أهم ما تناقلته وكالات الأنباء من لبنان هذا الأسبوع خبران: ثقافي ورياضي... في بلدٍ مسيسٌ فيه حتى الهواء.
الخبر الأول عن الفنان اليهودي المغربي جاد المالح، الذي دعته اللجنة المنظمة لمهرجان بيت الدين، لإحياء حفلاتٍ في لبنان، وتصدّى لذلك إعلام المقاومة بسبب ظهوره مرتديا الزيّ العسكري للجيش الإسرائيلي ما يرجّح أداءه الخدمة العسكرية، ومشاركته في تجمعٍ للإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط.
رئيسة المهرجان نفت وجود أي سبب يحول دون التعاقد مع الفنان، ورجّحت أن تكون الصورة مركبة، وهو ما ردّ عليه المنتقدون بأن معلوماتهم دقيقة، وأن الحملة لم تكن بسبب ديانته بل بسبب موقفه السياسي الداعم لجيش الاحتلال الذي دمّر لبنان.
لبنان الذي عشقناه عنوانا للبطولة والعنفوان في زمن الهوان العربي الشامل، تابعنا أخباره في الشهرين الأخيرين عن تساقط شبكات الجواسيس اللبنانيين بالعشرات. ولم يكن غريبا أن يدافع منظمو مهرجانٍ ثقافي عن قرارهم و»دورهم الحضاري» التنويري في المنطقة. فالديمقراطية الطائفية التي يتفاخرون بها دائما على هذا البحر الزاخر من الدكتاتوريات العربية، تسمح لهم بادعاء الريادة الثقافية حتى في مجال التطبيع الثقافي والاستخفاف بالعقل العربي!
الفنان المالح سيئ الحظ مع مهرجانات لبنان، فقد كان مقرّرا أن يشارك في مهرجان جبيل العام 2006، لكن حرب تموز التي شنتها «إسرائيل» أدت إلى إلغائه، أما مشاركته في بيت الدين فألغتها حملة إعلام المقاومة، من خلال بث تقريرين عن «محاولة تسلّله إلى لبنان رغم معاداته للعرب» وكشف تورطه في نشاط بجمعية تحمل اسم «من أجل مصلحة الجنود الإسرائيليين»!
أما المفرقعة الأخرى من لبنان، فهو القرار الذي اتخذه الاتحاد اللبناني لكرة القدم حين قسّم أندية الدرجة الثانية إلى مجموعتين «سياسيتين»، تمثلان «المعارضة» و»الموالاة»! فالاتحاد أصدر قرارا بتقسيم الأندية البالغ عددها 14 فريقا إلى مجموعتين متساويتين، كل منها تضم أندية من نسيج سياسي واحد، مجاراة للانقسام السياسي في البلد! وطبعا لم يُعدم الاتحاد تقديم مبررات لقراره التشطيري، من التخفيف من أعباء الأندية وأجور عالية للملاعب والحكام والتنقلات.
التقارير الصحافية تكشف أن المجموعة الأولى تضم أندية المعارضة، فالسلام (زغرتا) يرعاه النائب سليمان فرنجية، و»المحبة» الطرابلسي مناهض للموالاة، وهناك أنديةٌ لحزب الطاشناق الأرمني أو أمل أو حزب الله. بالمقابل، تضم المجموعة الثانية أندية الموالاة، طرابلس (نجيب ميقاتي) والمودة والاجتماعي الطرابلسيان مقربان من تيار المستقبل، و»الإخاء» (جنبلاط)، و»هومنمن» التابع لحزب الهنشاك الأرمني أحد أجنحة 14 آذار!
القائمون على الاتحاد يقولون إنهم بهذا التقسيم يريدون إبعاد الرياضة عن المشاحنات والحزازات السياسية، بينما يرد عليهم الآخرون بأن هذا القرار ليس تربويا ولا أخلاقيا، بل إنه باطلٌ من الأساس؛ لأنه يتجه لإبعاد الناس عن بعضها فيما يتجه البلد نحو التسويات.
لبنان الذي نعشقه، من الصعب أن نفهمه! بلدٌ يمنح تأشيرة لفنانٍ يدعم الجيش الذي استباحه عشرين عاما، وشنّ عليه أربعة حروب وغزوات... بينما يقيم الحواجز الطائفية والـ «كانتونات» بين الأندية والرياضيين!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2492 - الخميس 02 يوليو 2009م الموافق 09 رجب 1430هـ