«المحادثات إيجابية وتجري في مناخ جيد رغم أنه لا تزال هناك خلافات... ومن المبكر جدا الحديث عما إذا كانت (إسرائيل) ستجمد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وهو ما يطالب به الرئيس الأميركي باراك أوباما».
هذه مقتطفات مما جاء في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك في أعقاب محادثاته مع المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل.
باراك يؤكد أيضا أن «إسرائيل» أوشكت على التوصل لتفاهم مع واشنطن بخصوص المستوطنات اليهودية.
وجهت مصر على لسان مصدر رفيع المستوى إلى المتحاورين (من فتح وحماس) تحذيرات شديدة اللهجة تقول لهم فيها «لو فشل الحوار سنعلن عن الجهة المعطلة وسنصدر قرارا عربيّا بإدانتها».
«أعربت الأوساط الفلسطينية عن الاستياء من استمرار تعثر جهود تحقيق المصالحة الفلسطينية والتأجيل الجديد في الحوار الوطني بين حركتي فتح وحماس إلى 25 الشهر الجاري».
«أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن أسفه لعدم تمكن حركتي فتح وحماس من التوصل إلى اتفاق خلال جولة الحوار التي جرت بينهما في القاهرة خلال اليومين الماضيين... (وبأنه) أصدر سلسلة من القرارات لإزالة أية عقبة أو ذريعة قد يجري التذرع بها لتعطيل أو تأجيل التوصل إلى الاتفاق لاعتبارات وارتباطات ومواقف خارجية كالتذرع بقضايا أمنية تارة وقضايا سياسية أو تنظيمية تارة أخرى».
ذكر ممثلون عن حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين أنه «لا يوجد أمل كبير في التوصل إلى اتفاق عشية الجولة السادسة من المحادثات بين الجانبين التي تجري برعاية مصرية».
قالت حركة حماس أمس: إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية اعتقلت الثلثاء 10 من أنصار الحركة في الضفة الغربية.
نجحت حركة حماس «في تجميد الحوار الفلسطيني الذي ترعاه القاهرة، ورهن تحركه إلى الأمام بملف الاعتقالات، فيما عدَّ فرضا لوجهة نظرها على كل من حركة فتح والقاهرة».
اتهمت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) “إسرائيل” «بارتكاب جرائم حرب خلال هجماتها على قطاع غزة كما اتهمتها بتنفيذ هجمات عشوائية مدمرة في القطاع».
تلك كانت جردة سريعة مما تناقلته القنوات الإعلامية المختلفة، من صحف وفضائيات ومواقع على الإنترنت عن واقع الصراع العربي - الإسرائيلي. من يمعن النظر، ويحاول أن يقرأ بين السطور كي يحدد بدقة مواقع كل طرف من طرفي الصراع سوف يكتشف التالي:
1. عمل مكثف دؤوب من قبل المؤسسات الصهيونية تحاول جاهدة من أجل استعادة زمام المبادرة في ذلك الصراع من خلال عدم التخلي عن مشروعاتها الاستراتيجية مثل الاستمرار في حركة الاستيطان، الذي يشكل عصب المشروع الصهيوني ومحوره الأساسي. يتكامل ذلك مع سعي ملموس لتخفيف كل أشكال الخلافات بين «إسرائيل» وأي من حلفائها الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي بدأت المؤسسة الصهيونية تستشعر التحول في مواقف هذه الأخيرة من الصراع لغير صالح تل أبيب. يكشف ذلك رؤية صهيونية ثاقبة قادرة على تحديد أولوياتها في ذلك الصراع على نحو صحيح.
2. تشرذم فلسطيني داخل جبهة مفككة، تحكمها الصراعات الثانوية وتسيرها الخلافات الجانبية، التي يأخذها هذا الفصيل أو ذاك منها وسيلة لتحقيق مآرب حزبية أو حركية ضيقة، تنسف سلم الأولويات، فتضع القضايا الهامشية في المقدمة، بعد أن تزيح الاستراتيجية منها من مواقعها الصحيحة. يعكس ذلك عجز فلسطيني واضح، يقف وراءه عجز عربي ليست أوضاعه الداخلية بأفضل من تلك الفلسطينية. هذا ما يجعل ملفات «الأسرى»، على أهميتها، تقفز أمام القضايا المصيرية الأخرى من مستوى «مواجهة الاستيطان»، أو الاستفادة من «الشرخ الضيق المحدود» في جسم العلاقات الصهيونية - الأميركية.
هذه الحالة الإسرائيلية التي تحاول أن تستعيد توازنها الذي افتقدت نسبة عالية منه جراء تراجع الدعم الدولي الذي كانت تنعم به، بسبب حروبها التي لا تكف عن شنها على قطاع غزة، والتي تخترق بسبب الجرائم التي ترتكبها خلاله كل القوانين الدولية المتعارف عليها، والتي تجرد أي حليف لها من القدرة على التعاطف معها أو الدفاع عنها، من جهة، وما تمخضت عنه الانتخابات الأميركية ونجاح رئيس مثل باراك أوباما من جهة ثانية. يضاف إلى ذلك مخاوف “إسرائيل” التي لم تتوقف منذ إعلان نتائج الانتخابات الإيرانية، ونجاح أحد أعداء “إسرائيل” اللدودين، والذي هو أحمدي نجاد، وما رافق ذلك من انسحاب للقوات الأميركية من العراق... هذه الحالة الإسرائيلية، تقابلها، حالة فلسطينية غير قادرة على الاستفادة من تردي الأوضاع الإسرائيلية من جهة، ولا تستطيع أن تسمو فوق خلافاتها الثانوية الصغيرة، كي تلتفت إلى القضايا الكبرى من جهة ثانية.
محصلة هذه الحالة الثنائية الوجه التي نشاهد فيها العدو الإسرائيلي يلملم صفوفه، ويجمد خلافاته الثانوية، كي يمسك بزمام المبادرة، وينطلق من جديد في تنفيذ مشروعات الاستراتيجية، ونرى فيها المنظمات الفلسطينية تغوص في أوحال خلافاتها الثانوية، وتصر بوعي أو من دون وعي في الضياع في أزقة صراعات غير مبررة، يقود إلى ضياع الكثير من المكاسب الفلسطينية التي حققتها الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها في الستينيات من القرن الماضي. من الطبيعي والمنطقي أن الثورة الفلسطينية، نفسها وبكل فصائلها، مرة أخرى أمام خيارات صعبة قد ترغمها على تقديم المزيد من التنازلات، غير المبررة، من أجل تحقيق أهداف يفترض أنها قد أنجزتها.
والسؤال الذي يرفعه المواطن الفلسطيني، ومن ورائه المواطن العربي ممن يشاهد هذه الصورة المؤلمة، أمام فصائل الثورة الفلسطينية هو: على ماذا تختلفون، وإلى متى أنتم مصرون على دفع ضرائب غير مطلوب من الشعب الفلسطينية تسديدها؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2492 - الخميس 02 يوليو 2009م الموافق 09 رجب 1430هـ