قال الخبير الأميركي في الشئون الخليجية مايكل هيرب إن اختلافات النخب في الخليج والعالم العربي حول نوعية النظام الذي يسعون إليه وطبيعة العمل الذي يودون تعزيزه تمثل أحد الأسباب التي تؤخر الديمقراطية. مايكل هيرب يكتب ويحاضر في الشئون السياسية للعالم العربي والخليج العربي في جامعة جورجيا، وهذا نص الحوار: * بصفتك متخصصاً في شئون الخليج، ما أهم التحديات التي تواجه نشطاء الديمقراطية الذين يطمحون إلى دمقرطة دولهم؟ وهل تعتقد أن دول الخليج تعاني من الديمقراطية لأن دخلها يعتمد على النفط؟ - تعتبر العقبة العظمى في الخليج، والعالم العربي عموما، عدم الاتفاق وسط النخب السياسية فيما يختص بنوع المجتمع الذي يريدون ايجاده والأنظمة التي يودون تأسيسها. - تجد رؤى مختلفة حتى أحيانا وسط النخب السياسية التي تتسم بنوع من الديمقراطية في الكيفية التي يمكن أن ينظّم على اساسها المجتمع. وفي احيان كثيرة نجدهم يستغرقون كثيرا من الوقت والجهد في العراك مع بعضهم بعضا أكثر من نضالهم من أجل الديمقراطية. وفي الخليج نلاحظ ذلك بوضوح في الكويت. من ناحية اخرى نجد تلك النخب السياسية تخشى بعضها بعضا أكثر من خشيتها على استمرار الأنظمة الموجودة حاليا بينما تستغل هذه الأخيرة هذا الوضع من التوجس. كما نجد أن أنظمة الحكم وخصوصاً في الخليج قوية الجذور، وهذا يعتبر أحد عوائق سرعة الدمقرطة ايضاً. فالأنظمة الهشة يسهل تغييرها ولذلك أي جهد من أجل دمقرطتها يرجح نجاحها كثيرا. إن قبضة الاسر الحاكمة في الخليج على السلطة السياسية لم تكن البتة هشة ولذلك تحتاج هذه الدول إلى مزيد من الجهود ومزيد من الوقت حتى تحقق الديمقراطية الكاملة. واخيراً قضية الطائفية في البحرين تجعلها تختلف إلى حد ما عن بقية دول مجلس التعاون. لا تتقدم عملية الدمقرطة هنا ما لم يحدث شيء من التوحد بين تلك الطوائف من اجل احلال الديمقراطية في البحرين. وطبعاً تعتبر نظرية الدخل الاوحد للدولة سائدة وسط كثير من العلماء السياسيين، ولكنني اقل اقتناعاً بها. عندما ننظر إلى العالم العربي نجد أنه لا وجود للديمقراطية، على الاقل اذا ما قسنا الديمقراطية بالمعايير العالمية، والتي تعني ان السلطة التنفيذية يمكن استبدالها بنتيجة انتخابات، إذ لا توجد هذه الحال في الدول العربية. لذلك ارى أن التفسير الافضل لمعاناة الديمقراطية بين الدول الخليجية المصدرة للنفط هو انها تقع في اقليم تعوزه الديمقراطية، وليس لأنها مصدرة للنفط. وقد قمت حديثاً بدراسة احصائية واسعة النطاق محاولاً تقييم التأثير الحقيقي لاحادية الدخل في الدولة الريعية على الديمقراطية حول العالم (نظرية الدخل في الدولة الريعية تعرف عموماً على انها ظرف تعتمد فيه الحكومة على التصدير، وعادة ما يكون من موارد طبيعية، في غالبية دخلها). لم اجد اي نتائج سلبية لهذه النظرية على الديمقراطية: الاقليم هو الأكثر أهمية في هذا الشأن إذ ان مستوى الديمقراطية في اية دولة بعينها مشروط بمستوى الديمقراطية في الدول الاخرى في الاقليم ذاته بدلاً مما إذا كانت تلك الحكومة تعتمد على عائدات النفط اولا. * البحرين بوصفها عالماً صغيراً للخليج الكبير، كيف ترى التطورات الاخيرة؟ وهل يمكن استخدامها كمنصة انطلاق لمزيد من الدمقرطة، أو انها محدودة بذاتها؟ - تمت عملية الدمقرطة لبعض الانظمة الملكية عبر التاريخ بطريقة تدريجية. ويشير تاريخ الملكيات إلى توافر عنصرين اساسيين رئيسيين. الاول، يجب ان تكون الانتخابات البرلمانية حرة من السيطرة المباشرة للحكومة. وبمعايير المقارنة، نجد ان ذلك ينطبق تماماً في الانتخابات البحرينية الحديثة وفي الانتخابات الكويتية ايضا. الثاني، يجب ان تكون لدى البرلمان مقدرة إلى حد ما على وقف التشريع (خصوصاً الموازنة) وعلى إبعاد الوزراء. ولتطبيق هذين العنصرين حاولت الانظمة الملكية عبر التاريخ تعيين مجلس وزراء مهمته الأساسية هي ادارة البرلمان. وبمرور الزمن، وجدت تلك الانظمة ان افضل طريقة لادارة البرلمان هي تعيين مجلس وزراء يشابه اللون الايديولوجي للبرلمان، أو تشكيله من احزابه الرئيسية. وفي النهاية، آل منصب رئيس الوزراء إلى الحزب المهيمن في البرلمان. اجرت البحرين انتخابات، ولم تحدد الحكومة نتيجتها، وهذا يعتبر مكسباً ضخماً. ومع ذلك، الدستور الجديد اكثر محدودية عن دستور العام 1973 فيما يختص باعطاء البرلمان سلطة وقف التشريعات واستبعاد الوزراء. مجلس الوزراء مجلس الشورى لا يمثل مشكلة في حد ذاته، ولكن المشكلة في توافر تصويت مشترك للمجلسين عندما لا يستطيعان - منفصلين - الاتفاق على تشريع. ويتوقع ان يعطي هذا الحكومة القوة في دفع التشريع إلى الامام على رغم معارضة الغالبية العظمى في المجلس المنتخب في البرلمان. لا سلطة لمجلس النواب في استحواب الوزراء، ولكن يتطلب الدستور الجديد تصويت ثلثي (بدلاً من الغالبية) النواب بنجاح على إبعاد وزير. يختلف البرلمان في الكويت حول هذه النقاط، لأن الوزراء من المعينين في الحكومة يجلسون في البرلمان، ويتطلب الامر ثلثي النواب المنتخبين لوقف التشريع. ولكن لا يصوت وزراء الحكومة على استجواب الوزير، ويتطلب الاستجواب الناجح (وسحب الثقة عن وزير) غالبية بسيطة فقط من بقية الاعضاء (المنتخبين) في البرلمان. لا يعني هذا ان البرلمان البحريني لا سلطة له. فإذا ما توحد نواب الطوائف المختلفة في البرلمان فإن ذلك يعزز من قوة البرلمان ولو مستقبلا. وباختصار يحمل النظام الحالي كثيراً من الامل في احتمال مزيد من الديمقراطية، ولكنها بالطبع لا تكتمل بين عشية وضحاها. ويعود ذلك ليس فقط إلى الدستور الحالي فحسب ولكن ايضا إلى قضية الطائفة التي تجعل عملية الانتقال السريع إلى الديمقراطية، في البحرين من الصعب اكتمالها. واخيراً يجب تعزير اهمية استمرار نهج انتخابات حرة من السيطرة المباشرة للحكومة، إذ ذلك يوجد اساساً متيناً لمزيد من بناء الديمقراطية حتى ولو ظل البرلمان محدود السلطات نسبياً. * ما التأثيرات على الاقليم إذا قررت الولايات المتحدة اجتياح العراق؟ - بصراحة، اجد من الصعب عليّ التنبؤ بما سيحدث بعد نهاية نظام صدام. قام بوش الاب بتحرير الكويت بالاشتراك مع دول عربية اخرى ودول حول العالم ايضاً. وبمعنى آخر لقد دافع عن الوضع الراهن بينما يسعى ابنه إلى تغييره، ولا يرغب بوضوح في اي تعاون مع الدول العربية، إذ يجبر بعضها على التعاون في الضربة العسكرية، ولكنها تقوم بذلك تحت التأثير الشامل للضغط الاميركي. يعمق الهجوم على النظام الحالي في العراق عدم الثقة المتجذر اساساً بين الولايات المتحدة والعالم العربي. واصبحت سياسة ادارة بوش تجاه اسرائيل ببساطة مأسوية في هذا الخصوص. وبعد ان سمي ارييل شارون «رجل السلام» أصبح غزو العراق غير مسئول على نطاق واسع. ويصعب التنبؤ بعواقب عدم الثقة هذه بين العالم العربي والولايات المتحدة، ولكن من المحتمل ان تكون سيئة. وهي مهمة المعتدلين من الجانبين الواجب عليهم محاولة احتواء الموقف وبأي الطرق الممكنة، للدمار الذي احدثه المتشددون، ولمواصلة الطريق عندما تتم ازاحة المتشددين الحاليين في السلطة في واشنطن. وإلا فإن ذلك يعتمد ايضا على كيفية السرعة ونجاح الولايات المتحدة في ابعاد نظام صدام وإيجاد نظام جديد يحكم العراق. سينتج عن الحرب الطويلة عدم استقرار خطير على الاقليم. وطبعاً سيضطرب الاقليم اذا قرر المتشددون في ادارة بوش انهم بعد العراق سيحاولون تغيير انظمة الحكم في ايران، وسورية، والمملكة السعودية أو دول اخرى في المنطقة. وأتوقع من هذين الامرين، ان تبقى الانظمة العربية الموجودة حاليا، وان وضعا من عدم الثقة الدائمة بين العالم العربي والولايات المتحدة سيستمر في الاهتياج. ويمكن انقاذ هذا الوضع فقط عندما توقف ادارة جديدة في واشنطن معاملة العرب (وبقية العالم، في ذلك الامر) بازدراء، وتسعى جاهدة لاحلال السلام في اسرائيل والاراضي المحتلة. ومن منظور عام، فإنني قلق بأن تكون ادارة بوش اتخذت من هجوم اسامة بن لادن ذريعة لتدخل في حرب بين العالم الاسلامي والولايات المتحدة. يمكن ان يحدث هذا نتيجة للقيادة غير المسئولة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. وبينما يصعب التنبؤ بأي كوارث معينة ربما تنتج جراء هذه السياسة، لكن يستطيع المرء ان يجزم بألا خير يرجى من هذه السياسة.
العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ