يكاد المشهد العام على امتداد العالم العربي وبعض العالم الإسلامي، يشبه عصر اجتياح المغول والتتار للعالم العربي الإسلامي في أواخر الدولة العباسية، حيث يذكر أن مياه نهر دجلة تحوّلت إلى السواد بفعل حبر عشرات الألوف من الكتب والمراجع التي رميت في النهر من مكتبات بغداد العامرة، في حين اصطبغت رمال بغداد بالأحمر القاني، المراق من الآلاف من سكان بغداد وجنودها.
لكنه وإذا كانت تلك صفحة كالحة من التاريخ العربي الإسلامي، فإن المشهد الحالي على الساحة العربية الإسلامية يفوقها كثيراً في ظلاميته ووحشيته.
يقال «إن الحرب تبدأ في العقول»، وبالفعل فما نشهده اليوم من تطرف مخيف والذي يتجلّى في المجازر التي ترتكبها الجماعات التكفيرية في معظم بلاد العرب وبعض بلدان المسلمين، ضد المختلفين معها دينيّاً أو مذهبيّاً أو سياسيّاً، أو حتى اجتهاداً في المذهب الواحد، ومن يخالفونها في الرأي والتفرد بالسلطة، هو وجه من وجوه هذا التطرف، والانحطاط، والذي يستند إلى بيئة من الكراهية والحقد والتطرف انغرس عميقاً في نفوس الملايين من العرب والمسلمين. وكل ذلك يسند كذباً إلى الدين الإسلامي، حيث غذَّته أنظمة عربية وإسلامية عملت طوال عقود، للاستناد إلى ما هو سلبي في التراث الإسلامي، لتتعهّده بالرعاية والترويج، وتحوّله إلى مناهج دراسية من المرحلة الابتدائية حتى الجامعية وما بعدها، وتقيم من أجله منظمات عالمية، تتبعها شبكة واسعة من المساجد والمعاهد والجامعات، لتتلقف الأجيال الشابة، وتشحنها بالأفكار السوداء.
وإذا كان العدو الذي يجرى الشحن ضده في مرحلة الستينيات هو القومية الناصرية والشيوعية واليسارية، فإنه ومنذ انطلاق ما يعرف بالجهاد ضد السوفيات في أفغانستان، تحوّل إلى حربٍ ضد كل ما هو تقدمي ومتنور، تحت شعار العودة إلى السلف الصالح. ثم تطوّر الوضع إلى نهايته الطبيعية بتكفير كل من يختلف مع الحركات التكفيرية.
ولقد تعهدت أنظمة عربية بتحالف مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة، وفي سياق الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، هؤلاء الشباب بالتدريب العسكري والتسليح، وأطلقتهم ضد السوفيات في أفغانستان، ثم داخل الاتحاد السوفياتي ذاته في الشيشان وغيرها، لكن السحر انقلب على الساحر، وهكذا انقلبت «القاعدة» ضد رعاتها من العرب والمسلمين، لتدشّن عمليات عسكرية في قلب الجزيرة العربية، ولتنطلق منها لاحقاً إلى بلاد الشام والعراق، ثم إلى باقي البلدان العربية، ولتفرخ إلى جانبها عشرات الحركات التكفيرية.
وهنا وجدت الأنظمة والمؤسسات والهيئات الراعية لهذه الحركات نفسها في مأزق، لكنها عمدت إلى حل تلفيقي يقوم على مناهضة هذه الحركات كتنظيمات خارجة على الأنظمة، لكن مع الإبقاء على البنية التكفيرية في المناهج والإعلام والمؤسسات، ولا ضير في إطلاقها على خصومها من الأنظمة في العراق وسورية وليبيا مثلاً.
أما التطور المنطقي، فهو الذي ذهبت إليه «داعش»، وهو إعلان الخلافة لأبي بكر البغدادي، في الدولة الإسلامية البديلة لكل الدول، سواءً تلك التي ترفع راية الإسلام أو الوطنية أو العلمانية، نازعةً عنهم الشرعية، كما أن النهاية المنطقية لسلطة القوى التكفيرية هو العودة بالحضارة إلى بدائيتها في نحر الخصوم والمختلفين، وسبي النساء، وبيع الأطفال، وتدمير التراث الحضاري الإنساني، بما في ذلك المساجد والكنائس والآثار والمعابد باعتبارها بدعاً.
وإذا كانت معظم هذه الحركات التكفيرية والتيار الرئيسي للتطرف قد انطلق من أنظمة ومجتمعات تطلق على نفسها سنية، فإن فئات من المذاهب الأخرى كالتشيع والزيدية، قد اندفعت أيضاً إلى التطرّف كرد فعل، ومارست بعض ما يمارسه التيار التكفيري الأساسي، كما يحدث في اليمن والعراق حاليّاً.
من هنا فإن التطرف السنّي يغذي التطرف الشيعي أو الزيدي والعكس صحيح. لذلك فإنه لا تكفي إدانة الحركات التكفيرية وفكرها وممارساتها بغض النظر عن دينها ومذهبها، بل يجب تعرية البنية المؤسساتية والدينية والتعليمية والثقافية والفكرية التي أنتجت هذه الحركات برعاية رسمية وغير رسمية.
إن المخرج من هذا الانحطاط الذي نعيشه اليوم، قد سبقتنا إليه أوروبا منذ انطلاقة عصر الأنوار، وشيوع أفكار التنوير المدنية والعلمانية، وانحسار الأفكار الدينية الظلامية المسيحية، ثم تبعه نزع سلطة الكنيسة ورجال الدين، وتأكيد سلطة المجتمع وما يفرزه من سلطات، لتكرس نظام المواطنة المتساوية، والتسامح والتعايش، ونبذ التطرف، بحيث يصبح ذلك عقيدةً للمجتمع وسياسةً عليا للدولة، بغض النظر عن النظام السياسي ملكيّاً أو جمهوريّاً، رئاسيّاً أو برلمانيّاً، مركزيّاً أو فيدراليّاً، قوميّاً أو متعدد القوميات.
لا يفيد التلفيق أو المواربة، فقد وصل وضعنا إلى انفصام في كل شيء، في الهوية، في العقيدة، في المواطنة، في الانتماء... وصدق علينا قول الشاعر مظفر النواب «أصبح الواحد منّا يحمل في الداخل ضده».
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4607 - السبت 18 أبريل 2015م الموافق 28 جمادى الآخرة 1436هـ
زائر 8 - 3
الشيخ محمود شلتوت أخرج فتواه الشهيرة، فيجب مسائلة الأزهر مرة أخرى لإخراج فتوى معاصرة ؛ تتبعها فتاوى مشابهة من الرياض و المغرب و تونس و الجزائر و النجف و قم و لبنان و باكستان و الهند و دمشق. و ستكون مهمة المثقفين هي مسائلة المتلكئ الممانع الذي لا يصدار فتوى تبرأ كل مسلم ينطق بالشهادتين.
زائر 8 - 2
قبل اتهام التطرف و التشدد ؛ يجب توجيه اللوم إلى المعتدل المكفر. بل يجب توجيه السؤال علانية مكتوباً لينشر علانية مكتوباً ، لقطع كل لسان يبتغي الفتنة أو التصيد. بل ينبغي الاعتدال حتى مع المكفر المتشدد ، الذي لا سند له في تكفيره ؛ فلا نعامله بالمثل!
زائر 8 - 1
لا أحمل حقداً على أحد من العلماء المعتدلين. و لكني أشير إلى حقيقة موجودة يتغافل عنها الكتاب و الصحفيون و المثقفون! إذ المتهم فقط هم السلطات المستبدة. يجب ألا نفرق بين التكفير الفوضوي الذي تمثله داعش و القاعدة و متشددي السلفية (و التنظيم الخراساني آتٍ في الطريق) ، و من تكفير العلماء الذين يكفرون في صمت! فهذا من التقية المرفوضة التي لا مبرر لها.
الأستاذ عبدالنبي و أمثاله - المحترقة قلوبهم على أوطانهم و شعوبهم - يكتبون و ينبهون شعوبهم، لكن جهدهم يذهب سدىً بكلمة واحدة من عالم مكفر.
زائر 2
شكلك تحمل احقاد واجد على العلماء المعتدلين مثل السستانى والسيد على خمنائى الله يهديك فى كل موضوع انت تعلق سارد عليك وقتلك انه اسباب الطائفيه هى العب باموال الناس فى الدول العربيه يعنى الحكومات باعت اوطانها من اجل مصالحها وهى السبب فى بث الفتن الطائفيه واصفح جرايد الحكومة وراح اشوف الدليل محاربت الشيعة اللهم فرج عن شعب البحرين وقاتل الجهل
التكفير المتبادل هو سبب بيئة الكراهية والحقد والتطرف 6
إن التطرف السنّي يغذي التطرف الشيعي أو الزيدي والعكس صحيح. لذلك فإنه لا تكفي إدانة الحركات التكفيرية وفكرها وممارساتها بغض النظر عن دينها ومذهبها، بل يجب تعرية البنية المؤسساتية والدينية والتعليمية والثقافية والفكرية التي أنتجت هذه الحركات برعاية رسمية وغير رسمية.
التكفير المتبادل هو سبب بيئة الكراهية والحقد والتطرف 5
قبل تعرية أي بنية يجب تعرية المؤسسات الدينية المكفرة للآخر، قبل الطلب من المؤسسات الرسمية أي طلب، فذلك لن يجدي نفعاً ما لم تصدق و تستجب المؤسسات الدينية لهذا المطلب السامي. عندها ستصبح معالجة التطرف السنّي و الشيعي والزيدي تحصيل حاصل، فالمغذي الأساسي لكل "التطرفات" هو المؤسسات الدينية!
التكفير المتبادل هو سبب بيئة الكراهية والحقد والتطرف 4
أمريكا لم تنشأ القاعدة و لكنها استغلتها و وجهتها و استفادت منها أقصى استفادة، لأنها جماعة من الدروايش أو همتهم بأنهم قوة عظمى! لذا لم ينقلب سحر القاعدة على الولايات المتحدة، بل هي التي انقلبت عليه و وجهته إلى أن يهاجم أمريكا في الداخل. لنقرأ ما كتبته سوزان لينداور ضابطة الإتصال في المخابرات المركزية عن 11 سبتمبر و كيف رتب للحدث بالتفاصيل، و كيف تركت المدمرة كول لتضرب دون حراسة في اليمن قبل ذلك!
التكفير المتبادل هو سبب بيئة الكراهية والحقد والتطرف 3
مادام أن البعض يؤمن بكفر من لم يؤمن بالإمامة أو ولاية الفقيه؛ فسيوجد من يكفر من آمن بهما أو أحدهما ؛ بغض النظر عن المصيب من المخطئ!
ما عرف بالجهاد ضد السوفيات في أفغانستان كان الجهاد المشروع الوحيد في حينه، لأنه كان نضال شعب ضد تسلط أجنبي و حكومة مستبدة! و ما تفرع عنه من مصالح و تكفير فرقة و اقتتال و طلب للزعامة ؛ لا يلغي عنه صفة النضال الثوري ضد الاحتلال الأجنبي.
التكفير المتبادل هو سبب بيئة الكراهية والحقد والتطرف 2
التطرف يعيش بيننا جميعاً ؛ و يزداد و يخفو حسب الوقائع و الأحداث. و أكبر باعث له هم حراس العقيدة من الفقهاء و العلماء و المراجع ؛ فهنا تبدأ الحرب أولاً قبل أن "تبدأ في العقول". بدون تورية و بدون إضاعة وقت: "علماء من جميع الأطراف" يعلنون كفر "علماء من جميع الأطراف". فعلى العاقل و المتسامح أن يعلن معارضته لجميع أنواع التكفير، بدون استثناء لون واحد من التكفير!
التكفير المتبادل هو سبب بيئة الكراهية والحقد والتطرف 1
صدقت يا أستاذ عبدالنبي ؛ فلن يفيد التلفيق أو المواربة فقد وصل وضعنا إلى انفصام في كل شيء، في الهوية، في العقيدة، في المواطنة، في الانتماء!
تدمير الذات والأوطان من الداخل هو افضل وسيلة للهيمنة
سيكون المساطيل من الطرفين وقودا لتحقيق هذا المخطط.....لكنهم سيفشلوا لأنه لا يصح إلا الصحيح.