كان الوقت صباحا، والحرارة لا تزال في طور ارتفاعها! ومهما يكن، فإن اشعة الشمس الحارة، جعلت من الجولة التي قمنا بها برفقة الحاج أحمد ضيف، وكأنها من البرودة واللطافة بحيث أعادت ذكريات السباحة صيفا في عين «عليوه» أو في البئر «الفقب» أيام الطفولة والشباب، ولعلها - أي تلك الذكريات - كانت ممتدة حتى عقدي السبعينيات والثمانينيات، ولهذا يدرك الكثير من أهل القرية، قرية المرخ، أن قريتهم هي القرية الوحيدة التي كانت تحوي كهوف الماء الأرضية كظاهرة جيولوجية مثيرة.
ليس من السهل الوصول إلى مواقع الآبار، ومن تحتها الكهوف، وخصوصا تلك القابعة في بستان (الشيخ) أو التي صارت ضمن أملاك خاصة، لكن يمكن رؤية فوهة أحد الآبار، عند مدخل ملك خاص وقد بدا في شكل بئر حديث مشيد بالصخور، ولربما أصبح شكله قريبا للنافورة المواجهة لبوابة الحدائق.
وجولتنا مع الحاج أحمد ضيف، سبقتها جولة أيضا عبر الشبكة العالمية، فموسوعة «ويكيبيديا» تقدم شرحا لكل من يريد أن يعرف قرية «المرخ» البحرينية، فهي إحدى القرى التي تقع على امتداد شارع البديع، يحدها من الشمال شارع البديع وقرية الدراز، ومن الشرق شارع سار ومقابة، ومن الغرب قرية بني جمرة وقرية القرَيّة، ومن الجنوب سار، وهي قرية قديمة تاريخيا، ويشهد على ذلك وجود عين «أبو عليوه»، ويعتقد بأنها تعود إلى الفترة الدلمونية، على الرغم من اشتهار البحرين بالعيون إلا أن عين «أبو عليوه» تعتبر فريدة من نوعها، حيث إنها تقع تحت الأرض، ولها عدة مداخل آخرها تم هدمه، وقد خرج أهالي القرية في اعتصامات تدعو إلى حماية آخر منفذ إلى العين، إلا أنها لم تثمر إلا عن زيارات متفرقة لبعض الباحثين ومن دون أي تحرك جِدِّيّ.
اشتهر أهالي المرخ بالزراعة، ولكن هذه المهنة اندثرت من بعد اكتشاف النفط في البحرين، وتحولت معظم المزارع إلى مجمعات سكنية.
المرخ قرية وادعة، تقبع عند ذلك الشارع المليء بالقرى العريقة التي يضاهي تاريخها آلاف السنين... وهي تقع في الشمال الغربي حالها حال القرى الشمالية العريقة بنضالها وتاريخها واقتصادها المعتمد على الزراعة في السابق.
يطلق اسم «المرخ» على موقعين في البحرين، الأول يقع جنوب غرب البلاد، وهو المنطقة التي تقع فيها محمية العرين، لكنها منطقة غير مأهولة كما يعرف الكثير من الناس، وهي ذات طبيعة عشبية كما تشير الى ذلك خريطة البحرين الطبيعية، أما الموقع الثاني، فيقع شمال غرب البحرين وهو موقع قرية المرخ على شاريع البديع، وتتميز في السابق بنفس الميزات الطبيعية (العشبية) الشبيهة بمنطقة محمية العرين.
ووفقا لكتيب (المرخ... بين الماضي والحاضر)، وهو من إصدارات اللجنة الثقافية بصندوق المرخ الخيري، فإن سبب تسمية القرية يعود إلى أن «المرخ» هو اسم لرجل بدوي كان أول من سكن المنطقة واستقر فيها وأسس نواة المجتمع المرخي الأولي في أزمنة غابرة منذ أمد بعيد، لما رآه في هذه الأرض من موقع مميز وقابلية للزراعة حيث التربة الصالحة والمياه والزراعة، وحيثما وجدت الزراعة وجد الاستقرار، فكان ذلك من عوامل جذب العوائل الأخرى التي قطنت بجانب هذا الرجل وعائلته.
في حين يؤكد آخرون، وهو الشائع والأقرب، أن «المرخ» اسم لشجر بري لا ينبت إلا في مناطق خاصة، يستفيد منه الناس قديما لإشعال النار للتدفئة وللطبخ، وكان هذا الشجر متوافرا بكثرة في هذه المنطقة إلى أن اصبحت قرية تسكنها عوائل محددة ارتبطت في بداية أمرها بالمكان فقط، ويذكر بعض كبار السن من أهل القرية والقرى المجاورة (ومنهم السيدإبراهيم السيدهاشم)، أن هذا الشجر البري «المرخ» كانت له بقايا لمدة ليست بعيدة في أطراف القرية، وفي محيط المزارع الخاصة بأهل القرية قبل أن يجرف المد العمراني المتسارع كل هذه البقايا، بل إنه لم يبق للفلاحين من مزارعهم باقية.
وهناك رأي آخر يقول إن منشأ قرية المرخ يعود إلى أن أهالي القرية مارسوا قديما مهنة المَراخ (المساج أو التدليك)، وهناك رأي آخر يرجع التسمية إلى ما تميزت به أرض القرية من أنها أرض زراعية رملية، فعندما تسقط الأمطار فيها تكون هذه الأرض بمثابة مخزن مائي وهو الأمر الذي أدى لإطلاق كلمة (المرح) عليها ثم حرفت لتكون المرخ. ورأي يورد رواية أخرى، وهي أن القرية اشتهرت بنبات يطلق عليه المرخ كما يؤكد بأن هذا النبات يكاد يكون الوحيد السائد في القرية.
تتميز قرية المرخ عن باقي القرى الأخرى بميزة وجود (السادة) الذين يشكلون غالبية سكانها، وهي ذات الميزة الموجودة في قَرْيَة (القرَيَّة) لكن بدرجة أقل، ويروي الأجداد أنه عندما كان أحد طلاب الحوزة في الدراز - وكان ممن ينتسب للإمام موسى الكاظم - يمر يوميا على أرض المرخ، وكانت فيها خيمة لبدوي مع زوجته وابنته، وكان يسقونه الماء في مروره، حتى جاء في يوم من الأيام طالبا يد بنت البدوي، وكان من عامة الناس وتزوج بها وسكن المرخ، كانت المرخ في السابق تحيط بها مجموعة من المزارع التي تعتمد على المياه العذبة ومن أهمها عين عليوه، وكانت هذه العين من الطول بمكان حتى أنها تسقي الكثير من القرى، وكان سكان القريّة والمرخ وغيرهما يستخدمونها للأغراض المعيشية في السابق، واستمر الحال في استخدامها في الزراعة حتى جاءت الثورة العمرانية واكتسحت المناطق الزراعية المحيطة وجرفت معها أرض العيون وهي في طريقها للاندثار، ولعل هذا الكلام يثني عليه السيدإبراهيم السيدهاشم، من أهالي قرية بني جمرة، لكن التقيناه أثناء جولتنا في قرية المرخ قادما لتقديم التعازي في وفاة أحد معارفه.
من الميزات الاجتماعية للقرْية، أنها أكثر القرى تماسكا واطلاعا على حال الأفراد فرداَ فردا، ودلالة على ذلك أن الأفراح والأحزان مشتركة بين أهل المرخ بدرجة ليس لها مثيل في باقي القرى، أما من حيث سن الزواج فإنه يكون قليلا جدا حتى يصل إلى 23 سنة، إن لم يكن أقل من ذلك. ويتميز الحال الاقتصادي لدى العوائل بأنه في الأغلب الأعم متوسط، ولا تشكل نسبة الطبقة الثرية نسبة تُذكر في قرية المرخ، ومن الناحية الدينية يوجد في القرية مأتم للرجال وآخر خاص لإحدى العوائل، ومأتم للنساء. وتم مؤخرا تحديد أرض سيقام عليها مأتم للرجال وسيتم إعطاء النساء المأتم الحالي، علما بأن هذا المأتم مناسب جدا لإقامة حفلات الزواج وخاصة للنساء، وقد أقيمت فيه عدة حفلات زواج للقرى المجاورة، أما المساجد ففيها مسجدان شمالي وجنوبي وتقام في أحدهما ليلا صلاة الجماعة، أما ليلة الاربعاء فتقام الصلاة جماعتين، أما يوم الجمعة فإن أغلب أهالي القرية يتوجهون للصلاة في جامع الإمام الصادق بإمامة العلامة الشيخ عيسى قاسم.
ومن الناحية الاجتماعية، يوجد في القَرْية صندوق خيري له طموحات كبيرة على رغم صغر سنه، ولهذا يرى عضو لجنة الأنشطة في الصندوق سيدأنور سيدمحفوظ أن الصندوق يسعى في فترة الصيف إلى تكثيف الأنشطة الترفيهية في هذه الفترة الصيفية، وفي فترة العام الدراسي تكون الأنشطة تعليمية، وهناك لجان ثانية تنشط في الصيف، ويقوم رئيس لجنة الأنشطة حسين سيدتقي، بوضع خطة العمل والأنشطة التي تهم القَرْية ويساهم كل الأعضاء في تنفيذها من أجل خدمة أهالي القَرْية بكل فئاتهم، والصندوق يتابع الأسر المحتاجة، وحتى المساعدات التي ترد من خارج القرْية، يتولى الصندوق عملية توزيعها على الأسر المحتاجة.
والخدمات في القَرية، كما يقول سيدأنور «تتطلب متابعة مستمرة وخصوصا بعد الانتهاء من العمل بشبكة المجاري، هناك مركز شبابي رياضي يحتاج إلى ملعب وليس هذا الأمر متوافرا، وقد رفعنا الأمر مرارا، وهناك مساحة لملعب، وقد تم النظر فيه من خلال عضو المجلس البلدي عبدالغني عبدالعزيز لكن المشروع في حاجة إلى إكمال، والخدمات في القرية صغيرة، وإذا تحدثنا عن إنارة المقابر على سبيل المثال أو تطويرها، فشملت القرى المجاورة، لكنها لم تشمل قرية المرخ».
أما بالنسبة إلى مدخل القَرية، فهناك حاجة إلى رصيف ينظم ويضبط الرؤية التي يتسبب وجود الكراجات في حجبها، وكذلك تغيير مداخل ورش السيارات (الكراجات) من الجهة الخلفية، ويتطلع الأهالي إلى مدخل آخر للقرية، ولهذا، فإن العضو عبدالغني عبدالعزيز يشير إلى أن هناك برنامجا لتطوير مدخل القرية بالتعاون مع الطرق بوزارة الأشغال وقد بدأ العمل فعليا بتعديل الأرصفة الواقعة بمحاذاة الطريق الرئيسي، وسيتبع هذه الخطوة، تهيئة الأرصفة لتكون مواقف للسيارات ومعدة لورش تصليح السيارات في الجهة الغربية من الشارع، الذي يحتوي عددا كبيرا من الورش، لضمان انسيابية حركة المرور من المدخل إلى داخل القرية.
لا يعرف الكثير من المواطنين والمقيمين أن هذه القرية كانت تضم في السابق كهوفا مائية فريدة من نوعها، وهي قرية تاريخية أيضا، فبها موقع المرخ الأثري الذي تدل بقايا الأدوات الحجرية الخشنة وكسرها وشظاياها المصنوعة من الصوان والتي عثر عليها الباحثون في مواقع من المنطقة الجنوبية الغربية، وخاصة في موقع المرخ، على باكورة سكنى الإنسان، الصياد (جامع القوت) لهذه المنطقة منذ العصر الحجري الحديث (الألف السادس قبل الميلاد) على الأقل. والحياة التي كان سكان المرخ يعيشونها، فهي أنهم كانوا يعتمدون في حياتهم اليومية على صيد الأسماك والحيوانات من مناطق أخرى، وتشهد بذلك كميات كبيرة من عظام الأسماك والقواقع البحرية التي عثر عليها من جانب إحدى البعثات المنقبة في موقع المرخ.
وفي القرية أيضا قنوات مائية أشبه بالمغارة أو الكهف، ووفقا لبحث كتبه العضو المؤسس لملتقى المعامير جاسم حسين، فهذه القنوات عبارة عن إحدى طرق الري القديمة في البحرين وهذه الطريقة يطلق عليها منذ القدم (الثقب)، حيث كان أهل البحرين والكثير من الدول قديما يحفرون بعض القنوات المائية وتكون كالغرف تحت الأرض، وتمتد منها فتحة إلى سطح الأرض كالبئر وبعضها يتم تسقيفه بمسطحات صخرية تستخرج من البحر، هذا النوع من القنوات المائية أو الثقوب المائية منتشرة في المناطق الزراعية في البحرين، ويوجد مثلها العديد في منطقة كرزكان والدراز والعكر وسائر مناطق البحرين، ولكن ثقب قرية المرخ يعتبر من أكبرها مساحة تقريبا ويشبه المغارات الطبيعية وتتوسطه اسطوانة صخرية ويقال إنه في الماضي كان يحوي ممرات تمتد من المرخ إلى قرية مقابة أو أبعد من ذلك، ولكن عوامل التعرية والإهمال قلصت مساحته ولكنه بقي يحتفظ بمعالمه العجيبة.
تقع شمال غرب سار وشمال شرق الجنبية وشرق بني جمرة والقرَيَّة، على شارع البديع.
تتكون من ثلاثة مجمعات: 533، 531، 529.
2,15 كيلومتر مربع.
يبلغ عدد سكانها 4948 نسمة، وبالقَرْية مسجدان، 4 مآتم، صندوق خيري، مشتل زراعي.
المهن القديمة في المرخ: صناعة «القيطان» وهو مجموعة من الخيوط الصغيرة وطولها نحو 8 إلى 10 سم، من الحرير أو الإبريسم الأسود، وهي الأصل لونها أبيض، ولكن تصبغ باللون الأسود، وتوضع في ذيل السروال الذي ترتديه نساء وبنات ذلك الزمن، ويصبح مثل (الكركوشة).
وأشهر من عمل في هذه المهنة السيدقاسم السيدمحمد وساعده في هذه المهنة ابنه السيدمحمد (رحمهما الله)، والمثير في هذه المهنة أن الطلبيات تعدت حدود المرخ والبحرين فصار القيطان مطلوب من أهالي القطيف والإحساء على رغم صعوبة المواصلات في ذلك الوقت، أما بالنسبة إلى الزراعة والغوص، فلأن المرخ غير واقعة بالقرب من الساحل، ولوجود التربة الزراعية، فإن أغلب الأهالي اتجهوا إلى الزراعة، والقليل منهم اتجه للبحر، وفي الماضي كان أهالي البحرين، يدخلون البحر لاستخراج اللؤلؤ، ويمكث البحارة في البحر لمدة أشهر، وأبرز وأخطر المهن البحرية في ذلك الوقت هي الغوص، ومن أبرز من امتهن هذه المهنة من قرية المرخ هو السيدجواد السيدهاشم رحمه الله.
وبالنسبة إلى بيع المواد الغذائية، فلم يكن في المرخ أي بقالة لبيع المواد الغذائية وعندما يحتاج الأهالي إلى مواد بكمية كبيرة «يشَرْقوا» أي يذهبون للمنامة (لوجود المنامة شرق قرى شارع البديع)، وعلى الرغم من ذلك، فقد اشتهر من أهالي القرى مَنْ عمل في هذه المهنة، وأبرزهم الحاج حسين بن علي والسيدشبير السيدابراهيم رحمهما الله، وقد اشتهر كلاهما بإحياء المناسبات الدينية.
أبرز من وفد على المرخ في الماضي: وفقا لكتيب (المرخ بين الماضي والحاضر) الذي أصدره صندوق المرخ الخيري، فإن آية الله محمد أمين زين الدين (قدس سره)، المشهور لدى أهل البحرين وهو صاحب أشمل رسالة علمية، إذ كان يصلي جمعة في قرية كرزكان عند مجيئه للبحرين من النجف الأشرف، وأبرز محطات زيارته للبحرين هي «قرية المرخ» حيث كان يصلي جماعة في المسجد الشمالي بالقرية، بالإضافة الى ذلك، فإن ملا جاسم نجم الجمري (رحمه الله)، وكان خطيبا بارعا معروفا وهو أكثر خطيب قرأ في المرخ، وهو يقرأ أكثر العادات الحسينية المقامة من قبل الأهالي طوال أيام الأسبوع، وكانت له شعبية كبيرة عند الأهالي، وكان حافظا للقرآن الكريم وشاعرا، إذ يقرأ القرآن طوال اليوم رغم أنه ضرير، وكان سريع النظم في الشعر.
العدد 2492 - الخميس 02 يوليو 2009م الموافق 09 رجب 1430هـ