العدد 4590 - الأربعاء 01 أبريل 2015م الموافق 11 جمادى الآخرة 1436هـ

رسالة مواطن)... يكفي فخراً أنها بحرينية

ليس التردد على وزارة العمل بالأمر السار في هذه الأيام. أما عند تعثر طلبك بمستجدات القوانين فذلك أمر يطول شرحه. بعد إلحاح وعدة مراجعات وافقت الوزارة مشكورة على منحي فيزا لخادمة جديدة قبل رحيل القديمة حتى يتسنى للأخيرة تعليم الوافدة الجديدة شئون المنزل وأسس مهارات الطبخ، وبقي الإجراء الأخير وهو دفع الرسوم واستلام الفيزا.

من غير المألوف أن تكون أعداد المراجعين قليلة في وزارات الخدمات، و "العمل" ليست استثناء في هذا الأمر. كان عليّ الانتظار ساعة أو دونها حتى أصل إلى الصراف فالأرقام على الشاشة تشير إلى 35 رقما يسبقني، لذا جلست أقلب في النقال لمراجعة الرسائل الالكترونية الواردة.

"أعتقد أن هذا الرقم أقرب من الرقم الذي معك". قالتها بصوت عربي فصيح وبحرينية خالصة ليس فيها لجاجة أعطتني الرقم فشكرتها ممنونا "رحم الله والديك". سادت لحظة صمت بعد أن عرفت أنها منقبة دار بيننا حديث عام قبل أن تسألني: هل هذه المرة الأولى التي تقف في هذا الطابور فقلت لا والله يا أختاه جزا الله أولاد الحلال الذين سهلوا مهمتي وإلا عليّ الانتظار ربما لشهرين أو أكثر حيث اننا بصدد إحضار خادمة جديدة مع الإبقاء على القديمة فترة التدريب بعد ان تعودنا على القديمة لسنوات. ها قد جاء الوقت لتمضي فسألتها: وما مشكلتك؟ قالت: لا أدرى من أين ابدأ، إنها الوالدة أطال الله عمرها قد بلغ بها السن ولا تستطيع أن تقوم بكل واجباتها، وعليه لا تستطيع خادمة واحدة أن تقوم بكل مهمات المنزل، لا تنس أنها تصحو كل يوم على كومة صحون وأوان وملاعق وغيرها وكأن المطبخ ساحة حرب أو ملاكمة، كل مساء إن صح التعبير تحتاج الشغالة إلى ساعة على أقل تقدير لتنظيف المطبخ وتجهيز أبناء إخوتي للذهاب إلى المدرسة، هذا غير شئون الوالدة حفظها الله.

لا أدري ومن دون سابق إنذار وضعت يدها على جرح أليم... أين أبناء هذا الجيل من الجيل القديم؟ لقد برعوا في كل شيء أجهزة التواصل والالكترونيات والسهر لساعات طوال إلا من أداء أبسط واجباتهم الأساسية في المنزل كفتح المصباح أو غلق المكيف أو إقفال باب المنزل في المساء قبل النوم بل ان بعضهم يترك المكيف مفتوحا في غيابه دون مراعاة لفاتورة الكهرباء التي سيدفعها الوالد العزيز وإذا كلمتهم يستقيم الأمر ليومين أو ثلاثة أيام ثم "تعود حليمة إلى عادتها القديمة". ربما هي حياة العزلة التى يعيشها الصغار بعيدا عن الكبار الوالدين، اذ توفر كل أسرة لأبنائها غرفا خاصة بهم وتلفزيونا ونقالا وانترنت... إلخ. فأين يجد الاولاد الوقت ليتواصلوا مع والديهم؟ ستجدهم أمامك وبإلحاح إذا لزم الأمر لإرجاع الانترنت أو دفع مصاريف السيارة أو دفع حصة من راتبك لشركة الاتصالات فهذه الشركات صارت والعياذ بالله تشاركنا أموالنا وأوقاتنا وهواجسنا على قول أحد الشعراء الشعبيين (كأنه الفار في المحمل (السفينة) شريك وياي) كنا نتبادل الأدوار في وصف هذه الحالات التي باتت تشكل هاجساً بالنسبة لنا جميعا.

الجميل في الأمر أن المتحدثة منقبة ومخضرمة من نهاية الجيل القديم تحمل هَمّ الوالدين ولكنها لم تتخل عن هموم الجيل الحالي بكل ايجابياته وسلبياته... إنها ظاهرة غريبة أن تجد من تجسر هموم الجيلين مع الإبقاء وبدون تحيز وبعدل ووفاء للطرفين، وكنت أتوقع أن تدافع عن بعض سلوكيات هذا الجيل وتتركه في بعض الأمور بسبب ميل كفتها العمرية إلى هذا الجانب، ولكنها من جانب آخر مازالت مشدودة إلى واجبات مقدسة ورثتها وحفظتها من الأبوين. يقولون ان القواسم في المحن تحديدا تفتح قلوب الناس للتواصل في لحظة صفاء قلت لها لا أدري اشعر كأني أعرفك من زمان وربما بسبب القواسم المشتركة.

فرحت أخبرها عن قصة بيت كبير في أحد ضواحي أحياء المنامة كانت ربة هذا المنزل تجد سعادة عظيمة في فتح المنزل للجيران في مناسبات الزواج، وتوفير مرافق المنزل للضيوف. الضيوف أحباب الله ولذلك لا يجد الجيران من حرج في استعمال مرافق المنزل وغرفة للضيوف حتى انتهاء مراسيم الزواج، كانت بين الناس محبة وتعاون حتى ان إحدى الجارات كانت تلح في فتح باب في الحائط الفاصل بين البيتين كي يوصلها مباشرة ببيت الجيران وهو ما كان يعرف بـ (الفرية) وقد رأيت بأم عيني عند الأفراح الكل يساعد ويشمر عن ذراعيه في سعادة ولازلت أتذكر طبخ "الممروس" في قدور كبيرة في الشارع ليلة الدخلة، كنت سخيا معها في سرد تلك القصص فسألتني: من تكون تلك السيدة؟ فقلت إحدى سيدات المنامة حفظها الله. ثم أردفت: وهل المنزل موجود؟ فقلت: لا فقد بيع منذ زمن قريب وهي الآن في مسكن صغير على قدر حركتها. بانت منها التفاتة قائلة: رقمك على الشاشة. فاستأذنت منها.

عند عودتي أردت أن أودعها وأشكرها مجددا على التذكرة وحسن اللقاء ولكنها لم تكن موجودة. كان حضورها لافتا بكل المقاييس لسنوات كنت لا أقرب من المحجبات والمنقبات خشية أن أجرح حياءهن حتى التقيت هذه السيدة التي غيرت رأيي تماما، ودون أن أسألها عن اسمها أو مدينتها أو حيّها يكفي فخراً أنها بحرينية من الرفاع، لا لا إنها ستراوية، لا بل قد تكون من فريق أبوصرة، أخشى أنها جفيرية، إنها والله درازية الأب منامية الأم، لا بل من فريق الفاضل. الظن كل الظن أنها كرانية السكن محرقية المنشأ، لا بل من فريق الصنكل بالمحرق ولعلها من فريق مشبر من سكنة مدينة عيسى أو من قرية الزلاق سارية السكن، إنها احدى هؤلاء وكل هؤلاء... إنها الأم البحرينية طيبة اللبن التي تقطر أمومة وطيبة وسماحة أرضعتها أبناء هذا الوطن فصار من سلوكهم وسجيتهم الغالبة في المحافل السارة والحزينة وعند الخطوب، وبعيدا عن الأرض هم سفراء بامتياز لبحريننا الغالية... لن تجد صعوبة في التعرف عليها في أي محفل... لأنها بحرينية.

سيدعدنان الموسوي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:53 ص

      موضوع اكثر من رائع

      فعلا موضوع اكثر من رائع وعلى الجيل الحالي ان يتعلم ولو شيء بسيط من الجيل السابق، اصبحنا نجلس على الاجهزة اكثر من جلوسنا مع عائلتنا، بالرغم من انني من الجيل الجديد الا انني لو خيرت بين ان اعيش في الزمن الحالي او السابق لاخترت الزمن السابق دون تردد، لانني اعشق البساطة وعندما ارى البساطة ارى كل شيء جميل فيه

اقرأ ايضاً