المهرجانات تتوالد في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، من مهرجان الأفلام السعودية إلى مهرجان مخصص للقصيدة الحديثة، والذي اختتم أخيراً بمشاركة نخبة من شعراء سعوديين وخليجيين وعرب. المهرجان انطلق في دورةٍ أولى باسم الشاعر والمفكر السعودي محمد العلي، تكريماً لشخصية رائدة في فضاء الفكر والشعر والثقافة، إلا أن هذا لم يكن كل شيء، حيث اختار المنظمون أن لا تقتصر الفعالية على الشعر، بل استثمروا جميع إمكانيات الجمعية من لجان فنية وكوادر تنظيمية ومتطوعين، لتقديم القصيدة الحديثة في استعراض إبداعي مدهش. فالدخول إلى «مهرجان بيت الشعر الأول» لم يكن بمثابة قطع تذكرة للسفر في عوالم اللغة والصور والمشهدية الشعرية وإنما احتفاء أيضاً بالموسيقى، أغنية حفل الافتتاح كانت مع فرقة التخت الشرقي للجمعية، وبمصاحبة الفنان أكرم مطر الذي غنى أشهر قصائد محمد العلي (لا ماء في الماء). إلى جانب مصاحبة الموسيقى الحية من عود وجيتار وكمان في حفلات إلقاء الشعر. العروض المسرحية حضرت في صيغة الممثل الواحد (المونودراما) كما هو صوت الشعر الواحد، حيث قدم الفنان إبراهيم الحساوي عرضاً بعنوان: (نوستاليجا) من تأليف الشاعر صالح زمانان المشارك في المهرجان الشعري ومن إخراج الفنان سلطان الغامدي. وهو العرض الذي استعاد فيه الحساوي ببراعة، بعضاً من لياقته المسرحية بعد سنوات في التلفزيون والأفلام الروائية. أما فكرة العرض فتدور حول ممثل يختفي من البروفة المسرحية (المصورة تلفزيونياً) ليظهر في المسرح وهناك يكمل العرض متقمصاً عدة شخوص تمثل صور الحياة والذاكرة المنهكة. عرض مسرحيٌ آخر بعنوان: «برانويا» للمخرج ياسر الحسن والكاتب عباس الحايك، لفت الانتباه، إلا أن المهرجان المخصص للشعر، لم يحتضن المسرح بل أيضاً شمل معرضاً احتفائياً بصف الفنانين التشكيليين الأول في المنطقة الشرقية، من عبد الله الشيخ إلى كمال المعلم و عبد الرحمن السليمان وعلي الصفار وزمان الجاسم وآخرين. دون أن ننسى عروض الأفلام الروائية القصيرة وتوقيع الكتب والمجموعات الشعرية للشعراء المشاركين وغيرهم. في هذه الأجواء كيف يمكن أن يُقرأ الشعر فيها، هذا هو السؤال اللاواعي، الذي رافق نظرات جمهور مهرجان بيت الشعر الأول في الدمام، وهم يصغون لقاسم حداد في الأمسية الأولى وهو يقرأ في المكان الذي ألفه ولطالما التقى جمهوره الأدبي فيه. ذلك في أمسية شارك فيها الشاعر العماني المترحل، زهير الغافري و الشاعر السعودي إبراهيم الحسين. المرأة سجلت وجودها الشعري من خلال صوت وحيد هو للشاعرة الإماراتية ميسون صقر القاسمي في الأمسية الثانية التي ضمت، الشاعر التونسي شوقي العنيزي والشاعر المصري عصام خليل إلى جوار الشاعرين السعوديين غسان الخنيزي وعبد الله الناصر. غير أن الأمسية الأخيرة، كانت بحق، مسك الختام، مع الشاعرين السعوديين محمد الحرز وصالح زمانان القادم من نجران، بأسلوبه المسرحي المدهش في الإلقاء، وبلكنته البدوية التي لم تخفها فصاحته وهو يلوح بيده، متعجباً: «كلما نظرتُ لنافورةٍ، شعرتُ بالغصة، مسكين هذا الماء، أبديّ الملل». ومن لبنان قرأ الشاعر فيديل سبيتي بينما قرأ الشاعر الكويتي محمد النبهان مجموعة قصائد حب، غير أن التراجيديا الشعرية، كانت مع الشاعر السوري، هاني نديم والذي قرأ مقاطع شعرية عبرت عن مأساة الفنان والكاتب والإنسان السوري في الحرب الطاحنة منذ سنوات، يقول نديم في واحدة من أبدع مقاطعه: «الصديق الذي اقترضتُ لأقرضه، اشترى بمالي خنجراً وذبحني أول الوسم؛ المرأة التي سرقت مال أخي لأهديها خاتماً، قطعت أصابعها وأولمت لحبيبها، والبلاد التي حفظناها عن ظهر قلب، قهراً قهراً، وأغنيةً أغنيةً لم تحفظنا عن ظهر حرب، وكنا ندعو الله أن وهب لنا امرأة تغفو على النافذة إن أخذنا رفاق السوء إلى الحانة أو ضيعتنا الدروب ووطناً بغيمتين وانتصارين حتى نرتل النشيد الوطني ونحيي العلم كل صباح وحين جاء، أعطانا امرأة جننتنا على النوافذ إذ كانت في الغياب ومثلما أردنا أعطانا وطناً إنما بانتصار يتيم في حرب أهلية... وعلمين!».

خاتمة المهرجان كانت المفاجأة عندما أُعلن فوز مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام الشاعر أحمد الملا بجائزة الشاعر السعودي محمد الثبيتي وذلك عن مجمل نتاجه الشعري ودوره الثقافي، وهو الدور الذي أثبت فيه الملاّ قدرة استثنائية في خلق عوالم ثقافية حقيقية دون دعم كبير. فقط بالاستناد على حماس جمهور ومجتمع الثقافة السعودي في المنطقة الشرقية، من أجل إنجاح مهرجانات وفعاليات لعل مهرجان بيت الشعر الأول، نموذجها الأبرز، حتى الآن.