(رسالة بمناسبة اليوم الدولي لأمنا الأرض، 22 أبريل/ نيسان) لكلمة «أمّ» قوة وسلطان عظيمان. إنها حبلى بذكريات نساء وهبننا نعمة الحياة، وشملننا بالعناية والرعاية ونحن رضّع، وأسهمن في تشكيل شخصيتنا الحالية. والأرض، هذا الكوكب العجيب، هي أمّنا في نهاية المطاف، لأنها ما فتئت موئلاً يحتضن الحياة بأشكالٍ لا تعد ولا تحصى منذ غابر الأزمنة.
وصحيح أننا معشر البشر سرعان ما نشبُّ عن الطوق ونستغني عن الحاجة المستمرة إلى رعاية الأم، لكن لا فكاك أبداً من اعتمادنا على أمّنا الأرض مهما كبرنا. فما دمنا على قيد الحياة، نحن بحاجةٍ إلى الهواء والماء والتربة الخصبة وكل الهبات الأخرى الجمّة التي يسبغها علينا هذا الكوكب.
غير أن ما يزيد المرء حيرةً، أنه على رغم اعتمادنا على الأرض، فقد سمحنا للتنمية البشرية السريعة بل الطائشة في كثير من الأحيان، بتقويض العديد من النظم الهشّة التي كانت تعمل في تناغم وانسجام طيلة آلاف السنين. وما فتئ وعينا يتعاظم بمدى الضرر الذي جلبه بنو البشر، من قبيل التلوث وتناقص الموارد وانقراض بعض الأنواع النباتية والحيوانية إلى الأبد، والتدافع المحموم الذي سيودي بنا إلى منعطفات مفصلية قد تغيّر النظام الذي يسير وفقه كوكبنا. ورغم كل هذه المدارك والمعارف، مازال أسلوب حياتنا لم يتغير بعد.
بيد أنه بمقدورنا إجراء التغيير المنشود، لأن العام 2015 يتيح لنا فرصة سانحة لتحقيق هذا المسعى. ففي هذا العام، يعتزم العالم وضع خطة التنمية المستدامة لما بعد 2015 في صيغتها النهائية، والتوصل إلى إبرام اتفاق عالمي جديد ومثمر حول تغيّر المناخ. ومن شأن هاتين العمليتين إعادة رسم معالم المستقبل بصورة أفضل عن طريق القضاء على الفقر المدقع بجميع أشكاله، وإعادة نسج الأواصر التي تربطنا بهذا الكوكب وبكل كائن حي يستمد منه قوته.
لكن القرارات الكبرى التي تنتظرنا لا تقع ضمن مسئولية قادة العالم وصانعي السياسات فحسب. لذلك، أطلب إلى كل واحد منكم اليوم، بمناسبة اليوم الدولي لأمّنا الأرض (22 أبريل/ نيسان 2015)، أن نراعي ما يترتب على خياراتنا من عواقب تطال هذه الكوكب، وأن ندرك ما لهذه العواقب من تداعيات على الأجيال القادمة. وإذا لم يكن بمقدور كل فرد اتخاذ خيارات مستدامة، فإن قيام الأفراد القادرين على ذلك باتخاذ قرارات سهلة، من قبيل استخدام مصابيح فعالة من حيث استهلاك الطاقة أو الاكتفاء بشراء ما ستستهلكونه فعلاً، يمكن أن يغيّر عالمنا جذرياً عندما يحذو البلايين من الناس حذوهم. فالقدرة على التغيير إنما تبدأ بتغيير ما بأنفسنا.
لقد باتت الفرصة سانحةً لنا، باعتبارنا مجتمعاً عالمياً، لكي نجعل من العام 2015 نقطة تحوّل في تاريخ البشرية. فمن الممكن أن نجعل أطفالنا وأحفادنا يتذكرون هذه السنة باعتبارها السنة التي اخترنا أن نرسم فيها معالم مستقبل مستدام منيع، لما فيه صالح أمّنا الأرض، ومنفعة كل من تخلّف عن ركب التنمية حتى اليوم. فهلمّوا جميعاً نغتنم هذه الفرصة التاريخية.
إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"العدد 4610 - الثلثاء 21 أبريل 2015م الموافق 02 رجب 1436هـ