بالمكتبة العامة أو أي مكتبة أخرى يعينها وزير التربية والتعليم بقرار منه، وذلك قبل توزيع المصنف مباشر. كما يطلب منه وضع رقم الإيداع في صفحاته الأولى الداخلية ليتم حفظ حقوقه حتى لا يتعرض المؤلف الفكري أو الثقافي للسرقة».
ويضيف أنه صدر مرسوم آخر بقانون رقم (10) لسنة 1993م بشأن حماية حقوق المؤلف والذي يعتبر شاملاً لحفظ حقوق المؤلف سواء كان مؤلف كتاب أو مسرحية أو قطع موسيقية، حيث إنه لا يمكن الاعتداء على حقوق المؤلف بأي شكل من الأشكال، وفي حال وفاة المؤلف تبقى حقوقه محفوظة لمدة 50 سنة، وكذلك ينطبق على المترجم، إذ لا يحق أن يؤخذ أي نص مهما بلغ عدد سطوره دون وضع اقتباس يدل على كاتبه الأصلي.
وتابع أنه بالنسبة للكتب المترجمة، ففي حال أن هناك داراً تريد ترجمة كتاب من لغة إلى أخرى فإنه لا يحق لها أن تقوم بهذه العملية إلا بالرجوع إلى الكتاب نفسه أو الدار التي تم إيداع الكتاب عندها، وفي حال عدم رجوعه إلى المؤلف والتصرف بدون إذنه فإن من حق المؤلف مقاضاته في المحكمة والحصول على كامل حقوقه.
وعن طباعة وتوزيع الكتب الأدبية والثقافية دون الرجوع للمؤلف، يذكر لنا أنه لابد من الرجوع للمؤلف نفسه حتى لا يقع الناشر في خطأ قانوني يحاسب عليه من قبل المؤلف الذي يمكنه أن يتقدم بشكوى ضد الناشر ويطالب بالتعويض المادي والمعنوي ومن حقه أن يحصل على التعويض، ومحلياً القانون مفعل بشكل مستمر لمن يريد أن يسجل شكواه ضد أي ناشر أو موزع قام بعملية نسخة مؤلفه دون الرجوع إليه.
ويذكر أنه بشأن التزام الدور العربية بالملكية الفكرية في ظل انتشار العولمة أنه يجب أخذ رسالة خطية من المؤلف من قبل دور النشر يتنازل فيها عن حق النشر الإلكتروني، وفما وجد المؤلف كتابه ينتشر إلكترونياً دون علمه فمن حقه أن يقاضي من وراء ذلك، ولكن في حال أن تنازل المؤلف عن جميع حقوقه الفكرية لدار معينة مقابل مبلغ مادي فإنه لا يحق له أن يتكلم أو يقاضي وذلك بسبب أنه تنازل عن حقوقه مقابل مبلغ مادي دفع إليه من قلب الناشر.
دور النشر
على رغم صغر المساحة ولكن تضج الدور المحلية اليوم بالكتب المتنوعة التي يكثر إنتاجها في مجال الأدب، تحدثنا إلى «دار مسعى» و «الوراقون» البحرينية حول هذا الشأن.
تحدثنا مع الشريك التنفيذي لدار الوراقون محمد بوحسن بشأن حفظ حقوق المؤلفين المادية والأدبية للروايات المترجمة، فقال: «بالنسبة للمؤلفات المترجمة فإنها عادةً لا تتم إلا باتفاقية مكتوبة بين دار النشر التي ستقوم بالترجمة وبين المؤلف أو دار النشر التي تملك حقوق نشر هذا الكتاب، ويتم ذكر جميع التفاصيل في اتفاقية الحقوق كالمبلغ المتفق عليه والنسبة من المبيعات السنوية والمبلغ المقدم وإن كان العمل سيترجم حرفياً أو سيتم إجراء بعض التغييرات، مدة الاتفاقية، البلدان التي سيسوق فيها العمل، سعر البيع وما الذي سيذكر من اسم المؤلف أو دار النشر الأصلية وغيرها من التفاصيل الدقيقة».
ويضيف «من وجهة نظرنا كدار نشر لابد من ذكر اسم المؤلف في جميع الأحوال، وفي نهاية المطاف يعتمد الموضوع على الاتفاقية بين المؤلف والمترجم. في حالة عدم وجود هذا الاتفاق طبعاً يعتبر العمل مسروقاً ومن حق المؤلف اللجوء للقضاء، وللعلم فإن خرق الحقوق أو التعدي عليها في الغالب ينتهي بمنع المخالف من مواصلة المخالفة وفرض تعويضات مالية لصاحب الحقوق، أما في السنوات الأخيرة فقد تم إضافة عقوبات جنائية على قوانين حقوق الملكية الفكرية».
يردف بوحسن بشأن ما يحدث من طباعة وتوزيع لعدد من المؤلفات الأدبية دون الرجوع للمؤلف والاستئذان منه، «هناك قانون عالمي لحقوق الملكية الفكرية، وتفرض على أي تعدٍّ عقوبات مادية أو جنائية إن استلزم الأمر. أما إذا كان المؤلف قد فارق الحياة هناك قانون ينص على أن الحقوق لا تسقط إلا بعد مرور 50 سنة من تاريخ وفاة المؤلف وعدد السنوات يتغير بحسب قانون كل بلد، وللعلم فقد تم تعديل القانون في بريطانيا في عام 1995 وتم تمديد فترة حقوق النشر إلى حياة المؤلف مضافاً لها 70 عاماً من تاريخ وفاة المؤلف. وأي خرق لحقوق النشر لأي مؤلف يعتبر خرقاً للقانون ومن حق دار النشر وورثة المؤلف رفع دعوى قضائية على المخترق».
ويضيف بوحسن أن «عالم صناعة الكتب كأي عالم تجاري آخر به الوجهان الطيب والخبيث، وفي النهاية كل دار نشر تعمل بحسب ضوابطها والتزاماتها وقناعتها باحترام القوانين، ولو أننا نرى أن عالم صناعة الكتب يجب أن يتصف بمثالية أكبر ويجب على صنّاع الثقافة أن تكون أهدافهم أرقى وأسمى من مجرد الربح غير القانوني. وبالنسبة لدور النشر العربية الموثوقة والتي لها تاريخ مشهود به، لا يمكن أن تخترق أي حقوق فكرية لإيمانها برسالتها السامية في نشر الثقافة وحب القراءة، وبرأيي المتواضع فإن مسئولية المحافظة على الحقوق الفكرية وحمايتها هي مسئولية مجتمع بأكمله وتبدأ داخل المنزل، وواجب على الجميع التبليغ عن أي تعدٍّ أو اختراق لحقوق أي مؤلف أو دار نشر».
كذلك تحدثنا مع محرر أدبي في دار مسعى، مهدي سلمان عن حفظ حقوق المؤلفين المادية والأدبية للروايات المترجمة، فقال: «حفظت قوانين حقوق الملكية الفكرية في شتى البلدان حقوق الكتاب والمفكرين في هذا الجانب، ويستطيع المؤلف الذي يثبت سرقة مؤلفاته، سواء ترجمتها ونشرها بدون إذن، أو نشرها دون ذكر اسمه عليها، يستطيع مقاضاة شركة النشر التي قامت بذلك، وأغلب البلدان الآن قد وقعت على قوانين الملكية الفكرية، وهي ملتزمة وملزمة بما تنص عليه هذه القوانين من حماية لحقوق المؤلفين والمبدعين والفنانين».
ويؤكد أنه هناك من ينتهك هذه القوانين، وخصوصاً في عالمنا العربي، لكني أعتقد أن الواجب هنا يقع على دور النشر الأصلية التي نشرت الأعمال بلغاتها الأم، أن تبحث عمن ينتهك القوانين بشأن إصداراتها، وأن تقاضي أي دار نشر لا تلتزم بهذا، كما أنه من واجب كل الدول ألا تسمح بمشاركة الأعمال والكتب غير المحتفظة بحقوق الترجمات والنشر لعديد من الأعمال.
ويضيف سلمان قائلاً: «تعتمد كثير من دور النشر في العالم العربي على إعادة طباعة الأعمال الرائجة دون مراعاة للحقوق الفكرية وحقوق النشر، وذلك بغرض تحقيق ربح على حساب قيم النشر المحترم فينسخون كتب أهم الكتَّاب والمفكرين، سواء كانوا أحياء أم أمواتاً، وهذا الأمر يضرّ كثيراً بعملية النشر في العالم العربية، وما نسعى إليه من تطوير، بما يتناسب ورغبتنا في أن تصبح عملية النشر، تجارة قائمة على احترام القوانين والحقوق، وبالتأكيد يقع أمر ملاحقة مثل هذه التصرفات على (اتحاد الناشرين العرب) الذي يجب أن يتصدّى لكل دار لا تراعي هذه الحقوق، كما يقع على جميع إدارات معارض الكتب التي يجب عليها منع هذه الكتب المزورة والمنسوخة. وعلى المتلقي أن ينأى بنفسه عن شراء هذه النسخ المزورة، إذ ينبغي إشاعة ثقافة احترام الحقوق، وهذا دور الإعلام أولاً، ثم دور كل فرد في هذا المجتمع».
وعن مدى التزام دور النشر العربية بحقوق الملكية الفكرية في ظل انتشار السرقات الأدبية في وجود العولمة المتقدمة، يقول سلمان إن «أغلب الدور العربية الكبيرة تلتزم بهذه الحقوق، لكن هناك بعض الناشرين الصغار، الذين يهمّهم الحصول على الربح السهل والآني، متناسين أنهم بهذا يسيئون لمهنة النشر ذاتها، كما أنهم يخرّبون الثقة التي هي أساس عملية النشر، وساهم في هذا التساهل قيام كثير من رواد الإنترنت بقرصنة كثير من الكتب الحديثة وعرضها مجاناً كنسخ إلكترونية، معتقدين أنهم بذلك يقدمون خدمة للقراء، غير أنهم عبر هذا العمل يشوهون أهم صفة في القراءة الفاعلة، وهي التحضّر، فلا قراءة من غير تحضّر، ولا تحضّر من غير احترام للقوانين وحقوق الآخرين».
ويتابع «أظن أن اتفاقاً يجب أن يتم بين مختلف الأطراف، وأن يحترم الجميع حقوق كل طرف، فيحترم الناشر حق الناس في القراءة فيقدم على طرق تجعل من سعر الكتاب في المتناول، ويحترم الناشرون الآخرون حقوق المؤلفين والناشرين، ولا يتعدّون عليها، كما يحترم رواد الإنترنت هذه الحقوق، والمعيار في كل هذا هو الفرد القارئ الذي يجب عليه أن يكون بوصلة هؤلاء جميعاً، فلا يحمل ملفات الكتب المقرصنة، ولا يشتري الكتاب الورقي المزور والمنسوخ، وكل هذا يصب في مصلحة تطوير عملية النشر في العالم العربي».
العدد 4611 - الأربعاء 22 أبريل 2015م الموافق 03 رجب 1436هـ