تجددت في القاهرة قبل يومين حملة انتقادات لاذعة للمسلسل التليفزيوني «فارس بلا جواد» ليس من جانب السفارتين الاميركية والاسرائيلية، وانما من أهل البيت هذه المرة. وتزامن بيان أصدرته المنظمة المصرية لحقوق الانسان الاثنين الماضي طالبت فيه مسؤولين في التليفزيون «بضرورة التنويه لان البروتوكولات ليست حقيقية وملفقة»، مع بيان آخر كان أصدره الكاتب الاسلامى ممدوح الشيخ فى صورة رسالة وجهها لوزير الاعلام المصرى ينتقد فيها «تحويل مغامر وأفاق وهارب من العدالة الى بطل شعبى». ولفت الشيخ فى رسالته الى كونه أول من نشر مذكرات حافظ نجيب الشخصية الاصلية لبطل المسلسل فى رواية حملت عنوان «اعترافات حافظ نجيب»، وتضمنت الرواية حسبما يقول «جانبا كبيرا من قصة حياة حافظ نجيب بخط يده وكما دونها بنفسه، وبخاصة ذلك الجزء الذى يمتد بين عامي 1855 و 1909». وبقيت «مذكرات حافظ نجيب» منسية منذ نشرت للمرة الأولى فى العام 1946 ، حتى قام الشيخ باعادة نشرها كاملة فى العام 1996 في الذكرى الخمسين لوفاة صاحبها بوصفها حسبما يقول «نصا أدبيا نادر المثال في تاريخ الأدب العربي لا بوصفها سيرة مناضل»، ذلك أن المذكرات التي دونها حافظ نجيب بنفسه لم يرد فيها شيء عن نضاله ضد الصهاينة ، ولم يرد فيها أنه عمل صحفيا على الإطلاق ، لكنه يحكى عن تنقله بين حياة الجندية والعمل التجاري وأعمال أخرى، كما انه مثلا لم يتعلم التنكر والتخفي من الزعيم الوطني عبد الله النديم ، بل من عمله في المخابرات الفرنسية التي التحق بها وتلقى تدريبه فيها وتجسس لحسابها في ألمانيا. ويحمل ممدوح الشيخ بعنف على اختيار حافظ نجيب لعرض سيرة حياته عبر شاشة التليفزيون المصرى، مشيرا الى أنه «من العسير فهم البعد الوطني الذي تقوم عليه فكرة المسلسل في حياة شخص قَبِل أن يلتحق بالجيش الفرنسي في قمة الهجمة الاستعمارية الغربية على العالم العربي، بل إنه كان أحد ضباط الجيش الفرنسي المحتل في الجزائر»، ويقول الشيخ إن ما يرد في مذكراته عن هذا الشأن شديد الغموض «إذ يتحدث فيها عن جمعية سرية كلفته بدخول الدير - وهو مسلم - ليسعى للوصول لمنصب أسقف مصر في الحبشة، كمحاولة لتغيير توازنات القوى في المنطقة في مواجهة النفوذ البريطاني» وكان ذلك قبل العام 1909، وبالتالي ليس له صلة بوعد «بلفور» ولا المشروع الصهيوني. ودخل حافظ نجيب - حسب المذكرات - السجن مرتين محكوما عليه في قضايا احتيال، كما أن الشطر الأكبر من حياته قضاه مجرما هاربا من العدالة محكوما عليه بالكثير من الأحكام الغيابية في قضايا نصب عديدة صنعت شهرته، بوصفه «أشهر محتال في مصر» آنذاك، كذلك وحسبما يرى ممدوح الشيخ «لم يكن لحافظ نجيب موقف محدد من اليهود أو الديانة اليهودية، بدليل أنه صرح في مذكراته بأنه أقام «علاقة خاصة جدا» دامت لسنوات مع يهودية غير مصرية ساعدته على الهرب من السجن والاختفاء من البوليس، وأنه عندما قرر أن يدخل الدير في مصر راهبا - وهو مسلم - كان ما شجعه على ذلك هو أن قضية الدين في حياته كانت غامضة وباهتة، لذا لم يجد غضاضة في أن يعيش داخل الدير حياة الرهبان وهو في الحقيقة مسلم. ويحمل لوبى ضغط مصرى حاليا على مسلسل «فارس بلا جواد» وبخاصة تعرضه لقصة «بروتوكولات صهيون» التى أثارت أزمة فى العلاقات بين مصر وواشنطن، ويعتبر هؤلاء البروتوكولات «كتابا ملفقا» لا يستحق هذه الضجة، ويقول ممدوح الشيخ إن قضية البحث وراء البروتوكولات تتجاوز قضية مطابقة الأحداث للتاريخ الحقيقي أو مخالفتها إياه، فهي أولا وأخيرا، قضية فكرية وأخلاقية تتصل بالمحتوى الذي يحمله العمل والآثار التي يتركها في عقل المشاهد ووجدانه، ويرى الشيخ أن العداء المبدئي للمشروع الصهيوني والروح العدوانية اليهودية، يستمد رصيده الحقيقي من عقيدة أبناء الأمة مسلمين ومسيحيين، ومن التزام وطني وأخلاقي بضرورة مواجهة هذا المشروع حتى تعود فلسطين لأهلها «من النهر إلى البحر»، ومن ثم فإن الترويج لفكر البرتوكولات «يعد خداعا للشعوب العربية» فالمشروع الصهيوني لم ينتصر بالبروتوكولات، بل انتصر بسبب «خيبة عربية شاملة مزمنة» يتحمل المسئولية عنها في المقام الأول الأنظمة العربية الحاكمة، وقطاعات واسعة من النخب الثقافية العربية. ويتساءل الشيخ قائلا: إذا كان التلفزيون المصري راغبا في إنتاج أو عرض عمل درامي يناصر الحقوق الفلسطينية - وهو أمر تكذبه شواهد أكثر من أن تحصى- فلماذا حافظ نجيب المحتال الذي قبل أن يحارب إخوانه الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي المحتل؟ وعمل جاسوسا للمخابرات الفرنسية؟ ولماذا برتوكولات حكماء صهيون البائسة؟ ولماذا لا ينتج التلفزيون مثلا سيرة: الشهيد المصري مصطفى حافظ، أو الشهيد المصري مصطفى الوكيل، أو الشهيد الليبي صالح مسعود أبو بصير، أو الشهيد الفلسطيني عز الدين القسام، وغيرهم كثيرون جدا، في حياتهم من الأبعاد الإنسانية والنضالية ما يكفل صنع دراما شديدة النجاح بدلا من السعى وراء خرافات مثل: «بروتوكولات حكماء صهيون»، و«النفوذ اليهودي العالمي»، و«اللوبي الصهيوني» الذي لا يقهر. وتأتى حملة الهجوم على المسلسل فى وقت بدأ يحقق فيه نجاحا لافتا، إذا أقبل عليه المصريون بعد ان انصرفوا عنه لترهل حلقاته الاولى، غير أن مغامرات حافظ نجيب مع مجلس الصهاينة فى مصر وطلبهم منه نسخة من كتاب البروتوكولات رفع من درجة حرارة العمل من جديد، وفجر فى الوقت ذاته موجة انتقادات ومطالبات من أصوات امريكية صريحة، فى البلاد بوقف عرضه أو التشكيك فى الشخصية الاصلية التى تدور حولها الاحداث. وتتزامن حملة الهجوم على شخصية حافظ نجيب مع حملة اسرائيلية كانت انطلقت باتجاه البطل المصرى رأفت الهجان، وتزامنت حملة الهجوم على الشخصية وقت عرض المسلسل قبل سنوات، باعتبارها حسبما روجت اسرائيل «شخصية لعميل مزدوج الولاء أفاد تل أبيب أكثر مما أفاد القاهرة»، وكانت اسرائيل ترد بذلك على اقبال جماهيرى غير مسبوق على عمل تليفزيونى، اعتبر من افضل الاعمال الدرامية التى قدمها التليفزيون المصرى على مدى تاريخه.
العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ