تتجه اليمن اليوم بسرعة نحو الفوضى الشاملة، أو بتعبير كوندي «الفوضى الخلاقة». هل ذلك لأن شعب اليمن من الشياطين أو الفوضويين؟ أم لأن اليمن فقير وأهله جائعون، ولذلك يتقاتلون على اللقمة؟ أم لأن شعب اليمن قبلي والشعوب العربية الأخرى متحضرة ومتمدنة؟ هل وهل وهل... وكثير من التنظيرات والاتهامات تساق بحق اليمن وأهله، وكثير من الاتهامات كذلك تساق بحق الأطراف المشتبكة في اليمن، السعودية وإيران، وأميركا إلى آخر القائمة.
لا أدّعي الحكمة عندما أحاول أن أفكّك ما يعتبر «اللغز اليمني»، وأحاول جاهداً تحليل الأزمة ومحاولة فهمها. والحقيقة أن ما آل إليه اليمن من فوضى نشهدها اليوم هو مسئولية النخبة الحاكمة في شطري اليمن، الشمال والجنوب، والنخبة الحاكمة في دولة الوحدة، بدءًا من مايو/ أيار 1990، والنخب السياسية في السلطة والمعارضة على السواء، وبالطبع النخب الثقافية، وإلا لما تحولت الوحدة اليمنية التي تحققت بإجماع شعبي وسياسي في مايو 1990، والتي كانت محل آمال اليمنيين ببناء دولة السلم والرفاهية والديمقراطية بعد طول احتراب، إلى كابوس، لتنتهي بحرب أهلية في (فبراير/ شباط 2004)؛ لتنتهي باستباحة عدن من قبل جيش علي عبدالله صالح وميليشيات الإسلامويين فيما يُعرف يمنيًّا «بالفيد»، ولتدشن مرحلة من الانقسام العميق بين أبناء الوطن الواحد، وحقبة سوداء من الحكم الاستبدادي الفاسد.
وهبت رياح الربيع العربي لتعيد الاعتبار إلى المواطن العادي، والشباب المخلص، والنخب الثقافية ذات الضمير الحي، ولتطلق حراكاً شعبيّاً سلميّاً، وحّد المواطنين اليمنيين بمختلف مناطقهم وقبائلهم ومذاهبهم وانتماءاتهم. وعلى رغم قسوة نظام صالح فإن المنتفضين تمسّكوا بالسلمية، وقد زرت ساحة التغيير أمام البوابة الرئيسية لجامعة صنعاء، وخبرت هذا الحراك، وتناقشت مليّاً مع قادته من الشباب. بل إن أحد القادة القبليين خاطب الشباب بأريحية بقوله: «إنني أتخلّى منذ اليوم عن لقب شيخ، وما أنا إلا واحدٌ منكم»، وعانق مواطناً من أصل أفريقي، من الذين يطلق عليهم «الأخدام» احتقاراً لهم، وقد دمعت عيني وأنا أرى هذا المشهد الذي ينبئ بحقبة واعدة لليمن السعيد. لكن تكالبت كل القوى لإجهاض هذا الحراك وانتصار الثورة السلمية وإحداث تغيير ديمقراطي حقيقي.
المبادرة الخليجية، وفرَّت الحصانة إلى صالح وأهله وأعوانه، بل وحقّه في ممارسة العمل السياسي على رأس حزب المؤتمر الشعبي، وقيادته الفعلية هو وأبناؤه للحرس الجمهوري، القوة الضاربة في القوات المسلحة اليمنية، والأمن المركزي، القوة الضاربة في منظومة الأمن اليمني، وهو اليوم بالتحالف مع الحوثيين يقود عملية هدم الدولة اليمنية وتفكيكها وإسقاط المناطق واحدة تلو أخرى، انتهاءً باستباحة عدن. وما كان تنازله عن الرئاسة لنائبه عبدربه منصور، إلا استمراراً للنخبة نفسها في السلطة، وهو الذي لم يخرج من جلباب صالح.
أما المعارضة والتي ظلت تطرح شعارات الإصلاح الشامل والنزاهة، فقد اعتبرت مشاركتها في الحكومة برئاسة سالم باسندوه، رئيس أضعف تنظيم في المعارضة «حزب أبناء اليمن»، وهو الذي كان سابقاً «حزب أبناء الجنوب» الانفصالي، فرصة لتقاسم الغنائم، ولذلك ظلت الحكومة عاجزةً عن الحكم الفعلي، ما فاقم من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية، في الوقت الذي لم تترافق فيه المبادرة الخليجية بمشروع مارشال خليجي ينتشل اليمن من أزمته الاقتصادية والاجتماعية.
أما الخطيئة الثانية للنخبة السياسية، فهي تحويل الحوار الوطني إلى «حوار طرشان» ومبارزة للظهور والمزايدات وعدم تحمل المسئولية، بحيث استغرق الحوار أكثر من سنتين بدلاً من سنة، وانتهت فترة تفويض الرئيس المنتخب والمرشح لوحده عبدربه منصور هادي، وظل البرلمان الكسيح مستمراً على رغم انتهاء صلاحيته منذ ست سنوات.
كما جرى للحوار الذي خرج بمخرجات كانت محل توافق على رغم علاتها، حيث إن مندوبي الحوثيين والحراك الجنوبي تنصلوا من النتائج على رغم مشاركتهم في الحوار، فلم تدافع القوى السياسية الأغلبية عنها، كذلك الأمر بالنسبة إلى الدستور التوافقي، الذي صاغته لجنة مستشاري الرئيس، وعلى رغم علاته تنصل منه الحوثيون والحراك الجنوبي أيضاً. وعلى رغم ذلك فقد عدّل مشروع الدستور وصيغت وثيقة السلم والشراكة لإرضاء الحوثيين، الذين انفتحت شهيتهم على السلطة، بالتحالف مع الرئيس السابق (صالح)، ليستولوا على المناطق اليمنية انطلاقاً من صعدة في أقصى الشمال حتى الاستيلاء على الدولة في العاصمة صنعاء، والإطاحة بكل البنية القيادية من رئيس ومجلس وزراء وبرلمان وترتيبات المرحلة الانتقالية من منتجات حوار ودستور ووثيقة السلم والشراكة، وليواصلوا استيلاءهم على مختلف المناطق حتى وصلوا إلى الجنوب، وهنا بدأ الاصطدام بقوى الحراك الجنوبي عسكرياً، وشرعية الرئاسة بانتقال الرئيس هادي إلى عدن بعد أن أفلت من قبضة الحوثيين، وتمسك النظام العربي والدولي به.
إذاً، فالنخبة السياسية والثقافية هي المسئولة عن هذا الانحدار، وفي مقدمتهم حزب المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك والحوثيون والحراك الجنوبي. ثم نأتي لمسئولية الدول الإقليمية على جانبي الخليج، حيث كان همهم تأمين النفوذ وليس إنقاذ بلدٍ يغرق، وهكذا بادر مجلس التعاون باستثناء عمان، إلى التدخل العسكري لإنقاذ نفوذه في مواجهة ما اعتبروه استيلاء إيرانياً على اليمن في ظل الحوثيين، في ظل تفكك الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، لينفتح المجال واسعاً أمام تفكك البلاد، ورجوعها إلى مكوناتها القبلية والجهوية، وتحل الميلشيات محل جيش الدولة وأمنها، لتتصارع على النفوذ، حيث ستسيطر القاعدة على حضرموت والمهرة بتحالف قبلي، فيما ستصارع ميلشيات القبائل وصالح والحوثيين والحراك الجنوبي على الباقي.
يمكن لحرب التحالف الجوية، أن تضعف القوة والبنية العسكرية والأمنية لتحالف الحوثي/ صالح، لكنها لا يمكن أن تفرض سلطة عسكرية أمنية مركزية بقيادة ما تعتبره قيادة شرعية ممثلة في الرئيس هادي، وحكومة التوافق، وتوافق المؤتمر واللقاء المشترك. فقد انهار كل ذلك، واليمن في طريقه ليصبح على غرار ليبيا، مشرذماً إلى مناطق نفوذ للقبائل والميليشيات.
اليمن بحاجةٍ أولاً إلى إدراك ما تبقى من قواه السياسية، بمن فيهم المؤتمر واللقاء والحوثيون والحراك الجنوبي، بأنه لا يمكن عسكرة العمل السياسي، ولا حكم أية قوة منفردة، وبالتالي تخلّي الحوثيين عن مشروعهم، ونزع الحصانة من صالح وإخراجه من اليمن. ونهوض حزب المؤتمر وتحالف أحزاب اللقاء المشترك، والحراك الجنوبي بمسئوليتهم وواقعيتهم ووضع مصلحة اليمن قبل مصالحهم، والقبول بدولة فيدرالية ديمقراطية كأهون الشرور.
وهذا يقتضي بالطبع بعد هذه القناعة إيقاف الحرب فوراً، حرب الداخل وحرب الخارج، وبدلاً من الصراع الإقليمي، فالمطلوب التوافق الإقليمي بين مجلس التعاون وإيران ودعم المجتمع الدولي ليس فقط للتسوية، بل لإعادة إعمار اليمن وإنهاضه اقتصادياً، ويمكن لسلطنة عمان التي لم تدخل في النزاع أن تحتضن الحوار الوطني اليمني برعاية إقليمية ودولية، وإلا فدون ذلك الخراب الشامل.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4599 - الجمعة 10 أبريل 2015م الموافق 20 جمادى الآخرة 1436هـ
من التالي؟
كلام واقعي ولكن للأسف كل المتدخلون في الشأن اليمني لا يعنيهم سوى مصالحهم.
الموضوع الأساسي هو أن يكون اليمن ساحة لتصفية الحسابات لكن
سينتصر الشعب اليمني لتحقيق تطلعاته في الإستقلال من التبعية،الأيام بيننا.
الخارج هو المتسبب في ما يحث لليمن
لم يتطرق الكاتب الى الدور السلبي الذي ممارسة الخارج. حيث حمل مسئولية كل ما حدث الى الأحزاب اليمنية وهذا ظلم واضح لهذه الأحزاب. من الواضح ان التدخل الخارجي ومحاولة فرض الهيمنة على القرار السيادي اليمني بتنصيب رئيس ضعيف الشخصية كان له دور كبير في ما وصل اليه اليمن من تشردم. ثم لماذا الحرب ؟ بلد تعاني من أزمات داخلية تتوالد بشكل يومي. هل الحرب عليها سيحل المشكلة ام سيزيدها طحناً؟
لقد اعلنوها صراحة
انها ليست حربا سياسية بل هي حرب من نوع اخر وقد قالها السديس في مكة وقالها ابراهيم الفارسي في جامعاتهم و غيرهما كثيرون اعلنوها صراحة انها ليست حرب سياسية او من اجل اعادة الشرعية كما يدعي اعلامهم الكاذب بل حتى ان جزءا كبيرا من اعلامهم اعلن صراحة وهذا . ما يعجبني فيهم انهم صريحون .... . ماذا لو ان الشيخ العصفور او حسن الصفار او الغريفي القى خطبة السديس معكوسة ؟ وقد راينا مصير النمر من قبل .