العدد 4591 - الخميس 02 أبريل 2015م الموافق 12 جمادى الآخرة 1436هـ

جدلية العلاقة في معادلة السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

القراءة المتمعنة للمعوقات الواردة في سياق التوجه لمعالجة معادلة علاقة السلوك البشري والتنمية المستدامة، تشير إلى ضرورة تصنيف العوامل التي تتسبب في بروز وتعمق جذور المعوقات وتفاعلها السلبي في الإخلال بتوازن نظام البيئة العالمي والتراجع في الاستراتيجية الدولية الموجهة لإنجاز أهداف التنمية المستدامة. ومن أولويات تلك العوامل النزاعات المسلحة العرقية والداخلية والإقليمية والحروب المناطقية ذات الطابع الدولي، كما هو عليه الحال في واقع النزاع المسلح الجاري في سورية والعراق وأوكرانيا.

وتتمثل آثارها التدميرية في ما تسببه العمليات العسكرية من تدمير شامل لمعالم النظام البيئي، كذلك الذي نتج عن الدمار الذي تعرض له النظام البيئي في حرب البوسنة والهرسك وأفغانستان، والحروب العرقية في أفريقيا والحرب الماثلة أمامنا تداعياتها البيئية والإنسانية في سورية والعراق.

التلوث البيئي منتج خطير للنزاعات المسلحة ويتسبب في إحداث دمار شامل بعيد المدى على النظام البيئي، وذلك ما يمكن تبينه في مؤشرات الآثار البعيدة المدى على نظام البيئة البحرية في الخليج نتيجة سكب كميات كبيرة من النفط الخام في حوض الخليج العربي ضمن خطط المواجهة والعمليات الحربية في حربي الخليج الأولى والثانية، والآثار الخطيرة على الأمن البيئي والإنسانية الذي أنتجته العمليات العسكرية في الحرب على العراق نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب، الذي تسبب في ما هو حاصل من تشويهات خلقية للنسل. وكذلك الحروب العدوانية الإسرائيلية على الشعب العربي الفلسطيني في غزة وحربها على الشعب اللبناني التي تركت آثارها بعيدة المدى على الإنسان والبيئة نتيجة استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، حيث تسببت في انتشار الأمراض المعدية والتشوهات الخلقية للأجنة.

اللاجئون البيئيون والفقر منتج خطير آخر للحروب، فظروف الفقر والعوز وفقدان الموارد ومصادر الحياة والأمن المعيشي والواقع المأسوي، كل ذلك يضطر جيش اللاجئين والفقراء إلى استخدام مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة لاستغلال ما تقع عليه أعينهم من موارد في البيئات الطبيعية. وكثيراً ما يلجأ الفقراء إلى الاستغلال غير المقنن في قطع الأشجار وصيد الأحياء البرية بما فيها تلك النادرة، والاستغلال غير الرشيد للموارد البيئية لتأمين مصادرهم الغذائية والمعيشية. ويتسبب ذلك في تدهور الموارد البيئية والإضرار بالتنوع الحيوي، وتعريض العديد من الأنواع النباتية والحيوانية إلى مخاطر التدهور والانقراض.

العامل الآخر المؤثر في تراجع خطة العمل لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، يتمثل في الخطط التنموية بمختلف اتجاهاتها غير الملتزمة بالمعايير البيئية المحددة في مبادئ المشروع الدولي للبيئة، ويتمثل ذلك في الخطط التي يجري تنفيذها في البيئيات الطبيعية والعمل على التدخل الجائر وغير الرشيد في نظامها البيئي. ويتسبب ذلك في تدهور النظام الطبيعي لتلك البيئات، وفقدان المواقع الحيوية وبالأخص منها التي تتميّز بمخزونها من الموارد البيئية التي تمثل السلة الغذائية، وكثروة ومصدر استراتيجي لمعيشة الأجيال القادمة. وتلك ظاهرة صارت بارزة في المشاريع التنموية في العديد من بلدان العالم، وطالت نظم البيئات الطبيعية البرية والبحرية.

خطط التنمية الصناعية التي تشهدها العديد من البلدان على اختلاف مستوياتها في التطور التكنولوجي وحجم خططها الصناعية، هي مصدر رئيس وخطر لتلوث الهواء أيضاً. ووفق ما تشير إليه الإحصاءات، تتسبب النشاطات الصناعية غير المقننة في التلويث الشامل للمحيط البيئي للإنسان نتيجة المستوى العالي من الأدخنة والغبار الصناعي غير المعالج المتصاعد بوتائر عالية، والذي تطلقه المصانع المختلفة في مجالاتها الإنتاجية في الغلاف الجوي.

ووفق ما هو متوفر من حقائق وإحصاءات، أدى ذلك إلى الإخلال بالتوازن البيئي في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وانتشار العديد من الأمراض الخطيرة في العديد من البلدان، ومنها الأمراض السرطانية والقلب والربو وغيرها، إلى جانب التسبب في مضاعفة مستويات الجفاف والتصحر في العديد من المناطق في العالم.

المحسوبية والفساد تسببا أيضاً في إزالة واجتثاث مناطق واسعة من الغابات، وتجريف مناطق كبيرة من الأراضي الزراعية، وإدخال مساحات واسعة من المناطق الطبيعية، البرية والبحرية والساحلية ذات الأهمية الحيوية والاستراتيجية البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية... إدخالها ضمن الأملاك الخاصة في العديد من بلدان العالم، ما تسبب في خسارة وفقدان كبير للتنوع الحيوي. وقد ترك ذلك آثاره السلبية على الحياة المعيشية للسكان، وبالأخص السكان الأصليين والمجتمعات المحلية، وحرمانهم من مهنهم التقليدية التي تمثل مصدر رزقهم الرئيس، إلى جانب التسبب أيضاً في فقدان الأجيال القادمة المواقع الطبيعية التي تمثل الثروة البيئية الحيوية والسلة الغذائية الاستراتيجية لمعيشتهم. يضاف إلى ذلك حرمان قطاعات المجتمع الرئيسة من حقها الطبيعي في ممارسة أنشطتها التقليدية والراحة والاستجمام في المواقع والبيئات الطبيعية التي تشكّل إرثاً تاريخياً مشتركاً.

غياب نهج الالتزام المسئول وضعف الإرادة السياسية وتبني نهج المصالحة الاقتصادية والسياسية للعديد من الدول، وعلى وجه الخصوص الدول المؤثرة في صناعة القرار الدولي، يمثل العامل الأقوى في التدهور المتصاعد لنظام البيئة العالمي، نتيجة رفض العديد من الدول الالتزام بما يجري الاتفاق عليه في الحد من الأنشطة الصناعية، المتسبب الأول في الخلل الحاصل في نظام البيئة العالمي الذي يشكل مصدر الخطر الفعلي على الأمن الإنساني، ويهدّد استمرار الحياة على كوكب الأرض.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4591 - الخميس 02 أبريل 2015م الموافق 12 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً