استضافت تونس الخضراء للمرة الثانية، المنتدى الاجتماعي العالمي خلال الفترة ما بين 24 و28 مارس/ آذار 2015، تقديراً لدورها في تقديم نموذج ناجح للانتقال من نظام حكم استبدادي منذ الاستقلال في 1956 حتى انبلاج ثورة الياسمين في ديسمبر/ كانون الأول 2010، وسبق أن استضافت تونس المنتدى في مارس 2013.

وقد سبق موعد المنتدى هذا العام حدث جلل تمثل في الهجوم الإرهابي على متحف باردو الذي أودى بحياة 22 سائحاً ومرشداً، ما جعل البعض يتخوف من تردد الكثيرين عن المشاركة في المنتدى. لكن اللجنة التسييرية للمنتدى والتي تمثل كبرى الحركات الاجتماعية العالمية، وبالاتفاق مع اللجنة التحضيرية التونسية للمنتدى، قرّرت المضي قدماً في المنتدى، مؤكدةً أن هذا الاعتداء الإرهابي يجب أن يشكل حافزاً للإصرار على عقد المنتدى. وهكذا تدفق على تونس، عاصمة ثورة الياسمين، العشرات من الآلاف وغالبتيهم من الشباب من القارات الخمس، وقد قدر المشاركون في المنتدى بما يتجاوز 80 ألفاً ربعهم على الأقل من خارج تونس.

جرت أعمال المنتدى في جامعة المنار، التي وضعت جميع إمكاناتها لأعمال المنتدى، كما تطوّع الآلاف من الشباب التونسي كمرشدين ومساعدين ومترجمين. والتسجيل في المنتدى رمزي (20 يورو أو دولار)، مقابل وثائق المؤتمر وبطاقة التعريف. كان هناك تخوف من حدوث اختراق إرهابي، ولذا وضعت ولأول مرة، كاشفة أمنية بطاقم من رجال الأمن، لكن لم تكن هناك أي مظاهر مسلحة داخل الحرم الجامعي.

قبل ستة أشهر طلب من المنظمات الاجتماعية والنقابية، أن تتقدّم بطلبات حجز الغرف والقاعات للنشاطات التي تنظمها، وموضوع النشاط واللغة والاحتياجات اللوجستية، وبالفعل فقد انهالت الطلبات على اللجنة المنظمة وبلغ ما أُقرّ منها بحدود 1600 فعالية من ندوات وورش عمل ومحاضرات.

وبالنسبة للمجتمع المدني في البحرين، فقد قادت «الجمعية البحرينية للشفافية» عملية التحضير، وبالفعل تشكل وفد وإن كان صغيراً إلا أنه كان متنوعاً، وتم حجز فعاليتين هما: «الحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، وقدّمها جاسم حسين. و»الفساد في العمل السياسي والأحزاب»، وقدّمها عبدالنبي العكري، وأدار الحوار شرف الموسوي.

وكون الجمعية البحرينية للشفافية عضواً في كل من الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية ومنظمة الراصد الاجتماعي، فقد شاركت أيضاً بمتحدثين ومناقشين في عدد من فعالياتها، ومنها «دور المؤسسات المالية العالمية في التنمية»، والثانية «القوانين الحاكمة لمنظمات المجتمع المدني» والثالثة حول الظروف التي تعمل فيها منظمات المجتمع المدني في البلدان العربية. كما شاركت في عدد من الندوات والورش الأخرى وقد تحدّث في الثانية شرف الموسوي.

لكن المنتدى ليس ندوات فقط، بل شمل نشاطات وتظاهرات متنوعة، فقد قامت العديد من الوفود والمنظمات باستئجار خيم متفاوتة الحجم لإقامة فعاليات خاصة بها، وتشمل ندوات وعروضا فنية، وتوزيع المطبوعات.

وحيث أن وفد البحرين محدود العدد والإمكانات، فقد قدّم الثنائي محمد جواد أغانيه الوطنية فيما عرض علي البزاز لوحاته الكاريكاتورية، فيما أضحى معروفاً بـ «دوار اللؤلؤة» في حرم كلية الحقوق، حيث كان محطة جذب للعديد من المشاركين في المنتدى.

ومما هو جدير بالذكر أن الوفود المشاركة في المنتدى قد اشتركت في مسيرة حاشدة في عصر يوم الافتتاح 24 مارس، حيث انطلقت المسيرة من دوار سعدون عبر شارع الاستقلال حتى متحف باردو، وذلك في تظاهرة لمناهضة الإرهاب ودعم الشعب التونسي في تصديه للإرهاب، ودعم ثورته ومسيرته.

أما المسيرة الثانية فقد كرّست للتضامن مع الشعب الفلسطيني في ذكرى يوم الأرض، وتمت في 28 مارس وانطلقت من ساحة البوعزيزي (الساعة) عبر شارع محمد الخامس وصولاً إلى سفارة فلسطين في البلغدير حيث انتهت بمهرجان خطابي. وقد شارك وفد البحرين في المسيرتين تحت يافطة «تونس والبحرين نضال مشترك» من أجل الحرية والكرامة، حاملاً أعلام البحرين وتونس.

القضايا المطروحة في المنتدى كثيرة بكثرة التحديات التي تواجه البشرية، ولكن الحدث الذي جرى في متحف باردو وتداعياته فرض نفسه، للتصدي للإرهاب وفضحه والتصميم على هزيمته، ودعم تونس شعباً وحكومة ومجتمعاً سياسياً ومدنياً في مواجهتهم للإرهاب، وفي عملية التحول الديمقراطي الناجحة والسلمية. بل يمكن القول إن الوفود أتت أيضاً لتسلتهم تجربة ثورة الياسمين التونسية، وتستفيد من تجربة التوانسة ونخبهم السياسية والمجتمعية في القدرة على التنافس والتوافق أيضاً، وهو ما جعل ثورة تونس وهي أولى ثورات الربيع العربي، تنجح فيما فشل فيه الآخرون.

لقد وجد الوفد الأهلي البحريني كل الترحاب من الأشقاء التوانسة ومن مختلف الوفود الذين أبدوا إعجابهم بنضال شعب البحرين الصبور والمستمر منذ انطلاقته في 14 فبراير/ شباط 2011 والتمسك بالسلمية والإصلاح رغم جسامة التضحيات التي قدّمها من شهداء ومعتقلين وجرحى ومنفيين ومسرّحين عن العمل. لهذا فقد كان وقت الوفد مزدحماً باللقاءات مع الفعاليات التونسية والصديقة.

وفي تونس... لم يمنع الجو الماطر والعاصف، آلاف الحاضرين من المشاركة في المسيرات والتظاهرات، ما يدل على التزام أدبي كبير. فتحيةً لثورة الياسمين وتحيةً لشعب تونس الشقيق، وتحيةً للمناضلين من أنحاء العالم كافة الذين جمعهم الحلم بعالم أفضل، وهو شعار المنتدى.