العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ

بالونات الربيع العربي

يأخذك معرض الفنان فيصل سمرة منذ الوهلة الأولى لأن تتساءل: يا ترى ما سر هذا العنوان المباشر»الاحتباس الحراري». ماذا وراء صورة الخبز المحترق في دائرة التنور في الفيديو المعروض من معان. ماذا وراء القبور الثلاثة ببالوناتها المملوءة والملونة والمكتوب عليها «الربيع العربي» من معنى وتأويل. ماذا وراء هذه اللوحات المعروضة على الجدار المحتوية على وجوه مشوهة مع مرايا مقوسة من قراءة.

تتلاحق هذه الأسئلة التلقائية مباشرة وراء بعضها أثناء تلقيك المعرض فتجد أن الفنان في هذه الأعمال كعادته أراد أن يدخل لعالم التأويل من خلال أشياء الواقع فاقتبس عنواناً يمثل هاجساً كونياً ليقول عبره ما يريد من أفكار وليوظفه في صيغة نقدية وليعطيه بعداً إنسانياً فثمة حالة تقابل حالة «الاحتباس الحراري» على الأرض وعند الإنسان حين يواجه الاحتراق بناره أو نار الآخرين. وثمة احتباس حراري آخر يكاد أن ينفجر جراء غضب الشعوب العربية حين مواجهة طلب التغير بالرفض والكبت المستمر، وثمة وجوه مشوهة حين ننظر إليها نجدها تعكس بمراياها وجوهنا ونحن نشاهدها.

لعل هذه التأويلات تبدو متسرعة في الوهلة الأولى، وربما تكون قد ذهبت بعيداً في تأويلك، ولكنك ما أن تواصل التأمل في المعرض أكثر فتقرأ النبذة التي ساقها الفنان في كتيب المعرض حتى تجد أنك أصبت الهدف مع قليل من الاختلاف وإعادة الوجيه لما أراده الفنان من تأويل لأعماله التركيبية والمفاهيمية.

بداية يتلقاك فيديو قصير لفوهة مخبز مع صوت وهج ناره التي تضعك وسط الإحساس بالحرارة الشديدة، ووسط الفوهة النارية يبدو لك قرص الخبز وهو يحترق حتى آخر لحظة، لتجد الفنان يعلق عليه بعبارة «الكراهية تحولنا إلى رماد». بهذه الصورة التي ربطها بالإنسان وبالكراهية، أراد الفنان أن يعكس مقولة أبي تمام «النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله»، أو هكذا يأخذك التأويل لكشف التناص الذي أوجده الفنان بين احتراق الخبز في الفيديو وبين فعل الكراهية، فالخبز هو عيش الناس ومعيشتهم وهكذا سيحترقون بنار الكراهية كما يحترق في فوهة التنور، فالكراهية التي تتولد من الطائفيات وممارسة القهر على الذات والآخر وحدها كفيلة بصنع احتباس حراري كفيل بالانفجار في أي لحظة.

العمل الآخر الذي يلح عليك أن تكتب عنه وتجترح فيه أسئلة تقول الكثير، هو تلك الكومات من التراب في شكل قبور ثلاثة وثلاث بالونات ممتلئة كتب عليها عبارة «الربيع العربي» بما يجعلك تتساءل من في هذه القبور الثلاثة من جثث، هل هي جثث الشعوب العربية التي طلبت التغيير ولم تنله. وما سر هذه البالونات، هل كان الربيع العربي بالونات اختبار لكشف قدرة الشعوب العربية على التغيير وصنع مستقبلها. وما سر امتلائها بالهواء، هل مازال هناك إيمان بأن الشعوب العربية ماتزال حية، وإن خلدت للهدوء قليلاً، أو نزلت تحت التراب إلا أنها مازالت تتنفس فمازال هناك أمل قادم. وما سر العلب التي وضعت على كل قبر، وبها ثلاث عملات أجنبية، أهي ما تصدّق بها الغرب علينا من مساعدة إعلامية مدعاة أو مؤقتة، لا تغني ولا تسمن من جوع، في إشارة إلى أهمية الاعتماد على الذات والإيمان بها في القدرة على التغيير وعدم الاعتماد على الآخر في صنع الغد الذي نحلم به.

العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً