كثيراً ما نتداول صوراً ومقاطع فيديو لمتبرعين بأعضائهم باعتبارها تحمل حالةً إنسانيةً جميلةً ومعبّرةً تدعو للتأمل والسعادة والإطمئنان بأن الحياة مازالت بخير.
فمازالت صورة الأطباء الذين انحنوا احتراماً لصبيٍّ على سريره في إحدى المستشفيات لأنه تبرع بأعضائه بعد وفاته لأحياء في أشد الحاجة لها، تُتداول في مختلف المواقع ووسائل التواصل باعتبارها صورةً تحرك الجامد والميت من القلوب. ومازالت صورة المرأة التي تستمع لدقات قلب ابنها المتوفى في جسد إحدى الفتيات ترسم الابتسامة على محيّا من يشاهدها باعتبارها تحمل من المشاعر ما يعجز اللسان عن وصفه. فقد استطاع ابنها إنقاذ فتاةٍ بحاجةٍ إلى قلبٍ كي تواصل حياتها، واستطاعت الأم التي وقفت إلى جانبه فيما قام به أن تستمع لدقات قلب ابنها في جسدٍ آخر وكأنه مايزال حياً.
الصور كثيرة، والمواقف المشابهة لهذين الموقفين كثيرة أيضاً في الدول الأجنبية، وتداولنا لها والحديث عنها كثيرٌ أيضاً، ولكن هل نشهد مواقف مشابهةً لها بالكم نفسه في عالمنا العربي والإسلامي، أو حتى بربع ذلك الكم؟
نحن بحاجة إلى التثقيف المتواصل في هذا المجال. تثقيفٌ دينيٌّ واجتماعيٌّ وطبيّ، فعلى رغم كثرة الدعوات لتشجيع التبرع بالأعضاء بعد الوفاة الدماغية، إلا أن الأمر مازال مبهماً شرعاً لدى فئة كثيرة من الناس؛ فغالباً ما يغفل علماؤنا الأفاضل عن طرح هذا الموضوع على منابرهم لما يحمله من حساسية. وعلى رغم كثرة الفتاوى التي تجيز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، إلا أن المجتمع مازال يجفل من الفكرة لاعتباراتٍ متعددة؛ إذ يرفض بعض الأهالي أن يفكّر أبناؤهم مجرد تفكيرٍ في هذا الأمر، خوفاً من تأثر جثثهم وتشوهها في بعض الأحيان، وخوفاً من رأي الشرع لعدم المعرفة به أحياناً، أو خوفاً من فكرة أنهم تسبّبوا في وفاة أبنائهم على رغم كل الآراء الطبية التي تثبت عدم وجود فرصة للنجاة من المرض الذي يعانون منه في بعض الحالات.
قبل أسابيع توصلت لأحد الحسابات الإلكترونية البحرينية والذي افتتح خصيصاً لتشجيع التبرع بالأعضاء، وأقام أصحابه فعاليةً ضمّت أطباء ورجال دين ومواطنين للتحدّث حول هذا الموضوع، وقد لفتت نظري إحدى الصور في الحساب كانت تحمل رسالة ذات معنى: «عشت حياتك كما يبغي أهلك، فلم لا تتبرع بأعضائك برغبتك بعد موتك».
التبرع بالأعضاء قرارٌ فرديٌّ يحقّ للمرء وحده اتخاذه حين يتعرّف على كل الحيثيات وعلى حاجة المجتمع الماسة له، خصوصاً مع وجود كثير من المحتاجين لهذه الأعضاء والذين يلجأ بعضهم إلى شراء أعضاء لا يستطيع ذوو الدخل المحدود شراءها في ظل وجود سوق سوداء وممارسات لا إنسانية تمنع الفقراء من الحصول عليها، لولا بعض المتبرعين الذين لا يبتغون من وراء عملهم إلا الرحمة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4590 - الأربعاء 01 أبريل 2015م الموافق 11 جمادى الآخرة 1436هـ