العدد 4592 - الجمعة 03 أبريل 2015م الموافق 13 جمادى الآخرة 1436هـ

لاري ديفيد: ثمة آداب للموت لا يمكنك تجاهلها

عرض «السمك في الظلام» 5 مارس الماضي

«ثمَّة آداب للموت». تلك بعض كلمات من حوار مُطوَّل في صحيفة «نيويورك تايمز» أجراه جايسون زينومان يوم الأربعاء (18 فبراير/ شباط 2015)، مع الممثل التلفزيوني الكوميدي والكاتب والمنتج الأميركي لاري ديفيد. كلماته تلك كانت. ستسمع قليلين يتحدَّثون بلغة تهكُّمية عميقة تفكِّك مفاهيم، وتفضح قيماً لا ترتبط بالوسط الذي ظل يعمل فيه ديفيد لعقود؛ بل ترتبط بالحياة عموماً.

بعيداً عمَّا دار في المقابلة التي أجراها معه زينومان، لنعد سنوات إلى الوراء، وتحديداً في العام 1994، لنقف على نماذج من تلك التهكُّمية العميقة في إجاباته، في حوار أجري معه ونشر على موقع الممثل الكوميدي الأميركي كيني كارمر. نماذج إجابات تبدو خروجاً على السياق. بعد إجابته على سؤال نصُّه: كيف أثَّر النجاح الكبير لمسلسل «ساينفلد» على حياتك؟ تهكَّم على نفسه ثلاث مرات بتكرار: نجاح كبير، نجاح كبير، نجاح كبير، مُطلقاً ضحكة مجلجلة، ليقول بعدها: «التغيير الوحيد الذي أستطيع أن أراه حقاً هو أنني لست مضطراً إلى ابتياع سراويل من المتجر بعد الآن. يمكنني أن أبادر بالاتصال وستُجلب مباشرة إلى منزلي. هذا أمر ليس قليلاً. محاولة قياس السراويل، هي واحدة من أكثر الأشياء المُهينة التي يمكن لرجل أن يعانيَ منها. بالنسبة إلى المرأة الأمر لا ينطوي على مثل الإهانة».

في حديثه مع «نيويورك تايمز»، تناول اللقاء مسرحيته الكوميدية الجديدة «السمك في الظلام» التي بدأ عرضها في 5 مارس/ آذار 2015. بعث نوعاً من الاطمئنان لدى مُحاوره، بالقول، إنه ليس من آكلي لحوم البشر المَهَرَة. تحدَّث عن الجمهور بصراحة بالغة، ونظرة الجمهور إليه، وموضوعات أخرى تتعلَّق بزملاء المهنة، وطفولته. هنا أهم ما جاء في الحوار:

في غرفة تبديل ملابسه في «مسرح كورت»، بدأ لاري ديفيد تناول عشائه؛ ولكن ليس قبل أن يوحيَ بخفْض سقف التوقعات (بشأن الخروج بمحصِّلة استدراجه إلى حوار لا يتحفَّظ على مساحات منه؛ أو الخروج على السياق الذي عُرف به، من خلال عدد من الالتفاتات، بالقفز على عدد من الأسئلة. سيناور. سيذهب في سيريالية أيضاً، دون أن يرتبط ذلك بسؤال مُحدَّد): «أود أن أحذِّرك، أنا لست من آكلي لحوم البشر المَهَرَة»! يميل إلى الأمام لانتزاع حقيبة بلاستيك بيضاء.

تماماً مثل الشخصية التي لعب دورها في «HBO» و «اكبح حماسك»، يبدو مثار استغراب هوس ديفيد. هو خليط من المزاج القلِق والمتعكِّر، لحظة الدخول معه في تفاصيل الحياة. (باقتفاء الحوارات التي أجريت مع لاري ديفيد، يكون مُنطلقاً في الردود عليها، وأكثر تركيزاً. في هذه المساحة لن تراه خارجاً على النص، أو مُرتجِلاً، كما هو الحال في أعماله التلفزيونية).

تلك هي شخصيته في الكوميديا الجديدة «السمك في الظلام»، في دور ابن عائلة البطريرك؛ حيث هو على فراش الموت. المسرحية مليئة بالقبض على القلق نفسه، تماماً مثل بقية أعماله، لكنها أيضاً لا تخلو من الانصراف عن كل ذلك. إنها المرة الأولى التي يقوم فيها بالتمثيل على خشبة المسرح منذ أن كان في الصف الثامن. (ضمن نشاطه المدرسي الأول).

بعد الموسم الماضي من «اكبح جماحك»، في العام 2011 (كما يقول، قد يكون هناك المزيد من الحلقات في المستقبل)، مَارَسَ ديفيد هوايته في أشكال جديدة، كتابةً وبطولةً في الفيلم التلفزيوني «Clear History». وبحسب نقَّاد ومتابعين لأعمال ديفيد «هو مقارب نوعاً ما لـ (Curb)، وسيعتمد بشكل كبير على الارتجال؛ على رغم أن النجوم المشاركين في الفيلم ليست لديهم خلفية في كوميديا الارتجال».

ومع ذلك، إذا كنت تتوقع أن لاري ديفيد سيكون في مزاج المنتصر بهذه الحوار السريع، الذي تمَّ قبل يومين من العرْض التحضيري المُسبق (يُفتتح العرض في 5 مارس/ آذار الجاري)، فعليك إعادة النظر في انتصاره ذاك، هنا مقتطفات من الحوار السريع:

«السمك في الظلام»... تبدو أنها تُمثِّل «خَبْطَة» حتى قبل أن يتم عرْضها. هل هو أمر مهمٌّ بالنسبة لك؟

- لا أعتقد أن ذلك أمراً جيداً. إذا فضح شبَّاك التذاكر نفسه، فإن العملية مُربحة للجانبين. إذا كانت المسرحية جيدة، فذلك أمر عظيم. وإن لم تكن كذلك، فلن يشاهدها أحد، وستعود أدراجك إلى البيت. لذلك أنا لا أنظر إلى الأمر على أنه شيء جيد. انه شيء فظيع.

فترة ترعرعك في بروكلين، ما الذي عناه لك مسرح برودواى؟

- لا شيء. لقد كان بمثابة مكان بعيد في حيٍّ آخر، وهذا المكان يُسمَّى مانهاتن. وقتها لم أذهب إلى المسرح. كان لدينا عدد قليل من الألبومات في المنزل. على سبيل المثال، كان لدينا «أوكلاهوما» نديره في الجهاز باستمرار. هنالك أيضاً «ماي فير ليدي» وهو بمثابة مرجع، وله إشارة في العرض المسرحي المقبل.

هل ارتاد والداك المسرح؟

- ربما لمرَّة واحدة. أتذكَّر. ذات مرة كانت لدى والدي تذكرة إضافية لمشاهدة عرض «كيف تنجح في الأعمال» وطلب منِّي أن أرافقه لمشاهدته. قلت: «لا، إنني منهمك بلعب الكوتشينة».

قلتَ، هذه المسرحية هي بمثابة ردَّة إلى مسرحيات الستينيات من القرن الماضي. ووقتها كانت الكوميديا في ذروتها بالنسبة إلى نيل سيمون في «برودواي»، أليس كذلك؟

- لا أودُّ أن أضع نفسي ضمن تلك الفئة. رأيت «سجين الجادَّة الثانية» في برودواي. كان عملاً طريفاً. لم أحلم يوماً بأنني سأكتب عملاً مثله. (يخرج عن الحوار) هل تحبُّ الطماطم؟ (يعرض شوكة من البلاستيك تحمل قطعة من الطماطم). أليس رائعاً؟ إنه من محل في الشارع الخامس والخمسين! (يبدو أن نيَّة استدراج لاري ديفيد من قبل جايسون زينومان، لم تنجح. يبدو أن لاري هو الذي استدرجه، بإخراجه عن سياق الحديث)!

هل هو المكان الذي ترتاده؟

- أنت تجعلني أبدو كفرانك سيناترا في عمله «جيلي». إنه مكان ليس بعيداً عن المسرح.

ألا تبدو حلقة المطعم الصيني في «ساينفلد» وقد أُدِّيَت بشكل جيد؟

- وتلك واحدة من الحلقات التي كُرهت أكثر من غيرها. لم تكن «NBC» تريد بثَّها.

وهذا هو حضور عرضك الخاص والأول في برودواى. هل تلقَّيت أية نصيحة تتعلَّق بهذا الأمر؟

- الجميع شجَّعني على أن أكون في العمل؛ باستثناء صديق واحد، وهو سيث غرينلاند. قال لي: عليك أن تستمتع بالعمل باعتبارك كاتباً. هل كان عالِماً بالغيب؟

«اكبحْ جماحك» كان مُرتجَلاً، بمعنى أنه اعتمد على كوميديا الموقف، ولكن هذه المسرحية ليست كذلك. هو تحدٍ أكبر أن تتم كتابتها أليس كذلك؟

- إنه واحد من الأسباب التي جعلتْني لا أحب التمثيل. لا أحب أن أكون عاجزاً عن ممارسة الإقحام في العمل. لا أحب الانتظار كي يأتيَ دوري في الكلام. عليك أن تنتظر شخصاً آخر كي يُنهي نصَّه في الدور. ولكن لابد لي أن أقول إن عملية البروفة، أثارت الكثير من دهشتي، فيها الكثير من المَرَح. استمتعتُ بها. ولم أكن أتوقع ذلك.

هل كان في ذهنك ممثل مُحدَّد حين كتبت هذا العمل؟

- كان يمكن أن يكون أي شخص، لكنه لن يكون أنا. كانت تلك مشكلة. لم يتبادر إلى ذهني شخص بعينه؛ ولو فعلتُ ذلك لبدا طابع الشخصية - ربما - مختلفاً عني. لكن الشخصية بدَت مثلي تماماً، لذلك لم يكن هنالك متسعُ مجال للمنتج سكوت رودين للمضيِّ في العمل وقال لي: «يتعيَّن عليك أن تقوم بالدور».

كيف أقنعك لتكون بطلاً في المسرحية؟

- إنه شخص جِدُّ مقنع. ظلَّ يتحدَّث معي بشأن هذا الأمر. وقال: «دعْنا نقُمْ بالقراءة». قلت: «حسناً، سنقوم بقراءتها لنرى شعورنا حيالها. كنت في لوس أنجيليس مع مجموعة من الممثلين. كانت رفقة ممتعة. وروب راينر، شخص مقنع أيضاً، قال لي: «عليك أن تؤدِّي هذه المسرحية!» عندما يصرخ بك روب راينر، لابد أن تُصغيَ إليه.

كيف تقارن شخصيتك في المسرحية، مع شخصين مثل نورمان دريكسل، الذي لعبتَ معه الدور في «كبْح» وجورج كوستانزا في مسلسل «ساينفلد»؟

- إنه أكثر معرفة، وأقلَّ تعقُّلاً.

هذه المسرحية تدور حول موت رجل. ما هو المضحِك في ذلك؟

- إنه أمر مهم للغاية. الوقار هو الفكاهة. إنه يُغيِّر سلوك الناس. كنت اضطر إلى التحدث بطريقة معيَّنة، والتصرُّف بطريقة معيَّنة أيضاً. أنتَ لستَ أنتَ. لا يمكنك الدخول إلى غرفة حيث توفي قريب لشخص مَّا لتقول بصوتٍ عالٍ... صوت قطيعيٍّ: «أهلاً، كيف تسير الأمور؟» عليك أن تذهب بجِّدية ووقار، وبصوت منخفض لتقول «كيف تسير الأمور؟» عليك أن تتصرَّف على هذا النحو. هنالك آداب. إنها آداب الموت.

هنالك خلاف في المسرحية بشأن مدى جودة التأبين. ما الذي يجعل التأبين سيِّئاً؟

- التأبين السيئ هو ذلك الذي لا يُحرِّكك... لا يحِّرك فيك شيئاً على الإطلاق، ومثل ذلك ليس مُضحكاً أو مُؤثِّراً. عليك أن تتأثَّر من خلال تأبين جيِّد.

هل فكرتَ يوماً بالكيَّفية التي تريد أن تكون عليها جنازتك؟

- أنا لا أريد أن أكون مُؤثِّراً. دعْهم يروون قصصاً مُضحكة، إذا وُجدَ أي منها.

كيف يُمكن مقارنة التحدِّي الناجم عن التأبين مع نَخَب الزفاف؟

- بالنسبة لي، أكره اقتراح نَخَب. لا أستطيع فعل ذلك. أتجمَّد مكاني، لأنني أشعر بأنَّ التوقعات بالنسبة لي ستكون مضحكة حقاً. وأنا أشعر بالاختناق تحت الضغط. أنا لا أرتقي إلى مستوى الحدث.

من الشخص الأول الذي كنت تعتقد أنه فكاهي ومسلٍّ حقاً؟

- أحببْتُ «Amos n Andy» عندما كنتُ صبيِّاً. أحببْتُ «أبوت وكوستيلو». كانا من برامجي المفضَّلة.

هل كان والداك طريفين؟

- لا. أمِّي كانت طريفة نوعاً ما وعن غير قصد. كانت طريفة بالطريقة نفسها التي ربما كانت عليها جرايسي ألين في طرافتها. تقول أشياء لا تُدرك أنها كانت طريفة، ولكنها مضحكة بطريقة بريئة. والدي كان سعيداً ومحظوظاً، يتمتَّع بسيجَارِهِ، وهو يشاهد «Untouchables». كان رجلاً طيِّباً.

متى أدركتَ أنك تملك حسَّ الفكاهة؟

- فترة الجامعة. التقيت بأشخاص جُدد، وحين أريد الذهاب إلى موعد عاطفيٍّ، أقوم بسرْد القصص. نلت ضحك كثيرين على القصص تلك. في المواعيد العاطفية يمكن أن تبرز الكثير من القصص والحكايات الفكاهية تلك.

هل خرجتَ في مواعيد غرامية فترة الدراسة الثانوية؟

- مواعيد مثل تلك التي تعنيها؟ لا. لا شيء من ذلك.

عندما بدأت مسيرَتك بالظهور على المسرح في نيويورك، كنت مشهوراً بالسير خارج المنصَّة حيث الكواليس، قبل أن تقول نكتة لأنك لم تكُ تحبُّ نظرة الجمهور لك. ما الذي رأيتَه من كل ذلك ولمْ تشعر بحبٍّ تجاهه؟

- المسألة لا تكمن في ما الذي أراه. تكمن في ما أسمعه. الكلام الذي يدور. عدم اهتمام ذلك الجمهور بك. أن يكون بتلك الدرجة من الفظاظة. جمهور لا يضحك حقاً بفعل مادَّة جيدة تُقدَّم إليه. كنتُ مؤمناً بالآتي: إذا كانوا لا يضحكون لما يقوله هذا الرجل، فإنهم لن يضحكوا بفعل الدور الذي أؤدِّيه. لماذا يتوجَّب عليَّ أن أفعل ذلك؟ رؤية الطريقة التي يرمقونني بها من رأسي حتى أخمص قدميَّ. لم أكن أحبُّ النظرة تلك.

يُذكر، أن لاري ديفيد وُلِد في بروكلين بمدينة نيويورك يوم الثاني من يوليو/ تموز 1947 (67 عاماً). ممثل وكاتب وكوميدي ومنتج أميركي. اشتُهر بابتكاره المسلسل الشهير «ساينفلد» والذي مثَّل فيه 34 حلقة، وحصل فيه على جائزتي «إيمي».

من بين أفلامه: «اكبح حماسك» في العام 2000، مسلسل «ساينفلد»، الذي استمر عرْضه في الفترة ما بين 1989و 1998، «Clear History» العام 2013، و«المهرِّجون الثلاثة»، في العام 2012.

العدد 4592 - الجمعة 03 أبريل 2015م الموافق 13 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:41 م

      شكرا على الحوار . احببت اعماله وبرامجه تصنع يومي دائماً .

اقرأ ايضاً