مع النسمات الأولى من صباح غداً الإثنين، وبالفسيخ والرنجة والبصل والخس والبيض الملون، يحتفل المصريون بواحد من أهم أعيادهم التاريخية، وهو عيد شم النسيم، أو عيد «شمو»، كما كان يعرف لدى المصريين القدماء، وذلك وفق ما نقلت صحيفة الشرق الأوسط يوم السبت (11 أبريل / نيسان 2015).
وتتنوع مظاهر الاحتفال بشم النسيم، أوعيد الربيع، بين الأسر المصرية، بحسب القدرة الاقتصادية، إلا أن طقوسه، وما تتسم به من بساطة وشعبية، تشكل قاسما مشتركا بينها، والذي يأتي في مقدمتها تلوين البيض بألوان زاهية ومشمسة، سواء في الصباح الباكر أو في ليلة الأحد، استعدادا للاحتفال بالعيد، كما تتصدر المائدة على مدار هذا اليوم، الأسماك المملحة (الرنجة والفسيخ والسردين والملوحة) يرافقها البصل الأخضر والخس والملانة، وتتحول المائدة في هذا اليوم إلى مائدة جوالة، تتنقل ما بين الحدائق والمتنزهات العامة وشواطئ النيل والبحار، والتي يهرع إليها معظم الأسر في الساعات الأولى من الصباح، لاستقبال نسمات الربيع بمقدم شم النسيم. ولا تزال كثير من الأسر خاصة في صعيد مصر، تحافظ على عادة مهمة من طقوس الاحتفال بشم النسيم، حيث تقوم ربات البيوت، بعد فتح النوافذ والشرفات لاستقبال أشعة الشمس، بنشر البصل المفروم على العتبات، ظنا منهن أنه يطرد الأرواح الشريرة، التي يمكن أن تعكر صفو الاحتفال بهذا اليوم، كما كن يضعن البصل تحت الوسادة في ليلة الاحتفال بشم النسيم درءا للحسد، والتفاؤل بتفتح الأزهار والثمار. أيضا لا تزال المراكب النيلية تكتسي بزينة خاصة احتفاء بهذا اليوم، حيث تصدح الأصوات بالأفراح والرقص والغناء، على غرار المصريين القدماء، الذين كانوا يقيمون في هذا اليوم أفراحاً عظيمة، كانت تغني فيها السيدات النبيلات المشتركات في المواكب النيلية على أصوات القيثارات أغاني الغرام والأناشيد التي تصاحبها حركات راقصة.
ولأن شم النسيم يتزامن مع الاحتفال بيوم القيامة المجيد، حيث يحتفل المسيحيون الشرقيون هذا العام بعيد القيامة المجيد يوم الأحد الموافق 12 أبريل (نيسان) وفي اليوم التالي يحل شم النسيم العيد الذي ينفرد به المصريون، يقوم المصريون خاصة المسيحيين أيضا بشراء حلوى الشوكولاته على شكل بيضة وأرنب عيد الفصح المعروف في الغرب، كما يحرصون على أكل السمك المملح التقليدي المعروف باسم «الفسيخ»، وكذلك تقليد البيض الملون.
ويترقب أصحاب محال الأسماك المملحة يوم شم النسيم بفارغ الصبر، حيث يعد موسما سنويا لهم، يزداد فيه الإقبال على الشراء بصورة غير مسبوقة على مدار العام، وهناك محال في القاهرة والأقاليم أصبحت بمثابة علامة تجارية على الجودة والتفاخر في هذا اليوم، خصوصا في ظل تحذيرات من وزارة الصحة من انتشار أنواع فاسدة وغير مطابقة للمواصفات الصحية، تضر بصحة المواطنين، وتصيبهم بالتسمم الذي قد يؤدي للوفاة.
أيضا هناك مدن بالأقاليم لها شهرة عريقة ومصدر ثقة في صناعة الأسماك المملحة، مثل (فوة ومطوبس وسيدي سالم) بمحافظة كفر الشيخ بوسط دلتا مصر، والمنزلة بمحافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، وتعد هذه المدن بمثابة القاطرة الأساسية التي تمد أغلب المحال في أنحاء البلاد بالأسماك المملحة.
ومنذ ستينات القرن الماضي كانت متاجر الحلوى الكبرى في القاهرة مثل «جروبي» و«توماس» و«تسيباس» تتنافس في صناعة الحلوى الخاصة بيوم شم النسيم، لكن حاليا برزت محال أخرى في هذا المضمار، أصبحت تتفنن في صناعة هدايا شم النسيم على شكل حقائب صغيرة، بها برطمانات من السمك المملح، وعسل النحل بالإضافة للحلوى، والفطير «المشلتت».
وتنعكس مظاهر الاحتفال بشم النسيم على الشارع المصري، في صور ومشاهد لافتة، فباعة الخضر الجائلين يهتمون بتزيين عرباتهم البسيطة بصنوف من الخضر التي تناسب هذا اليوم، من البصل الأخضر والخس والملانة.. كما تعرض المحال التجارية الصغيرة في واجهاتها أنواعا من «الرنجة»، بأسعار مناسبة، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار الفسيخ في هذا اليوم، ما بين 80 إلى 120 جنيها، في المحال الشهيرة.
تقول فوزية بائعة الخضر الشهيرة بحي المهندسين بالجيزة: «أنا بحب يوم شم النسيم وأحرص على تزيين (فرشتي) بكل أنواع الخضر الطازجة، من الخس والملانة والبصل، أقوم بتنظيفها ووضعها في أكياس من البلاستيك، حتى تظل خضراء لأطول فترة، وشكلها حلو».
تضحك فوزية وأنا أسالها عن حركة الشراء في هذا اليوم وتقول: «الرزق من عند ربنا، هو بيكرمنا في هذا اليوم، ربنا يجعل أيامنا كلها أعياد».
وفي القاهرة والمدن الكبيرة تسعى كثير من المحال والنوادي الرياضية الرياضية، إلى جذب الأطفال للاحتفال بشم النسيم، في شكل ورش للرسم وتلوين البيض، والاستماع بجو الصحبة، وأيضا كنوع من الدعاية بالنسبة للمحال، عن استعدادها مبكرا لتلبية طلبات زبائنه من الشوكولاته والحلوى. فقد وجه متجر للحلوى بحي جاردن سيتي الراقي بالقاهرة دعوة إلى مجموعة من الأطفال والشابات للمشاركة في تلوين الحلوى قبل شم النسيم.
وقال موظف في المتجر يدعى أحمد حمدي إن الدعوة تهدف إلى اكتشاف المواهب من خلال رموز الاحتفال بشم النسيم، «حاولنا نشارك بطريقة مختلفة، حيث أحضرنا البيض على شكل شوكولاته وأرانب وكتاكيت وفراخ، والأطفال يقومون بتلوينها بالألوان التي يحبونها، وهي طريقة مختلفة عن الطقس العام للاحتفال المعروف بأكل الفسيخ».
وفي المتجر بدت مظاهر الفرحة على الأطفال وهم يقومون بتلوين هذه الأشكال المحببة لهم. وبحسب فتاة تدعى سحر طارق فإن الفكرة «جميلة طبعا.. حلوة قوي فكرة أن أنت تقعد تلون، تعمل حاجة جديدة، حاجة بتخرج الطفل الصغير اللي جواك».
وعلى المستوى الحكومي، ولأن حديقة الحيوان بالجيزة تعد من أهم المزارات المحببة لدى المصريين خاصة الطبقات الفقيرة في هذا اليوم، شدد الدكتور خالد زكريا العادلي محافظ الجيزة على مديري المديريات والأحياء والمراكز على تكثيف الجهود لسرعة الانتهاء من الأعمال والعمل على تقديم كل الخدمات للمواطنين على أكمل وجه في يوم شم النسيم، وقرر المحافظ فتح حديقة الجيزة العامة مجانًا للمواطنين والتي تقع على مساحة 150 فدانا بطريق الفيوم، إلى جانب تجهيز الحدائق والمتنزهات العامة لاستقبال عيد شم النسيم وأعياد الإخوة الأقباط.
وقال العادلي إنه تم رفع درجة الاستعداد في كل القطاعات الخدمية على مستوى المحافظة، مشيرًا إلى أنه تم توفير كل الأمصال والطعوم اللازمة في المستشفيات لمواجهة ظهور أي حالات تسمم وتشكيل غرف وقائية بمديرية الصحة والإدارات التابعة لها.. مشيرًا إلى أنه يتم نشر سيارات الإسعاف داخل الحدائق والمتنزهات والمنطقة الأثرية بالهرم ومنطقة أبو الهول السياحية بنطاق المحافظة إلى جانب تكثيف المرور على الأسواق ومحلات بيع الأسماك المدخنة والمملحة بالتنسيق فيما بين مديريات الصحة والطب البيطري والتموين.
وقال عزت الخرصة رئيس الهيئة العامة للنظافة والتجميل بالجيزة إنه تم تجهيز 150 ألف كيس للقمامة لتوزيعها على رواد الحدائق العامة الأورمان والحيوان مجانًا، بالإضافة لتجهيز حملات بعمال نظافة بأماكن المتنزهات والحدائق والمنطقة الأثرية بالهرم للعمل صباحًا خلال هذا اليوم. كما تم وضع تشكيلات من الزهور والنباتات بالشوارع والميادين العامة وتجهيز سيارات الكنس الآلي والمياه للعمل حول الحدائق العامة وكورنيش النيل.
وتجري الاستعدادات نفسها على قدم وساق في جميع محافظات البلاد، حتى ينعم المصريون بيوم شم نسيم هادئ ومبهج.