العوامل المؤثرة في بناء السلوك البشري الرشيد في العلاقة مع النظم البيئية متنوعة من حيث تأثيرها في مقاومة الأنشطة السلبية مع مكونات النظام البيئي، ويتداخل ذلك الأثر مع فعل الأدوات المتداخلة في منهجيات تكوينها، القانونية والإدارية والبرامجية، في الحد من السلوك البيئي غير الرشيد وتحسينه والارتقاء بمفاهيمه في العلاقة مع مكونات النظم البيئية.
حزام الخطر المتمثل في الأنشطة غير الرشيدة المتواترة والمتصاعدة آثاره السلبية على واقع النظام البيئي، والتي تسببت في تدهور المعالم البيئية وفقدان العديد من المجتمعات المواقع الطبيعية، المصدر الرئيس لحياة مجتمعاتها المحلية، حفّز الوعي المجتمعي وساهم في تفعيل الحراك الاجتماعي للبحث عن بدائل تضمن توفير الضمانات المستدامة لصون حقوق الأجيال البيئية، وأثمر ذلك الحراك عن بروز حركة بيئية واعية ارتكزت في نهج خططها على الأهداف المؤسسة والموجهة في العمل على جمع المال وشراء المواقع البيئية الحيوية للمجتمع، واستعادة المواقع الطبيعية الاستراتيجية التي جرى السطو عليها من المتنفذين وملاك العقارات، وبالأخص منها تلك غير المنتفع بها للصالح الاجتماعي.
وتمثلت بوادر ذلك السلوك البشري المسئول في تثبيت مبدأ الإرث الإنساني المشترك، ضمن منظومة القواعد القانونية في المشروع الدولي البيئي، ودفع الجماعات البيئية في بعض البلدان إلى تبني أهداف العمل الموجّه لاعتماد النهج القانوني الذي يجيز مصادرة المواقع الطبيعية غير المستثمرة في جوهر أغراضها الطبيعية وتبني نظام الوقف البيئي.
السلوك البشري القويم يؤُسس في جوهره على قيم ومبادئ الإرث التاريخي والحق الإنساني ومبادئ المسئولية في استثمار الموارد البيئية، التي هي جزء أصيل في منظومة السلوك البشري الرشيد الموجّه للحفاظ على معالم النظام البيئي وصون بقائها كثروة مهمة، ومقوم استراتيجي لبقاء وتطور المجتمع البشري على كوكب الأرض. ويتجسد ذلك في المبدأ (1) من وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية المنعقد في ستوكهولم 1972 الذي يؤكد على أن «للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة وفي ظروف عيش مناسبة في بيئة تسمح نوعيتها بالحياة في ظل الكرامة وبتحقيق الرفاه، وهو يتحمل مسئولية رسمية تتمثل في حماية البيئة والنهوض بها من أجل الجيل الحاضر والأجيال المقبلة».
ويمثل ذلك جوهر أهداف التنمية المستدامة التي جرى التأكيد بشأنها في المبدأ (8) والإشارة في جوهره إلى اتفاق المجتمع الدولي في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المعقود في ريو دي جانيرو بالبرازيل العام 1992، على أن «حماية البيئة، والتنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، هي الأركان الثلاثة المترابطة للتنمية المستدامة».
المسئولية والالتزام في تعزيز التدابير والإجراءات الهادفة لتعزيز خطط العمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تعكس وعي المجتمع والدول للمخاطر التي يتسببها السلوك البشري غير الرشيد في تدهور النظام البيئي لكوكب الأرض، وتراجع الخطط الموجهة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وذلك ما جعله يؤكد على أهمية المسئولية المشتركة في التغيير البيئي. ويتجسد ذلك في ما يجري التأكيد عليه في المبدأ (3) في وثيقة مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدام، جوهانسبرغ (2002) حيث يشير إلى أن المجتمع الدولي «يتحمل مسئولية مشتركة عن تعزيز وتدعيم الأركان الثلاثة المترابطة المتمثلة في حماية البيئة والتنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية». ويعزز ذلك التوجه في ما يؤكده المبدأ (18) من الوثيقة ذاتها الذي يبين موقف الدول مجتمعة، وتعبّر عن موقفها في المبدأ بالقول «إن لدينا جميعاً شعوراً مشتركاً بأنه لابد لنا من أن نغيّر الطريقة التي نسير بها شئوننا كبشر على هذا الكوكب».
وتعزيزاً لذلك النهج يؤكّد المبدأ (44) على الفهم المشترك في إنجاز أهداف ذلك التوجه، حيث تؤكد الدول: «نحن متفقون على ضرورة حماية واستعادة سلامة النظام الإيكولوجي لكوكبنا، مع التشديد بصفة خاصة على صون التنوع البيولوجي، والعمليات الطبيعية التي يعتمد عليها استمرار الحياة على الأرض».
الفهم المشترك بضرورة إحداث تحول نوعي في السلوك البشري مع النظم البيئية، تؤكده مبادئ مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20)، كما يعكسه المبدأ (3): «تقر الدول بالحاجة إلى مواصلة تعميم مراعاة التنمية المستدامة في المستويات كافة من خلال تحقيق التكامل بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإقرار بالصلات المتبادلة بينها، وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها جميعاً».
كما أن المبدأ (39) يؤكد بأن المجتمع الدولي يسلم بأن «كوكب الأرض ونظمه الإيكولوجية هي بيتنا، وأن أمنا الأرض تعبير شائع في عدد من البلدان والمناطق، ونلاحظ أن بعض البلدان تعترف بحقوق الطبيعة في سياق تعزيز التنمية المستدامة. ونعرب عن اقتناعنا بأنه لتحقيق توازن عادل بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للأجيال الحاضرة والمقبلة، يلزم تعزيز الوئام مع الطبيعة». وبالاتساق مع ذلك يدعو المجتمع الدولي في المبدأ (40) إلى «اتباع نهج شمولي ومتكامل في التنمية المستدامة تسترشد بها الإنسانية من أجل العيش في وئام مع الطبيعة، وتفضي إلى بذل جهود لاستعادة عافية النظام الإيكولوجي للأرض وسلامته».
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4598 - الخميس 09 أبريل 2015م الموافق 19 جمادى الآخرة 1436هـ