جلس عجوزٌ حكيمٌ على ضفة نهرٍ فلمح قطاً يتخبط في الماء محاولاً إنقاذ نفسه من الغرق، فقرر الحكيم إنقاذه. مدّ له يده فخمشه القط وسحب الرجل يده صارخاً من شدّة الألم، ولكن لم تمضِ سوى دقيقةٍ واحدةٍ حتى مدّ يده ثانية لينقذه، فخربشه القط، وسحب يده مرة أخرى صارخاً من الالم. وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة، وكان يجلس على مقربة منه رجل فصاح به: أيها الحكيم، ألم تتعظ من المرة الأولى ولا من الثانية، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة؟
لم يأبه الحكيم لكلام الرجل، وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ القط، ثم مشى الحكيم باتجاه ذلك الرجل وربّت على كتفه قائلاً: يا بني، من طبع القط أن يخمش من يقترب منه، ومن طبعي أنا أن أُحب وأعطف؛ فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟!
يا بني: عامل الناس بطبعك لا بطبعهم، مهما كانوا ومهما تعددت تصرفاتهم التي تجرحك وتؤلمك في بعض الأحيان، ولا تأبه لتلك الأصوات التي تعتلي طالبةً منك أن تترك صفاتك الحسنة لمجرد أن الطرف الآخر لا يستحق تصرفك النبيل أو لا يستجيب له، وعندما تعيش لتسعد الآخرين سيبعث الله لك من يعيش ليُسعدك (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وكن جميل الخلق تهواك القلوب، فلا تندم على لحظات أسعدت بها أحدا حتى وإن لم يكن يستحق ذلك.
في حياتنا كثيرٌ من المواقف التي تمر كموقف هذا الحكيم مع القط، ولكنها لا تحدث مع قطط أو حيوانات بل مع بني البشر، وإن تغيرت الشخوص فإن الأمر واحد؛ إذ هناك من يحاول أحياناً إلحاق الضرر بك حين تحاول أن ترشده لخيرٍ ينتظره، أو لجمالٍ في نفسه كان غافلاً عنه ولا يعمل به، فيغضب ويتصرف معك بعدوانية ويحاول إلحاق الأذى بك باعتبارك عدوا لا صديق، يلومك على نصحك، وتثور ثائرته على حبك له، ربما لشعوره بالنقص أحياناً أو لشعوره بعدم صدقك فيما قدمت له. في حين يبدو آخر أليفاً محباً وأنت تقدم له المساعدة وما يلبث أن يطعنك في ظهرك وأنت غافل عن أذاه غير متوقع لما سيحدث منه وهو الأمر الأشد إيلاماً ووطأة على النفس.
مرّت بنا جميعاً قصص الجحود التي تكسر أرواحنا أحياناً ولا نستطيع تفسيرها مهما حاولنا استيعابها. قصصٌ متتاليةٌ ومختلفةٌ البطل فيها واحد: صديقٌ أو قريبٌ لم يثمر الجميل في عينه فغلبه طبعه السيئ، وآثر أن يجزي الحسنة بالسيئة، في حين كانت هذه المواقف والجمائل الخيرة التي يقدمها بعضنا للآخرين سببا في تغيير حياتهم وطباعهم نحو الأفضل، وكأنهم كانوا بحاجة للاطمئنان إلى أن هنالك من يحبهم ويقدر وجودهم وسيكون بقربهم مهما كانت طباعهم قاسية.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4599 - الجمعة 10 أبريل 2015م الموافق 20 جمادى الآخرة 1436هـ
اريد
اريد اسئل عن هؤلاء الناس الي خرجو بسياراتهم وهم يتشمتون على اخوانهم عند ضرب الدوار ماذا استفادو من الي فعلووه حصلو على ماربهم وهم الى الان يصيحون من الفقر ومن الاجانب الي ساكنين وياهم الله سبحانه مايضرب بالعصاء كما تدين تدان وبعد اقول اليهم الله يهديهم وفتح عينهم على الحقيقة والله ينصر الحق
مقال جميل كالعادة
صاحبة القلم المبدع لقد غدى مقالك في صحيفتنا الرائدة أشبه بطبقة الكريمة تعلو كعكة شهية، هذه الحكمة المذكورة في المقال حاولت تطبيقها على من .......في مارس 2011 ولكن لم يستطع قلبي تحمل ذلك!! البعض كل ما أحسنت إليه ازداد غيا و استهتارا
احسنتِ
بارك الله فيكِ
اي والله
ذكرتني بمصاب البحرين 2011 وكيفيه رد الجميل اليها برغم مافعلته لهم من جميل ردوه اليها بالاساءه
صباح يشدو بالإحسان !
حقّا مقال يضىء ركنا من النفس تلك التي تأخذها العزّة أحيانا كثيرة فتأنَف من الحنوّ على غيرها من النفوس التي تلقى الجسنة بأسوأ منها . بل تكشف صراعا يشقّ النفس الواحدة في جانبيها المضيء و المظلم، هذا يريدها قاسية ، لا ترتضي سوى السنّ بالسنّ مبدأ لها ، و ذاك يريدها أن تجنح إلى الرحمة ، لا فقط لأنّ الآخر يستحقّ هذه المجاهدة ، بل لأنها لا تريد مفارقة شموخها ، و التنازل عن سماحتَها ، لأنّ الخلق الأسود لا يليق بها ، مصداقا لقول الشاعر : ملأى السنابل تنحني بتواضع * والفارغات رؤوسهن شوامخ .