في هذا العالم 7 مليارات من البشر. وفيه أيضاً 7000 لغة. و356 قومية وشعب. و19 ديانة رئيسة دون احتساب تفرعاتها وهي بالمئات. تسرح كل هذه التناقضات الثقافية والعرقية والطائفية على هذه الأرض ذات 510.072.000 كيلومتر.
للوهلة الأولى نرى أنفسنا أمام انقسامات مخيفة لا أمل في جمعها أو التقليل حتى من فروقها. لكن لماذا نرى ذلك الانقسام المخيف؟ ربما يضحك البعض عندما أقول بأن الجواب الوافي لذلك السؤال هو ما قاله الممثل الكوميدي الإنجليزي/ الأميركي شارلي شابلن عندما قال: «نحن نفكر كثيراً ونشعر قليلاً». يا لها من كلمة رائعة يا شابلن. هذا بالضبط ما يجعلنا أسرى للأرقام والتفكير الميكانيكي الصرف. فنحن ينقصنا الشعور دائماً بينما يغمرنا التفكير في كل ساعات يومنا. هل تعلمون لماذا ننشغل بالتفكير عن الشعور؟
الجواب ليس معقداً، لكنه لن يكون مفهوماً لنا إلاَّ إذا تشرَّبناه. باختصار، إن المسألة كلها مرتبطة بما نريده لأنفسنا لا بما نعطيه للآخرين. يدفعنا لذلك التغذية الدائمة، التي تتدفق من كل تلك التناقضات الثقافية والعرقية والطائفية التي ذكرناها في الأعلى. فهذه التناقضات تجعلنا «نفكر» بأنفسنا كيف نَملك لا أن «نشعر» بالآخرين كيف نُمَلِّكهم. هذا الأمر مهم جداً لأن نقرأ/ نفهم أنفسنا جيداً كي لا تضيع البوصلة.
لقد ضربتنا تلك التناقضات في القلب. وأهم شيء سلبته منا هي أنها جعلتنا لا نفرق بين غريزتنا (السفلية) وإنسانيتنا، وشتان بين الغريزة والإنسانية. وعندما يتم الخلط بين الأمرين يضيع كل شيء. فالغضب والشهوة وحب المال والنفس وتملك الأشياء هي من صميم وجود البشر وحقيقتهم، لكنها تصبح فاسدة عندما تصارع الفطرة الإنسانية والقيم العُلويَّة، وتستولي على حركتها وتحرف اتجاهها.
دعونا نفكّر بهدوء. هل هذه المليارات من البشر كانت بهذا العدد في السنوات الغابرة؟ كلا، فهي أقل من الآن بكثير. خلال ثمانينيات القرن الثامن عشر، كان اثنان من كلّ ثلاثة من البشر يعيشان في آسيا، وواحد من كلّ خمسة في أوروبا، وواحد من كلّ عشرة في إفريقيا، وواحد من كلّ ثلاثة وثلاثين في أميركا أو الأقيانوسيا كما يذكر المؤرخون، فما بالنا بالعصور السحيقة، حيث كان الناس بالكاد يتكاثرون. كما أننا وعندما نُضيّق الدائرة سنجد أن هؤلاء البشر كلهم يرجعون في خاتمة الأمر إلى أبوين مشتركين.
فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخبن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم. وكان نسب إبراهيم الخليل إلى فالج بن عابر إلى نوح. وكان نسب عدنان إلى أدد بن المقوم بن ناحور بن تارح بن يعرب بن يشحب بن نابت بن إِسماعيل بن إِبراهيم الخليل وهكذا. لذا، كان البشر قليلين، ولغاتهم أكثر اتفاقاً وأقل اختلافاً. وكانت أديانهم شبه واحدة، أو بفروق محدودة.
إذاً، ما الذي فرَّقهم يا ترى وجعلهم شتى؟ الحقيقة أن أفضل من يجيب على تساؤلنا هذا هو ابن السماك حيث قال: لولا ثلاث لم يقع حَيْفٌ ولم يُشهَر سَيْف: لقمة أسْوَغ من لقمة، ووجْهٌ أصْبَح من وجه، وسِلْكٌ أنعَم مِن سِلْك. وهو قول رائع، يُفسِّر لنا حقيقة الصراع البشري. إنه حول المصالح والملكية ونقطة في نهاية السطر.
فلو تخيَّل كل واحد منا، أنه يعيش إلى جانب إنسان آخر، لا تحوطهم منافسة في عمل، ولا يتفاضلان أمام امرأة واحدة ووحيدة، ولا يوجد تحت أرجلهما ثروة ولا مال، فما عساهم أن يفعلا ببعضهما إذا كانت كل محفزات الصراع هامدة ولا يُحمِّيهم شيء للتصارع من أجلها! النتيجة أنه لن يوجد تفكير منهما تجاه الآخر في كيفية التملُّك والاستحواذ، وبالتالي يتعزز «شعور» كلاهما تجاه الآخر، ويضعف «تفكير» كل منهما تجاه الآخر أيضاً.
وهو وصف يمكن أن نُسقِطه على بداية حياة الإنسان. فقد كان في أول أمره لا يميل إلى الطمع كثيراً، ولم ينتبه إلى طبيعة غرائزه، لكنه وبمجرد إدراكه لذلك من خلال محيطه ونظام المصالح الذي أحاط به بدأت تتشكل لديه غرائز سيئة وشريرة، تطوّرت إلى حسد وحقد وفساد وصراع ونزاع وقتال وحروب، وهو ما أكدت عليه الكثير من التفاسير.
هنا، نصل إلى الحقيقة التي غابت عنا وسط زحام الحياة، وتعدد أشكال البشر وما يملكون، وهي أن كل الصراعات منشئوها المادة والثروات والاستحواذ. حتى لو وجدنا أن هناك صراعاً عرقياً أو طائفياً فإن هذا الصراع في مظهره هو نتاج للتباين الثقافي لا أكثر، أما في جوهره فهو صراع على الوجود والمصلحة والثروات والتمكين والغلبة.
نعم، لا يمكن أبداً أن يصبح هذا العالم بلا تناقضات، خصوصاً مع اتساع رقعة الأرض، وزيادة نفوس البشر، وما تلا ذلك من ظهور معتقدات هنا وهناك، لكن الوصول إلى هذه النتيجة وهي عدم الخلط بين الغريزة والإنسانية، يمكن أن يخلق عندنا كوابح لنزعاتنا وغرائزنا، وبالتحديد في نظرتنا للآخر، فيقل لدينا التفكير بالنفس ويزداد عندنا الشعور بالآخر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4590 - الأربعاء 01 أبريل 2015م الموافق 11 جمادى الآخرة 1436هـ
عجييب
احسنت
اضافه
اود ان اضيف مرض اسمه ضيق الأفق وقصور العقل وضيق الصدر والأنانيه .
هل لهؤلاء أن يستمعوا لمنطق العقل ونبذ التعصب؟
فإذا كان أرباب الدين يعتبرون ما يجري في السياسة حربا بين الشيعة والسنة فمن أين نصلحها؟!!!