العدد 4606 - الجمعة 17 أبريل 2015م الموافق 27 جمادى الآخرة 1436هـ

«خطبة الأحد»: أميمة الخليل ومروان مخول ضد زيف «إسرائيل»

أطلقاها في عيد الفصح

أميمة الخليل تعود إلى فلسطين التي لم تفارقها طوال مسيرتها الإبداعية. المغنية اللبنانية الملتزمة، كعادتها تغني ضد التيار، وتنحاز للصوت الإنساني المغيّب، في مُغنّاة كتبها مروان مخول وألقى مقاطع منها الشاعر الفلسطيني في العمل الذي لحّنه وألّف موسيقاه الفنان الفلسطيني مراد خوري، وأذيع يوم عيد الفصح. إنها إذاً مغنّاة «خُطبة الأحد»! وهي بمثابة «تراجيديا» شعرية في أكثر من صوت، تروي بسخرية شعرية لاذعة مأساة مسيحيي فلسطين المحتلة مع «إسرائيل». وتحديداً مخطط تجنيد أبناء الأقليات الدينية الفلسطينية (ومنها المسيحية) في جيش الاحتلال، ولإنجاح هذا المخطط كلّفت عملاء لها من رجال دين من فلسطينيي الـ 48، وكرّست لهم ميزانيات مخصصة لتسويق فكرة تجنيد أبناء الأقليات، علماً بأن تلك الأقليات هي من أعمدة العمارة الوطنية الفلسطينية وجزء فاعل وفعّال في بناء الهويّة العربية في الداخل؛ بهدف شطر وتفريق الأقلية العربية في الداخل ومن ثمَّ تحويل الصراع الدائر في عيون العالم من صراع قومي (إسرائيلي فلسطيني) إلى صراع ديني (يهودي إسلامي). من هنا تُفتتح المغنّاة بإلقاء يتقمص فيه الشاعر مروان مخول، بمحاكاة تراجيدية، شخصية (صوت) رجل الدين المسيحي المروج للمشروع الصهيوني، قائلاً في افتتاحية «خطبة الأحد»: «اِنهضْ، منَ الموتِ المؤقّتِ يا يسوعُ،

وسامحِ المحتلَّ،

هذا وعدُ ربِّكَ لن تُخالِفَهُ فهيّا

صلِّ مِنْ أجلِ الحكوماتِ الّتي تغتالُ ما

جاءت بهِ التّوراةُ من معنى

تَجنّدْ!».

ورغم فلسطينيّة العمل إلاّ أنه يتناول أيضاً مشكلة تهجير أقليات المشرق والوطن العربي الممزق بالحروب ومن بينهم المسيحيون، وخاصة في سوريا والعراق وبالتأكيد، فلسطين، حيث تعرض الكثير من الأقليات إلى ويلات الجماعات الإرهابية، التي استغلتها إسرائيل لتخيف الأقليات من أجل تجنيدهم ضد المسلمين تكريساً لدينية الصراع لا سياسيته. وهنا، يصرخ صوت الشاعر الفلسطيني، في الخطبة الشعرية: طوبى لمن حَمَلَ السّلاحَ بوجهِ أمّتِهِ

وخانَ كتابَهُ السِّلميَّ كي تحميْهِ دولتُه من الإسلامِ يُرعبُهُ

وتُرهبُهُ جماعاتٌ، متى فتّشتَ داخلَها وداعشَها تجدْ أعداءَها

صنّاعَها باسمِ النّبيِّ محمّدْ».

نلاحظ في المغنّاة، كيف برع الموسيقي الفلسطيني في إحاطة صوت الشاعر بموسيقى تصويرية زادت من توتر الحدث الشعري الممسرح، فموسيقية الملحن الفلسطيني لم تفوت براعة مخول في الإلقاء الخطابي المُنزاح أدبياً عن خطبة الأحد الكنسية؛ كذلك جاءت تعبيرية الإخراجي للفلسطينيين سريّ بشارات وعنان قسيم، حيث ظهرت «خطبة الأحد» في عمل فني مرئي (فيديو آرت) يدعم الجوهر الشعري صورياً من خلال مشاهد تؤكّد على أن الأقليات الدينية والعرقية الفلسطينية هي فعلاً جزء من تكوين حضارة المكان وتاريخه، في الشريط الذي ساهم في إنتاجه شباب آخرون من فلسطين ومن مدن عربية أخرى.

ولكن ماذا عن أميمة الخليل في مغنّاة خطبة الأحد، سنجد صوت أميمة الهديري، يتنقل بين مقامات وإيقاعاتٍ وأجواء تعمد خوري في بعض جملها الموسيقية أن تحاكي، الصوت الترانيمي الكنيسي ضمن التراجيدية المشهدية وهي تجسد صوت الضمير الفلسطيني في النص الذي انشطر إلى صوتين، نصغي أميمة: «لحظة، أهذا ما تُريد لنا معيشتُنا لكي نجترَّ لُقمتَنا، فنخدمَ دولةً لا

تخدِمُ الأصليَّ قبلَ هجينِها الزّائدْ؟!». ليقاطعها مروان، كاشفاً أن كل ما ألقاه على لسان الواعظ الكنسي، ما هو إلا مزح: «عذرًا حكومةَ الإجرامِ

مزحٌ كلُّ ما أسلفتُ فيهِ» لتعود أميمة:

«أنا هنا؛ في جَعبتي دَمِيَ الّذي من فيضِهِ

تتوضّأُ الأحرارُ أو تَتَعمّدْ».

«فَلْتَلعبي في غيرِ مَلعَبِنا، خسرنا كلَّ شيءٍ؛

أرضَنا..

وحدودَها في البالِ؛ أغنيتينِ

عن عكّا، ودبكتَنا الّتي

إنْ كَلَّ ماضيها فحاضرُها بنا يتجدّدْ».

في «خطبة الأحد»، إذاً أكثر من مستوى، قابل للتنقيب والبحث، فمن تجربة الشراكة بين الشعر والغناء إلى السياسي الرافض والفاضح لزيف الاحتلال الإسرائيلي، إلى الموسيقي المُركب والتنوع بين مقامات واختيارات نغمية أبدع فيها الملحن الفلسطيني وهو يجاور الأنغام صوت أميمة الخليل الباذخ في رقته والمستفيض في احتضانه القضية الأم... فلسطين.

يذكر أن أميمة الخليل، التي بدأت الغناء منذ عام 1979 هجري، أصدرت آخر ألبوماتها وهو «مطر»: قراءة سمفونية لقصيدة بدر شاكر السياب «أنشودة المطر» كتب موسيقاها المؤلف الموسيقي عبد الله المصري، سجلت في موسكو مع الأوركسترا السيمفونية « كابيلا روسيا» بقيادة فاليري بوليانسكي، وعزف البيانو رامي خليفة. وكانت أميمة قد ارتبطت فنياً بالموسيقي اللبناني مارسيل خليفة، وقدمت معه حفلات حول العالم، مصدرة مع خليفة ألبومها الغنائي الأول «خلّيني غنّيلك» ويتضمن نصوصاً لشعراء عرب معروفين شأن محمود درويش و بدر شاكر السيّاب ومحمد العبدالله وغيرهم.

العدد 4606 - الجمعة 17 أبريل 2015م الموافق 27 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً