العدد 4606 - الجمعة 17 أبريل 2015م الموافق 27 جمادى الآخرة 1436هـ

المرأة والسحر الأسود

كانت النساء منذ القدم يمارسن طقوس وعادات لربما لا تمارسنها نساء اليوم، ومن تلك الممارسات التعويذات عن السحر والعين (من كتاب نافدة على التاريخ (بيت العريض) لعبد الكريم العريض). هناك أمثله كثيرة على ذلك منها كتابة الأحراز بطلاسم معينة لفك السحر، وكتابة المحو بماء الزعفران ليشربه المنظور أو المسحور، ووضع الحديد الساخن في الماء لفزعة الجن وخروجه من المصاب (تستخدم حدوة الفرس العتيقة في هذه المناسبة)، وعمل «العدرة» وهي نوع من الطبيخ كالحلوة والتمر يوضع على صخرة اعتاد الناس على وضع نذورهم عليها كحجرة «أم حمار» في الماحوز أو مقام الخضر (اليسع). تلك الطقوس لم تأتي من فراغ لأن علم التطبيب والتداوي باستخدام الطلاسم والأحراز هو علم يرجع إلى تاريخ الطب القديم عند قدماء المصرين والهنود واليونانيين. ربما يراها الطب الحديث بأن تلك الممارسات أمور لا تجدي نفعاً وأن الدواء الكيمائي هو الحل الفاصل في صحة الإنسان، ولكن عندما نتبحر أكثر في ذلك العلم سنجد أن العلاجات الروحانية التي تتسم بالطاقة الإيجابية ربما تكون أكثر نفعاً من علاج أكبر الجراحين.

لو تعمقنا بدقة أكثر في طبيعة الأشياء سنستوعب بأنه في الحقيقة لا يوجد شيء يسمى «لا طبيعي» أو خارق فكل شيء يحدث طبيعي، ولكن الطبيعة بحد ذاتها أمر عميق ومعقد، كونها تحتوي على احتمالات أكثر مما هو مقبول لدى معظم الناس. لقد صاغ الروائي والمخترع البريطاني آرثر سي كلارك ثلاث قوانين وهي: حينما يقول عالم بارز أن شيئاً ما ممكن فهو محق، وإذا قال أن شيئاً ما مستحيل، فهو مخطئ. والقانون الثاني هو أن الطريق الوحيد لاكتشاف حدود الممكن هو أن تغامر ماراً من هذه الحدود إلى المستحيل. أما الثالث فهو أن أي تقنية متقدمة بصورة كافية لا يمكن تمييزها عن السحر.

يشير القانون الأخير إلى التقنية الفيزيائية للقوى الروحانية والذهنية وهو يرى أنه لا يوجد تناقض بين العلوم الحقيقية وما يدعى بالسحر.

هناك أمور تحدث للإنسان لا يجد لها تفسيراً منطقياً بحسب ظنه. قد يقول البعض بأنه سحر، ويقول آخرون بأنها خرافات ولا وجود لتلك المسميات في عالمنا المعاصر. لقد سنحت لي الفرصة لمقابلة امرأة قد تثير حكايتها الجدل لدى البعض وربما تكون موضوعاً للنقاش والبحث في علم السحر والطاقات السلبية.

أم جاسم امرأة في الستينات من عمرها تمتهن مهنة التدليك أو «مرّاخة» كما هو معروف في البحرين. تقصدها النساء للتدليك عندما تكون لديهن مشاكل في الحمل أو تعسر الولادة، لرفع الرحم، أو عند عدم انتظام الطمث لديهن. ورثت أم جاسم مهنتها من والدها وجدها اللذين كانا يقومان بعمليات تثبيت عظم اليد والكف (التجبير) بمثابة طبيب تقويم العظام في وقتنا الحاضر.

تزوجت أم جاسم في السادسة عشر من عمرها. كانت حينها شابة لا تعلم أي شيء من إشكاليات الحياة، ترعرعت مع والدين بسيطين طيبي القلب. في بداية زواجها أنجبت مولودين ذكر وأنثى. وفي ليلة من الليالي رأت في منامها امرأة قدمت إليها وكانت تريد أخذ ابنتها منها، كانت مذعورة ورفضت إعطاءها الطفلة. في الليلة الثانية رأت في المنام رجلاً يجري خلفها ويريد أخذ طفلتها منها. وفي اليوم الثالث صدمت سيارة ابنتها وعلى أثر هذا الحادث ماتت الطفلة.

كانت حينها حامل في شهرها الثامن عندما رأت في منامها رؤية أخرى فكأن شاة تركلها على ظهرها. في صباح اليوم التالي و أثناء قيامها بالأعمال المنزلية، انفجر كيس الماء في رحمها وعند حضور القابلة لإخراج الطفل، وجدوه ميتاً مكسور اليدين متورم العين. استمرت حالات الإجهاض لأم جاسم لثماني مرات متتالية.

نصحها الناس بأن تذهب إلى عراف للتحقق مما إذا كان ما يجري لها هو من تأثير سحر أو عين ولكن دون جدوى، فقد كان زوجها معارض بشدة فكرة تأثير السحر على الإنسان. كان زوجها متأثر لحالتها الصحية وبالمقابل كانت هي تخشى أن يتزوج عليها من امرأة أخرى. ولم تكن متأكدة مما عليها فعله إزاء ذلك الأمر.

بعد سنوات من المعاناة، التقى زوجها شيخ دين من العائلة في الطريق، استفسر الشيخ عن حالة أم جاسم وتأثر جداً لوضعها. أفاد بأن ذلك ربما يكون من أثر «التابعة» وهو جني من أتباع شياطين الجن الذين لا يموتون بل ينتقلون مع الأجيال.

بعد ما قاله الشيخ، قرر الزوج الذهاب إليه حتى يقوم بالحسابات الفلكية وكشف الطالع لزوجته. أخبره الشيخ بأن على زوجته «تابعة» تقتل الأطفال تدعى «أم الصبيان» ووفقاً لذلك أعطاها العلاج اللازم والمتمثل في حرزين (والحرز هو ورقة مكتوب عليها آيات قرآنية وطلاسم وعليه توكيل من الجن العلويين). تضع أحد الحرزين أمام الرحم والآخر على الظهر بعد تثبيتهم في حزام يلف حول الخصر. وعليها أن تنزع الحزام عند دخولها لدورة المياه لما يحتويه من آيات قرآنيه.

تحسنت أحوال أم جاسم بعد ذلك العلاج وأنجبت ابنتين. عندما سمعت أخت زوجها بأمر الحرز ومفعوله طلبت منها أن تعطيها إياه للتبرك به فسلمته لها بحسن نية. غضب زوجها لفعلها وزجرها لاستهانتها بالأمر. بعد خلع الحرز، أنجبت أم جاسم صبي ولكنه كان مريضاً جداً، وضع في العناية المركزة لأنه كان يعاني من الكثير من التشوهات الخلقية، فلم تكن لديه فتحة شرج، وأحد صمامات القلب لم يكن يعمل، كان لديه انسداد في الشرايين وانسداد في القنوات البولية وفتحة في المريء. كان الطفل أيضاً غير قادر على شرب الحليب إلا من خلال أنابيب التغذية. أجريت له عدة عمليات في السعودية وفي كل مرة يتم فيها إصلاح عضو تنتقل «التابعة» إلى عضو أخر وتضرره.

في يوم من الأيام قررت أخت أم جاسم والتي كانت بدورها تعاني من بعض المشاكل، الذهاب إلى امرأة تقرأ القرآن وتكشف الطالع والتي بإمكانها أن تقوم ببعض الوقاية عن السحر. قالوا لها عن أم يوسف التي اتخذت هذه المهنة من والدها. رافقت أم جاسم أختها حيث كانت تريد الكشف عن ابنتها البالغة من العمر 24 سنة في ذلك الوقت ومعرفة سبب تأخرها عن الزواج. من خلال الكشف علمت أم يوسف بأن الفتاة مسحورة، وأن هناك امرأة تأتي وتسكب الماء المسحور على باب البيت وأنذرتها بأنها سوف تعود مرة أخرى. قرأت أم يوسف شيئاً لبطلان السحر وأعطت أم جاسم محو (المحو هو آيات قرآنية مكتوبة بالزعفران على ورقة بيضاء أو صحن أبيض يستخدم للعلاج من المس والعين والحسد والسحر والخوف. تذاب الكلمات المكتوبة بالماء وتشرب أو تسكب على المكان المسحور). طلبت منها إذابة الكلمات الموجودة فيه بماء وسكبه على مدخل البيت. استطاعت البنت الزواج بعد علاج أم يوسف والتحرر من سحر المرأة الشريرة.

من خلال كشف الطالع، استطاعت أم يوسف أن تستدل بأن أم جاسم تعمل كمدلكة، فطلبت منها أن تزورها في البيت للتدليك، وما أن دخلت المنزل حتى رأت الكثير من الجن في ساحة (حوش) المنزل، فأعلمتها بأنها في حاجة إلى الحماية الكاملة من سكن أولئك الجن. كان هذا منذ أكثر من عشرين عاماً. استطاعت أم جاسم تزويج بناتها وأصبح ابنها الأصغر في حالة صحية أفضل بعد فك السحر عنه وبالطبع بمساعدة العلاجات الطبية الأخرى.

إن الساحر ورواده، أولئك الذين يقصدونه بغرض ضرر الناس، هم أشخاص سيطرت عليهم الشياطين ودخلوا عوالم الظلام والكفر ببغيهم. فعادة ما يكون المتعامل مع السحر لمدة طويلة مدمن لأنه بممارسته لتلك الأمور يكون أسير شيطانه غاضباً عليه ربه. من خلال بحثنا وجدنا أن من الممارسات الشائعة التي يقوم بها هؤلاء هي الأعمال الشيطانية، اللعنات و ما يسمى بالفودوو (لمعلومات أخرى انظر الرابط www.dudleyandsabina.com ).

فالعمل الشيطاني هو عمل ضار يلحق الأذى بشخص آخر باستخدام النوايا الحاقدة. وعادة ما ترفق تلك الأعمال بالطقوس والتعاويذ الشريرة. في الغالب يكون الجاني قد جلب معه أثراً لمتابعة الضحية مثل خصلة من الشعر لتشكيل اتصال قوي يتم من خلاله الحفاظ على الطاقة السلبية التي تمكن الجاني في عمله الشيطاني. وعند إيقاف وسلب تلك الطاقة من الساحر يفقد قوته تلقائياً مما يؤدي إلى نهايته.

أما اللعنة فهي بلاء روحي تخلق مرة واحدة، لديها طاقة من تلقاء نفسها، مما يمكنها من مواصلة مفعولها لفترة طويلة حتى بعد وفاة مصدرها، وأحياناً تبقى لعدة قرون، إلا أنها لا تمتلك أي وعي من نفسها. ويمكننا مقارنتها مع النفايات النووية المشعة التي لاتزال كونها مواداً سامة إلا أن بإمكانها تأثير الضرر لفترة طويلة، رغم موت أولئك الذين أنتجوها. وعادة ما ترتبط اللعنة بالمنافسات في العلاقات العاطفية والغيرة، وهو ما يسبب فشل العلاقات الشخصية لعدة أجيال من العائلة. و كما هو الحال مع العمل الشيطاني، فمن الممكن إبطال مفعول اللعنة وإنهائها باستخدام السحر الأبيض وهو عكس السحر الأسود يتم استخدامه في الحصول على أشياء نتمناها بعيداً عن إلحاق الضرر بالآخرين.

ومن ناحية أخرى نجد أن «الفودو»(voodoo) هو الخبث بحد ذاته، فهو يختص في الأغلب بضرر في الصحة الجسدية للضحية. ووفقاً لمعتقد سائد فإن أتباع الفودو يمكن أن يغرسوا دبابيس في دمى تمثل أعداءهم وحرقها على أمل إصابتهم بالسوء. أما الهودو (hoodoo) فهو نوع آخر من أنواع السحر الأسود الذي يقوم أهله باستخدام الأشباح والجن لخدمتهم .

الشائع في العالم كله أن النساء أكثر حباً للشعوذة وهم بنصف عقل كما يعتقد البعض. وربما يكون السحر في زمننا هذا موجود بأشكال مختلفة فقد أصبحنا نسمع عن ألعاب للأطفال بها رموز سحرية وأفلام كارتون تعلم أطفالنا رموزاً لم نرها من قبل وكل هذا بمثابة غسيل للادمغة، كي نبتعد عن الأخلاقيات والمثل الإنسانية العليا. لو نظرنا إلى القرآن الكريم وقرأنا قصص الأنبياء مثل قصة النبي موسى والسحرة سيتضح لنا أن السحر علم قديم وموجود وبالمقابل يأتي قوله تعالى «ولا يفلح الساحر حيث أتى».

العدد 4606 - الجمعة 17 أبريل 2015م الموافق 27 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:26 ص

      موضوع شيق

      سمعنا الكثير من القصص المشابها لما ورد في المقال
      جني ازرق واخضر وجني داخل في انسان وجنيه تحب افلان ودخلت فيه

اقرأ ايضاً