العدد 4584 - الخميس 26 مارس 2015م الموافق 05 جمادى الآخرة 1436هـ

طيور الكركي تحلّق في ختام الحروب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار على الفاشية البغيضة، اختار المنبر التقدمي عرض الفيلم السوفياتي الشهير «طيور الكركي تحلق»، مساء الأحد الماضي.

الفيلم قديمٌ، يعود للعام 1957، وباللونين الأسود والأبيض، لكن المخرج ميخائيل كالاتوزوف اختار أن يتناول فترة الحرب العالمية الثانية، ليس على الطريقة التقليدية لأفلام الحرب، من حيث إبراز الدم والعرق وأكداس الجثث والأشلاء، وإنما من زاوية رومانسية، من خلال قصة حبٍ تجهضها الحرب، فتحطم أحلام قلبين: الشاب بوريس (ألكسي باتالوف) والفتاة فيرونيكا (تاتيانا سامويلفا).

الفيلم يمهّد لاقتراب نيران الحرب، وتأثيرها المتسارع على أوضاع العائلتين، حيث يلتحق الشاب العاشق بالعمل الحربي، فيما يبقى أخوه غير الشقيق في المنزل. وتجري الأحداث بصورة متسارعة، إذ سرعان ما يعلن النفير العام، ويلتحق الرجال والشباب بالمدرسة المخصّصة لتجمع المتطوعين، حيث تختلط الدموع بمشاهد الأحضان، وساعات الوداع الأخيرة، حيث لا يدري أحد من همهم سيعود ومن ستبلعه ساحات القتال إلى الأبد.

الفتاة التي فشلت باللحاق بحبيبها قبل مغادرة منزله، أخذت تجري والهةً للحاق به في المدرسة، وتتنقل الكاميرا بينها وهي تجري في الشارع وتدافع الناس، وبين عيون الشاب الذي يأمل أن يراها بين الحشود. وينتهي المشهد بشحن المتطوعين في سيارات اللوري لتتحرك إلى الجبهة... دون أن يلتقي الحبيبان. وسرعان ما تبدأ الحرب: جنودٌ يحفرون الخنادق ويقيمون المتاريس، وصفارات الإنذار وقصف الطائرات، وانتشار الحرائق وتهديم البيوت. يتعرّض بيتها إلى الحرق، فتدخله مذعورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فيلحق بها جندي لإنقاذها من المبنى المحترق المدمر. وهكذا تحتضنها عائلة الشاب/ الخطيب.

الصراع يأخذ منحاه على مستويين: في الجبهة حيث تم توزيع المقاتلين على الخنادق؛ وفي المنزل حيث بدأ أخ الشاب بملاحقة خطيبة أخيه. كانت صدمة الفتاة شديدة من الوهلة الأولى، حيث كان ردها الأول عدة لطماتٍ على وجهه، لكنها بعد فترةٍ، بدأت تلين لمساعيه في التودد، وتتجاوب مع محاولات تغزّله. لقد انقطع الاتصال بالحبيب الأول، ولم تصل منه أية رسائل فانقطعت ذكراه.

هذه المقارنة بين الشخصيات تصل ذروتها، حين تنقل لك الكاميرا مشاهد الجنود وهم يتعرّضون للقصف، فيحمل الشاب صديقه المصاب على ظهره ويغوص في الأوحال حتى يصل إلى مكانٍ آمن، وحين يضعه على الأرض يُصاب بطلقة فيسقط مضرّجاً بدمائه. في اللحظة نفسها كانت فتاة أحلامه تلبس الفستان الأبيض لتُزفّ إلى أخيه الخائن. إنها مواجهةٌ بين النبل والرجولة، والضعة وخيانة الضمير.

تظلّ الذكرى تعذّبها، وتظل تنتظر رسالةً تذكّرها به، وتزيد معاناتها بعد أن تكتشف أن الزوج يخونها مع أخرى في مخمرة، فتداهمه فيها وتقابله بصفعات على وجهه... ويحدث الافتراق. ونصل إلى نهاية الفيلم مع عودة من بقي من المقاتلين إلى مناطقهم، بينما ابتلعت الأرض وغيّبت الأوحال جثث الجنود، الأبطال المجهولين، الذين قضوا وهم يحاربون الفاشية البغيضة والطغيان. تذهب فيرونيكا على أمل أن تجده بين العائدين، حيث يحتضنون زوجاتهم وخطيباتهم وأطفالهم وأمهاتهم، ويغسلون وجناتهن بالدموع. إلا أن بوريس لن يعود، فتغادر المحطة بينما يحلق سرب من طائر الكركي راسماً علامة النصر (V) في السماء.

وحين تظهر على الشاشة كلمة (النهاية)، تسأل في غضب: من الذي ربح الحرب؟ من الذي دفع الثمن؟ لقد جلس ستالين وتشرشل وروزفلت على طاولة المنتصرين، التي أقيمت قوائمها على جثث 25 مليوناً من البشر وعذاباتهم، أكثرهم من الشباب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4584 - الخميس 26 مارس 2015م الموافق 05 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:46 ص

      كلما

      كلما البشر ابتعدو عن شرع الله واتخدو الشيطان حليفهم لن تستقر الامور المشتكى لله

    • زائر 4 | 2:19 ص

      الصراخ على قدر الألم

      الصراخ على قدر الألم

    • زائر 3 | 1:17 ص

      القصة

      انه تجمعت عندهم كم مليار قالوا لهم لازم نعمل حرب.اسهل وافضل طريقة لاسترجاع مليارات النفط. ونحن مع الخيل يا شقرا.

    • زائر 2 | 1:05 ص

      التاريخ يعود

      يا ترى من الذي ينتصر ؟
      ومن الذي يجلس على تلك الطاولة الانتصار؟
      وهل يوحد تصوير ملون في كل الزوايا حتى الأجيال ترى هذا الفلم ؟

    • زائر 1 | 10:44 م

      هكذا تنتهي كل عاصفة.. الله يحفظ المسلمين من شر العواصف..

      وحين تظهر على الشاشة كلمة (النهاية)، تسأل في غضب: من الذي ربح الحرب؟ من الذي دفع الثمن؟ لقد جلس ستالين وتشرشل وروزفلت على طاولة المنتصرين، التي أقيمت قوائمها على جثث 25 مليوناً من البشر وعذاباتهم، أكثرهم من الشباب..

اقرأ ايضاً