شدد السيدعبدالله الغريفي، في خطبته بجامع الإمام الصادق (ع) بالدراز، أمس الجمعة (3 أبريل/ نيسان 2015)، على أن «من أولويات الخطاب الذي يحمل همّ الوطن هو أمن الوطن كل الوطن»، ونبه إلى أن «الخطابُ الذي ينشرُ العُنفَ، والرُّعبَ، والخوفَ، والقلقَ، والإرهابَ، والتطرُّفَ، لا يحملَ همَّ الوطن، سواءً أكان هذا الخِطابُ خِطابَ سُلطةٍ، أم خِطابَ دينٍ، أم خِطابَ سياسةٍ، أم خِطابَ مُوالاةٍ، أم خِطابَ معارضةٍ، أم خِطابَ إعلامٍ، أم خِطابَ صحافةٍ، أم خِطابَ ثقافةٍ وأدبٍ وفنٍ».
وتحت عنوان «نُريدُ خِطابًا يحملُ همَّ الوطن»، تساءل الغريفي «كيف نقرأ هذا العنوان؟»، وقال: «يمكنُ أنْ نفكِّكَ مُفرداتِهِ على النحو الآتي: (نُريدُ) مَنْ نحنُ الذينَ نُريدُ؟ كلُّ مَنْ ينتمي إلى هذا الوطنْ انتماءً حقيقيًا، ولن أدخل في لغةِ التصنيف؛ هذا ينتمي، وهذا يدَّعي، وهذا أصيلٌ، وهذا دخيلٌ، وهذا صادقٌ، وهذا كاذبٌ... هذه اللُّغة لها مُنتجاتُها المُدمِّرة، ولها تداعياتِها الخطيرة، فكمْ مَزَّقتْ أوصالَ أوطانٍ، وكم أنتجتْ حُروبًا، وأزهقتْ أرواحًا، وخلقتْ فِتنًا عمياء. هُنا وطنٌ، وهُنا مُنتمونَ إلى هذا الوطن، هُنَا سلطةٌ، ومُؤسَّساتُ دولة، هُنَا شعبٌ يعيشُ على هذه الأرضِ، بكلِّ مُكوِّناتِهِ، وانتماءاتِهِ، ومذاهبِهِ، هُنَا قُوى دينيةٌ، ثقافيةٌ، اجتماعيةٌ، سياسيةٌ بكلِّ ألوانِها وأطيافِها، وتنوعاتِها، هُنَا مُؤسَّساتٌ مدنيةٌ، جمعياتٌ، فعَّالياتٌ، نشاطاتٌ، حراكاتٌ. فحينما أقولُ (نُريدُ) فينتظم في هذه الإرادة كلُّ مُكوِّناتِ الوطن، السلطة بكلِّ مؤسَّساتِها، والشعبُ بكلِّ انتماءاتِه، والقُوى بكلِّ تنوُّعاتِها، والفعَّالياتِ بكلّ مساحاتِها، كلّ مَنْ يَنتسبُ إلى هذا الوطن ويتجذَّرُ في أرضه، ويعشقُ تُربتَهُ».
والمفردة الثانية التي تحدث عنها الغريفي هي «نُريدُ خِطابًا»، وقال: «الخِطاب مجموعةُ رُؤى وأفكارٌ وقناعاتٌ موجَّهةٌ إلى الناسِ، قد تكونُ هذه الرؤى والأفكارُ والقناعاتُ دينيةً فيُسمى الخِطابُ دينيًّا، وقد تكونُ ثقافيةً فيُسمى الخِطابُ ثقافيًا، وقد تكونُ أدبيةً فيسمى الخِطابُ أدبيًا، وقد تكونُ سياسيًا فيسمى الخِطابُ (سياسيًا)، وهكذا بقيةُ الخطابات. وقدْ يُصنَّفُ الخِطابُ بلحاظاتٍ أخرى: فيقال: خطابُ السُّلطةِ، خطابُ المسجدِ، خطابُ الجمعةِ، خطابُ المنبر، خطابُ المعارضةِ، خطابُ الشارع، خطابُ الإعلام، خطابُ الصَّحافة. فحينما أقول: نُريدُ خِطابًا، فعن أيّ خطاب أتحدَّثُ؟ أتحدَّثُ عن أيِّ خطابٍ له تأثيراته على أوضاع الوطن، ربَّما تتفاوتُ مستوياتُ التأثير بين خطابٍ وآخر. لا شكَّ في أنَّ خِطابَ السُّلطة له تأثيره الأكبر، ولا شكَّ في أنَّ خِطابَ الدِّينِ له قُدرتُه الأقوى، ولا شكَّ في أنَّ خطابَ القوى النَّاشطة له دوُره الفاعل، ولا شكَّ في أنَّ خِطابَ الشّارعِ له قيمتُه العظمى، ولا شكَّ في أنَّ خِطابَ الإعلام والصَّحافة له حضوره المؤثِّر جدًا، فلا يمكنُ استثناءُ أيّ خِطابٍ في تأثيرهِ على أوضاعِ الوطن، حينما يحاولُ هذا الخطابُ تناولَ هذه الأوضاع، وحينما يحاولُ أنْ يقاربَ هُمومَ الوطن.
أما المفردة الثالثة التي استعرضها الغريفي فهي «نُريدُ خطابًا يحملُ همَّ الوطن»، وأوضح أن «همَّ الوطنِ كلِّ الوطنِ، وليس همَّ السلطة فقط، وليس همَّ هذه الطائفةِ أو تلك الطائفة فقط، وليس همَّ هذا المكوِّنِ أو ذاك فقط، وليس همًّا في مساحةٍ فقط دونَ بقيةِ المسَاحاتِ، وفي شأنٍ فقط دُونَ بقية الشُئونِ، وفي مفصلٍ فقط دونَ بقيةِ المفاصل. وماذا يعني همُّ الوطنِ كلِّ الوطن؟ همُّ الوطن ينتظمُ مجموعةَ عناوين، أتناولُ بعضًا منها: العنوانُ الأوّل: الأمنُ أكبرُ همٍّ للوطن، وليس الحديث هُنا عن أمنِ السُّلطةِ فقط، ولا عن أمنِ الوطنِ كلِّ الوطن، فحينما يتوافر الأمنُ للسُّلطةِ، ولا يتوافر لهذه الطائفةِ أو تلك، ولا لهذا المكوِّنِ أو ذاك، ولا لهذا المواطنِ أو ذلك، ولا لهذه القريةِ أو تلك، فلا أمنَ لهذا الوطن، الأمنُ همٌّ لا يتجزَّأ، وأيّ محاولةٍ لتجزئةِ هذا الهمِّ فهي محاولةٌ للقضاء على أمنِ الوطن، فحينما نُريدُ خِطابًا يحملُ همَّ الوطن، فمِن أولويات هذا الهمّ هو أمن الوطن كلِّ الوطن فنحن نُريدُ خِطابًا يحملُ همَّ الأمنِ لكلِّ الوطن، فالخطابُ الذي ينشرُ العُنفَ، والرُّعبَ، والخوفَ، والقلقَ، والإرهابَ، والتطرُّفَ، لا يحملَ همَّ الوطن، سواءً أكان هذا الخِطابُ خِطابَ سُلطةٍ، أم خِطابَ دينٍ، أم خِطابَ سياسةٍ، أم خِطابَ مُوالاةٍ، أم خِطابَ معارضةٍ، أم خِطابَ إعلامٍ، أم خِطابَ صحافةٍ، أم خِطابَ ثقافةٍ وأدبٍ وفنٍ».
ونبه الغريفي إلى أن «الخطابُ الذي لا يُفكِّر إلا في الأمنِ المجزَّأ لا يحملُ همَّ الوطن، وهل يُمكنُ أنْ نتصوَّرَ أمنًا مُجزَّأً؟ لا يُمكنُ أنْ نتصوَّرَ ذلك، فمتى ما سقط الأمن في مفصلٍ من مفاصلِ الوطن سقط في بقية المفاصل، هل يُمكنُ لسلطة أنْ تعيش آمنًة، إذا كانَ الشعبُ لا يعيشُ الأمنَ؟ هل يُمكنُ لطائفةٍ أو مكوّنٍ أنْ يعيش الأمن إذا كانت بقيةَ الطوائف أو المكوّنات لا تعيش الأمن؟ هل يُمكنُ لمُدنٍ وقُرى أنْ تعيش الأمن إذا كانت هناك مُدُنٌ وقُرى أخرى محرومةًَ من الأمن؟ الجواب بكلِّ تأكيد لا، لماذا؟ لأنَّ أمنَ الوطنِ لا يتجزَّأ، ولأنَّ همَّ الوطنِ لا يتجزَّأ، ولأنَّ آلام الوطن لا تتجزَّأ، وإذا تجزَّأ الأمن، وتجزَّأ الهمَّ، وتجزَّأ الألم، فما عادتْ هناك لحمةٌ بين أبناء الوطن، فأبناء الوطن أخوة دينٍ، وأخوة إنسانيةٍ، وأخوة مصالح مُشتركة، مِن هُنا وجب أن يكون همُّهم مُشتركًا، وأمنهم مُشتركًا، فالذين يُفكِّكونَ في المصالح والحقوق بين أبناء الوطن، والذين يفكِّكون في الهموم والآمال والآلام بين أبناء الوطن، والذين يفكِّكون في الأمنِ والأمانِ بين أبناء الوطن، هؤلاء لا يحملونَ همَّ الوطن».
العدد 4592 - الجمعة 03 أبريل 2015م الموافق 13 جمادى الآخرة 1436هـ