جاءت كلمة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد في افتتاح أعمال القمة العربية الـ26 التي تنعقد فعالياتها بمدينة شرم الشيخ المصرية يومي 28 و29 من مارس 2015، في توقيتها تماما، خاصة أنها عبرت عن رؤية مملكة البحرين للتحديات التي تحيق بالعالم العربي حاليًا وكيفية مواجهتها، والظروف الدقيقة والتاريخية التي تمر بها الأمة، والتي تفرض التعاطي معها من قبل الجامعة العربية كإطار جامع شامل للعرب، قادر وحده على أن يعبر عن شعوب ودول المنطقة ومواقفهم الحاسمة إزاء الأطراف والقوى التي تضمر الشر والعداء لها.
ويمكن هنا استخلاص عدد من الدلالات المهمة التي انطوت عليها كلمة جلالة الملك المفدى:
أولها: الإيمان الراسخ بأهمية وضرورة مواصلة الاجتماعات العربية، وذلك لتدارس القضايا التي تهم العالم العربي بأسره والخروج بحلول ورؤى تساعد على معالجة المشكلات التي تفرزها، خاصة أن هذه الاجتماعات، لا سيما تلك التي على مستوى القادة والزعماء، تنقل للعالم كله أن العرب وعلى أعلى المستويات متحدون في مواقفهم، مهتمون بتبادل الرؤى فيما بينهم، ويناقشون قضاياهم بصراحة، ويأخذون قراراتهم بحكمة وروية، ويحرصون على تنفيذها بأمانة وشفافية وصدق، إحساسا بالواجب القومي، ولمجابهة التحديات الجسام في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الأمة.
ثانيها: بيان خطورة ما يجري في اليمن الشقيق على الأمن القومي للدول العربية برمتها، والذي فرض على الدول العربية، ومنها البحرين، المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" لإعادة الأمن والاستقرار والشرعية هناك، وكإجراء حاسم لا بد منه، تمليه المسؤولية التاريخية، ويستند على ميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، وتلبية لطلب فخامة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، بعد أن استنفذت جميع الوسائل والمساعي والجهود الإقليمية والدولية لاحتواء الأزمة، وأهمها المبادرة الخليجية، التي توافق عليها جميع اليمنيين نتيجة رفض أطراف داخلية بدعم خارجي الاستجابة لأي حوار، وسعت وما زالت لتفتيت وحدة اليمن وسلب هويته العربية وتقسيمه طائفيًا.
ثالثها: التأكيد أن البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، ستظل دوما على العهد، داعمة لوحدة الصف واللحمة العربية ولانتمائها الثابت الذي لا يتزعزع لهذه الأمة، وأنها ستكون في مقدمة الواقفين مع اليمن وقيادته الشرعية، وأول الدول الحريصة على سيادته واستقلاله ووحدة شعبه وأراضيه، وحماية محيطه الإقليمي في باب المندب وبحر العرب، التزاماً أولا وقبل كل شيء بالتضامن العربي وبحفظ الأمن والسلم الدوليين وحرية الملاحة والتجارة العالمية، وهو أمر يعكس في الحقيقة إدراك جلالته للمهام الثقال المنوطة بقادة الأمة العربية، وحرصه على أمن واستقرار المنطقة من جميع النواحي.
رابعها: الدعوة لتبني الوسائل الضرورية لحماية حياض الأمة والدفاع عنها، حيث تطرق جلالة الملك لنقطة مهمة لها تأثير كبير على حاضر ومستقبل الدول العربية، والتي تتعلق بمقترح إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، في إطار المواثيق العربية والدولية، تكون مهمتها التدخل العسكري السريع لرد أي اعتداء يهدد أمن واستقرار وسيادة أي دولة عربية. وفي هذا الشأن أكد جلالة الملك المفدى أهمية المقترح وضرورة التعجيل بوضعه موضع التنفيذ، وأن الوقت قد حان لإنشاء هذه القوة بحيث تكون على مستوى التحديات وتكون ممثلة من جميع الدول العربية، ولحماية جميع الدول العربية من المخاطر التي تحيط بها، خاصة أن لكل الاتحادات الدولية قوة عسكرية تدعم أمنها وتكون عونًا لها إذا استدعت الظروف ومنها حلف الناتو والاتحاد الأفريقي وقوات درع الجزيرة الخليجية التي تعد نموذجًا يمكن البناء عليه.
خامسها: إعادة تأكيد مواقف المملكة الثابتة ناحية كل ما من شأنه تثبيت دعائم الأمن القومي العربي وحماية أركانه، بداية من قضية العرب الأولى التي أفرد لها العاهل المفدى مساحة مهمة في كلمته، وشدد جلالته فيها على حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، وانتهاء بالطبع بحق الشعوب العربية في سوريا والعراق وليبيا في الحفاظ على سيادة دولهم وسلامتها الوطنية، وبناء نظامهم السياسي بحرية واستقلال، دون تدخل من أية قوة خارجية، ومرورا بالتأكيد بحق دولة الإمارات العربية المتحدة في استعادة جزرها الثلاث المحتلة وإخلاء الشرق الأوسط أسلحة الدمار الشامل ومحاربة التطرف الفكري والتشدد المذهبي وانتشار الإرهاب البغيض المتعدد الأشكال والمظاهر والشعارات في المنطقة.
ولا شك أن جملة هذه المواقف تعكس المبادئ الثابتة للسياسة الخارجية لمملكة البحرين في عهد جلالته الزاهر، والتي أثبتت تطورات الأحداث صدق رؤية جلالته وأهمية أن تكون مواجهة التحديات من خلال العمل العربي المشترك، وأن على العرب جميعًا ـ قادة وأيضًا شعوبًا ـ أن يكونوا عند مستوى هذا التحدي، كقوة واحدة متماسكة كالبنيان المرصوص يسند بعضه بعضاً.