يعتبر المسجد الإبراهيمي الشريف، في خليل الرحمن في الضفة الغربية، رابع مسجد من مساجد الإسلام من حيث الأهمية الدينية، ففيه مقام إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء. والمسجد من أهم المنشآت المعمارية التي ارتبطت باسم مدينة الخليل، ويقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة الحديثة، ويحيط بالمسجد سور ضخم يعرف بالحير، بني بحجارة ضخمة يزيد طول بعضها على سبعة أمتار بارتفاع يقارب المتر، ويصل ارتفاع البناء في بعض المواضع إلى ما يزيد على خمسة عشر متراً، ويرجح أن السور من بقايا بناء أقامه هيرودوس الأدومي في فترة حكمه للمدينة (37 ق.م -4 م). وشيد السور فوق مغارة المكفيلة التي اشتراها ابراهيم عليه السلام من عفرون بن صوحر الحشي، والتي هي مراقد النبيين إبراهيم ويعقوب وأزواجهما عليهم السلام. وتعرض المسجد ولايزال يتعرض لاعتداءات الإسرائيليين بهدف تحويله إلى معبد يهودي ومن أفظع ما تعرض له المجزرة التي ارتكبت في 15 من رمضان الموافق 25/2/1994 من قبل جولد شتاين (أحد مستوطني كريات أربع) وعلى إثر المذبحة قُسِّم المسجد بين المسلمين واليهود كسابقة في تاريخ المساجد الإسلامية، وسقط في هذه المجزرة 37 قتيلا و117 جريحا وهم سجود. وتعتبر معظم الدراسات أن هيرودوس العظيم هو أول من بنى المسجد الإبراهيمي الشريف، إذ كان بناؤه من القرن الأول قبل الميلاد مهولاً وضخماً، فقد كان عبارة عن قلعة ويمتاز بحجارته الضخمة، وكانت جدرانه ترتفع عشرين متراً وسمكها أكثر من ثلاثة أمتار. ويعد المسجد، رابع مسجد من مساجد الإسلام من حيث الأهمية الدينية، وخصوصاً أن فيه مقام إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء، ويضم المسجد مآذن وقباباً وأقواساً وأبواباً وأعمدة ورخام وجوامع جانبية كمسجد الجاولية، وكذلك أضرحة مزينة بصور جميلة وعليها تطاريز ووشي جميل ونقوش، ويعد منبر المسجد قطعة فنية رائعة. وفي أعقاب احتلال الضفة الغربية العام 1967، اتخذت سلطات الاحتلال مجموعة قرارات بشأن المسجد الإبراهيمي في الخليل، وتم وضع ترتيبات جديدة، تسمح لليهود بالدخول إلى المسجد، وأداء الصلاة، وممارسة الطقوس الدينية فيه وقد أدت هذه الإجراءات إلى وقوع مصادمات عنيفة بين اليهود والمسلمين. والحرم عبارة عن بناء له سور ضخم وبابان خارجيان، أحدهما في الجهة الجنوبية الغربية، والثاني من الجهة الغربية الشمالية والسور مبني من الحجارة الصلبة المصقولة والمقطعة بشكل هندسي. ويحتوي الحرم على صحن مكشوف يضم الجامع المعقود الذي يحتوي على ضريحي إبراهيم وسارة، وللجامع محراب مرخَّم وإلى جانبه مبنى من الخشب المحفور، يقابل المحراب دكة المؤذنين مرفوعة على أعمدة من الرخام، وفي وسط الجزء المغطى ضريحا إسحق وزوجته رفقة، أما القسم الثاني من البناء الذي يقع شرق الحرم فيحتوي على ضريحي يعقوب وزوجته ليا، وفي وسطه باب يؤدي إلى ضريح يوسف عليه السلام، ويعتبر الغار الشريف مرقداً للأنبياء عليهم السلام وزوجاتهم، وله ثلاثة مداخل . وتحتضن مدينة الخليل الحرم، ونشأت هذه المدينة في موقع له خصائص مميزة ساهمت في خلق المدينة وتطورها ونموها، وهذا الموقع جعل الخليل في موقع متوسط نسبياً بالنسبة إلى فلسطين إلا أنها أقرب إلى الشمال الشرقي منه إلى الجنوب الغربي وقد أنشئت المدينة على سفحي جبل الرميدة وجبل الرأس. وقد أطلق الكنعانيون على هذه المدينة اسم «أربع» نسبة إلى ملكها العربي الكنعاني أربع المنتمي إلى قبيلة العناقيين، ثم عرفت باسم «جدرن» أو «جبري»، ولما اتصلت المدينة ببيت إبراهيم على سفح جبل الرأس المقابل له سميت المدينة الجديدة بالخليل نسبة إلى خليل الرحمن النبي إبراهيم عليه السلام، وعندما احتلها الصليبيون العام 1099م أطلقوا عليها اسم إبراهام ثم عادت إلى اسمها الخليل بعد جلاء الصليبيين عنها. الخليل عبر التاريخ تشير الآثار إلى أن تاريخ مدينة الخليل يعود إلى أكثر من 3500 سنة ق.م. ثم خضعت المدينة لحكم العبرانيين الذين خرجوا مع النبي موسى من مصر وأطلقوا عليها اسم «حبرون» وهو اسم يهودي يعني عصبة أو صحبة أو اتحاد، ثم اتخذها داود بن سليمان قاعدة له لأكثر من سبع سنين. وقام الرومان بإقامة كنيسة على مقبرة إبراهيم وعائلته في عهد الإمبراطور يوستنياتوس (527-565م) ولكنها هدمت من قبل الفرس بعد ذلك سنة 614م. ثم خضعت الخليل للحكم الإسلامي العام 638، إذ تم الاهتمام بالمدينة بشكل واضح لأهميتها الدينية، وتضم رفات عدد من الأنبياء وخصوصاً خليل الرحمن. فعلى سبيل المثال بنى الأمويون سقف الحرم الحالي والقباب الواقعة فوق مراقد إبراهيم ويعقوب وزوجاتهما كما قام الخليفة العباسي المهدي (774-785م) بفتح باب السور الحالي من الجهة الشرقية، كما بنى العباسيون المراقي الجميلة من ناحيتي الشمال والجنوب، وكذلك القبة التي تعلو ضريح يوسف عليه السلام، وفي عهد الدولة الفاطمية وخصوصاً في عهد المهدي افتتح مشهد الخليل مع تزيين الأخيرة بالفرش والسجاد. وقد وصفت الخليل في العديد من كتب الرحالة مثل كتاب «المسالك والممالك» للأصطخري الذي ألفه في العام 951م و«فتوح البلدان» للبلاذري، وكتاب «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» للمقدسي العام 985م وغيرهم. و تعرضت الخليل للغزو المغولي المدمر كغيرها من المدن الفلسطينية، ودخلت الخليل تحت الحكم المملوكي واستمر حتى العام 1516م، وقد اهتم بها سلاطين المماليك فأصبحت مركزاً للبريد وخصوصاً مصر وعزة وغور الصافي والشويك. كانت تضم عدداً من المدارس أهمها «القميرية» و«الفخرية» و«عيون المار»، ومن أهمها «عين سارة» و«عين الحمام» و«عين الشمعية»، أما عن المقابر فأهمها مقبرة «البقيع» و«المقبرة السفلى». وفي العام 1517 خضعت الخليل للحكم العثماني، ومن أهم الحودث التي تعرضت لها الخليل أثناء الحكم العثماني وقوعها في يد إبراهيم باشا المصري، بين 1831 و1840م. ثم خضعت الخليل كغيرها من المدن الفلسطينية تحت الانتداب البريطاني في العام 1917 و ارتبط اسمها بظروف الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء على الدولة العثمانية. وتعتبر الزراعة من أهم الحرف التي يمارسها السكان في منطقة الخليل، وهي تمثل مورداً اقتصادياً مهماً، وقد بلغت المساحة المزروعة 30,6 ألف دونام العام 1985. ومن أهم المحاصيل الزراعية في الخليل، الحبوب والخضار، والأشجار المثمرة مثل الزيتون واللوز والعنب والفواكه الأخرى. وواجهت الزراعة الكثير من المشاكل، من أهمها السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة التي أعاقت المواطنين الفلسطينيين من ممارسة نشاطهم في مدينتهم، ومن الممارسات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين، مصادرة الأراضي ومنع المزارعين من استغلال أراضيهم والعمل على دفع العمال الزراعيين إلى العمل داخل «إسرائيل». وتضم الخليل الكثير من الثروة الحيوانية، إذ تشكل 30,2 في المئة من جملة هذه الثروة في الضفة الغربية، ومن أهم أنواع الحيوانات الماعز والضأن. ومارس سكان الخليل الصناعة منذ القدم، إذ انتشرت الصناعة اليدوية، بل إن بعض حارات الخليل سميت بأسماء هذه الحرف، مثل سوق «الحصرية» وسوق «الغزل» وحارة «الزجاجين». وللخليل شهرة في صناعة الصابون ودباغة الجلود وصناعة الأكياس الكبيرة من شعر وصوف الحيوان ومعاطف الفرو والفخار والأحذية والنسيج والصناعات الخشبية والخزف والهدايا. وحتى العام 1978 ضم لواء الخليل أكثر من ثلث الوحدات الصناعية في الضفة الغربية وهي: الصناعات الغذائية، النسيج والملابس، الجلود ومنتجاتها ماعدا الأحذية، الأحذية ما عدا المطاطية، الأخشاب ما عدا الأثاث، الورق ومنتجاته، النشر والطباعة، الزجاج، صناعات غير معدنية، صناعات غير حديدية، تصنيع المواد المعدنية ومشتقاتها، وصناعة الأدوات الكهربائية. وحظيت الخليل بمركز تجاري، إذ يأتي إليها الفلاحون والبدو من المناطق المحيطة بها على رغم أنها فقدت نصف قضائها في العام 1948، وزادت قوة هذا المركز بعد ارتفاع مستوى المعيشة وتطور وسائل النقل فاتسعت الأسواق المركزية وشملت معظم مساحة المدينة القديمة وبنيت أسواق متخصصة جديدة. أحياء الخليل والخليل مدينة قديمة تضم العديد من الأحياء القديمة والحديثة، ومن الأحياء القديمة: «حي الشيخ على بكار»، «حي القزازين»، «حي قبطون»، «حي المشاقة التحتا»، «حي المشاقة الفوقا»، والأحياء الجديدة وهي: «حي عين مارة»، «حي واد التفاح»، «الحاووز »، ضواحي «الإسكان»، «الزيتون»، «الموظفين»، «وادي الحربة»، «حي بئر المحجر»، «الجلة»، «دويريان»و«عيصي». الأسواق وتوجد في المدينة الكثير من الأسواق الشعبية والتاريخية منها: «سوق القزازين»، «سوق اللبن»، «سوق خزق الفار»، و«خان شاهين». المواقع الدينية ومن معالم المدينة العمرانية المسجد الإبراهيمي الذي سبق الحديث عنه، ورامة الخليل أو حرمة رامة الخليل. كانت تقوم على هذه البقعة قديماً بلدة «تربينتس»، وهي تقع بالقرب من مدخل مدينة الخليل في الناحية الشمالية الشرقية منها، ويقال: إن إبراهيم عليه السلام أقام في هذه البقعة أكثر من مرة، وفيها بشرت الملائكة سارة بمولودها اسحق، وقد كانت هذه المنطقة مركزاً تجارياً مهماً في عهد الرومان، جذب إليه الكثيرين من سورية وفلسطين ومصر، خاصة في عهد الإمبراطور هدريان (117 -138م). وفي العام 325م بنى قسطنطين الكبير فيها كنيسة لا تزال آثارها ماثلة إلى اليوم. وحجارة البناء في الكنيسة مماثلة لحجارة المسجد الإبراهيمي، ولم يتبق منها سوى ثلاثة مداميك في بعض المواضع، وتوجد في الزاوية الجنوبية الغربية للموقع بئر مسقوفة، بنيت بالحجارة إلا أن السقف محطم في بعض المواضع، وبالقرب من هذه البئر توجد أحواض حجرية صغيرة كانت تستعمل لسقي المواشي والحيوانات. كنيسة المسكوبية تقع في حديقة مضيفة الروم الأرثوذكس في ظاهر المدينة الغربي، وقد بنيت في مطلع هذا القرن، وهي الموقع الوحيد الخاص بالمسيحيين في المدينة، مساحتها 600 متر مربع تقريباً مبنية بالحجر اتخذت في مخططها شكل الصليب. البلوطة تقع بالقرب من الكنيسة وهي اليوم شبه ميتة، ذكر بعض المؤرخين أن الملائكة ظهرت لإبراهيم عليه السلام في هذه البقعة حين بشرته بإسحاق، إلا أن الغالبية تؤكد أن ذلك حدث في «رامة الخليل»، أو منقطة «نمرا»، الأرض المقامة عليها المضيفة والكنيسة مستأجرة من تميم مجاهد من قبل أقلية من الروس تبلغ مساحتها حوالي سبعين دونماً. بركة السلطان تقع وسط المدينة إلى الشمال الغربي من المسجد الإبراهيمي، بناها السلطان سيف الدين قلاوون الألفي الذي تولى السلطنة على مصر والشام أيام المماليك (678 ـ 689هـ الموافق 1279 ـ 1290م) بحجارة مصقولة، وقد اتخذت شكلاً مربعاً بلغ طول ضلعه أربعين متراً تقريباً. وبسبب كثرة حوادث الغرق وتكاثر البعوض وانبعاث الروائح الكريهة قررت دائرة الأوقاف الإسلامية وبالاتفاق مع بلدية الخليل ودائرة الصحة، تفريغها من المياه وتجفيفها نهائياً وإغلاق القنوات المؤدية إليها، كما عارض قسم الآثار التابع للإدارة العامة في القدس إقامة أي مشروع عليها، وذلك حفاظاً على التراث الإسلامي والتاريخي، إذ تعتبر البركة من ممتلكات دائرة الأوقاف الإسلامية. مشهد الأربعين يقع في أعلى جبل الرميدة المقابل للمسجد الإبراهيمي من الناحية الجنوبية الغربية، ويعرف أيضا بمقام أو دار الأربعين، والمشهد يضم مسجداً قديماً كانت دائرة الأوقاف الإسلامية توليه الرعاية والاهتمام، وذلك قبل مذبحة 15 رمضان التي حدثت قبل ثمانية أعوام، إذ منعت السلطات الإسرائيلية موظفي الدائرة الوصول إليه، هناك بعض الآثار التي تشير إلى أن هذا الموقع كان حامية عسكرية في عصور مختلفة، وقد تعرض هذا الموقع لانتهاكات المستوطنين اليهود وعلى فترات مختلفة. متحف الخليل يقع في حارة الدارية قرب خان الخليل، وهو من العقارات الوقفية والأثرية المهمة في المدينة، رمم من قبل لجنة الإعمار التي انتهت من أعمال الترميم مع مطلع العام 1998، وبناء على قرار الرئيس الفلسطيني تم تحويله إلى المتحف نظراً لخطورة موقعه القريب من المستوطنين، وقد كان في الأصل حماماً تركياً عرف باسم «حمام إبراهيم الخليل»، وما زالت هيئة «الحمّام» فيه إلى الآن، مما برر تحويله إلى متحف. مقام فاطمة بنت الحسن (رض) يقع المقام إلى الشرق من مسجد اليقين وهو عبارة عن مغارة محفورة بالصخر بني على مدخلها باب.
العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ