صدر عن مجلة «الثقافة الشعبية»، كتاب «الوحدات الزخرفية في الفن الشعبي البحريني كمصدر لتنوُّع الإنتاج الفني»، لاختصاصي فنون بوزارة التربية والتعليم، والباحثة في التراث الشعبي، سميرة محمد الشنو، تقترب فيه من تناول القيم الجمالية والفنية، وما يرتبط بها من قيم أخلاقية ودينية؛ علاوة على أن تلك الزخارف تحمل في صورة أو أخرى رموزاً مرئية للهوية القومية، لأي شعب من الشعوب يقوم على إبرازها، وهو إذ يقوم بتقديمها إنما يعمد إلى تقديم نفسه من خلالها. تقديم جانب من قيمه وهويته وحتى أخلاقه.
هنا استعراض لأهم ما جاء في الكتاب، مع التنويه إلى أن هذه الكتابة يتضح منها الاستعراض لا المراجعة بمعنى القراءة والمناقشة، وردّ بعض الأفكار التي جاءت فيه أو التفصيل في بعض منها.
فقط إشارة لابد منها: يكاد يكون أكثر الأبحاث في هذا المجال مما تضخه المطابع اليوم، نسخة أو تكراراً لأبحاث سابقة، وضمن السطحي والعابر منها، وأعني الأبحاث التي أسَّست لعمق تناول الموضوعات المرتبطة بالتراث والثقافة الشعبية عموماً. كتاب الشنو يقدم إضافة في هذا المجال، على رغم انشغال مساحة كبيرة منه بعناوين فرعية وجانبية أشبعتْها الباحثة تناولاً، لارتباطها بصورة أو أخرى بموضوع البحث؛ إلا أننا نقف في الكتاب على مساحة كبيرة وعميقة ومنهجية ومركَّزة جاءت منسجمة مع عنوان الكتاب.
تناولت المؤلفة في مقدمة الكتاب الاهتمام الرسمي بالمحافظة على التراث، مشيرة إلى أن ذلك الاهتمام قاد إلى اختيار مملكة البحرين لعضوية المركز الإقليمي للتراث العالمي التابع إلى اليونسكو، معرّجة على انتظام البلاد في قيام ورعاية مهرجانات التراث السنوية، ابتداء من العام 1992، وصولاً إلى آخر مهرجان العام الماضي (2014).
تضمنت المقدمة إطلالة تاريخية على دلمون، وحركة التجارة التاريخية التي تربطها بعدد من البلدان، وصولاً إلى العصر الحديث متناولة التدوين والتوثيق والاهتمام بالآثار من قبل القيادة السياسية؛ وصولاً إلى الحفاظ على مظاهر التراث والتقاليد بتخصيص مساحة كبيرة في متحف البحرين ترتبط بالزواج البحريني التقليدي والنساء المنشغلات بمراسيم الزواج وما يرتبط بكل ذلك.
الكتاب تناول الزخارف التي زيّنت بها الأزياء والحلي التقليدية والأواني وبعض السطوح في الحرف التقليدية والأواني الفخارية، وبعض أشكال العمارة التقليدية، ومن بين الأشكال والأنماط تلك: زخارف نباتية، زخارف كتابية، زخارف آدمية، زخارف حيوانية، وزخارف هندسية.
في تمهيدها للكتاب، أشارت الشنو إلى ضرورة تأصيل الموروث الشعبي من خلال برامج التعليم لإبراز الطُرُز المختلفة كالدلموني والإسلامي وفنون البحرين الشعبية في الأزياء.
ماهية الفن الشعبي التشكيلي
في الفصل الأول من الكتاب، الذي جاء تحت عنوان: الفنون التشكيلية الشعبية البحرينية وجمالياتها، تناولت الشنو ماهية الفن الشعبي التشكيلي، من خلال الخزف بأنماطه وألوانه وعناصره، والحلي بأشكالها ومعادنها وطرق صياغتها والتطريز بألوانه وتقنياته وأشكاله... الخ.
كما تناول الكتاب بالتفصيل العناوين الآتية: الفن الشعبي فن وتطبيق، الهدف من دراسة الفن الشعبي البحريني، وأبرزت عدداً من الأهداف ومنها: إبراز الدور الحضاري للتراث الشعبي البحريني للناشئة، المحافظة على مكونات الثقافة الشعبية الأصيلة لمجتمع البحرين من الاندثار، أما الدواعي الاجتماعية فحصرتها في: الحاجة إلى تعميق ارتباط الناشئة بتراثهم الاجتماعي والثقافي الأصيل، وتعزيز التواصل المعرفي والقيمي بين الأجيال، فيما تمثلت الدواعي الوطنية في: تعزيز قيم المواطنة الأصيلة من خلال إثارة وعي الناشئة بدور الثقافة الشعبية في المحافظة على وحدة النسيج الاجتماعي البحريني وتماسكه، وتنمية قيم احترام التنوع الثقافي، وتقدير أهمية تعدُّد مظاهره في التعبير عن ثراء بيئات مجتمع البحرين الحضارية، إضافة إلى الدواعي المعرفية بمخاطر مجتمع العولمة وتحدياتها، والدواعي التربوية - التعليمية وتتمثل في: تمكين الطالب من تمثيل القيم والاتجاهات التربوية المتجذِّرة في ثقافته الشعبية، وإكساب الطالب مهارات البحث، والاستكشاف، والتوثيق المنهجي لخبرات الثقافة الشعبية.
وتناولت الباحثة العوامل المؤثرة في الفنون التشكيلية الشعبية البحرينية، ومنها الاقتصادية والجغرافية والتاريخية والنفسية، والثقافية الاجتماعية، والحياة الاجتماعية في المدينة.
في الفصل الأول أيضاً، تبحث المؤلفة الزخرفة الشعبية السائدة في السطوح المختلفة لعناصر التراث البحريني، من منظور سيسولوجي، وأنثروبولوجي، وثالث سيكولوجي، والأساليب التي ظهرت عليها الزخارف الشعبية البحرينية؛ كالحَز والقطع والتمشيط والتنقيط والتطعيم والنحت والألوان والتزجيج.
مواضع توظيف الزخارف
تتناول الباحثة في هذا الجانب مواضع توظيف الزخارف الشعبية في الحرف والصناعات التقليدية البحرينية؛ كصناعة الفخَّار، النسيج، بناء السفن وشغل الخشب، صياغة الذهب، إضافة إلى ظهور الزخرفة في الأبواب الخشبية البحرينية.
امتدت الزخارف إلى الرقصات الشعبية من خلال الملابس والأحزمة، وكذلك الأدوات المستخدمة في الصيد (المقناص)، والملابس الشعبية وما يرتبط بها تبعاً للبيئات والأعمار.
في الفصل الثاني من الكتاب، تتناول الشنو بعد التمهيد له، الزخارف الشعبية الخليجية، ومبادئ الزخرفة انطلاقاً من الأشكال، والمبادئ التي تقوم عليها الهندسيات في الزخرفة، وصولاً إلى الزخرفة الإسلامية وعناصرها في الفن الإسلامي، وأنواع الوحدات الزخرفية، وماهية التصميم وعناصره، ومن بينها، النقطة، الخط، المساحة، الحجم، واللون، وما يتفرع عنه من ألوان أساسية وألوان ثانوية، وما يعرف بالألوان الباردة، وتلك المُكمِّلة، وسياق الألوان، لتعود لإكمال عناصر التصميم التي تتحدد في الملمس، والفراغ.
وتبحث المؤلفة النظام البنائي للتصميم (إطار العمل الفني للمصمم)، والأسس التي يجب مراعاتها في تنظيم عناصر العمل الفني، من الشكل والأرضية، التوافق والتباين، والمحاور التي يبنى عليها النظام التصميمي.
الأسس الفنية للتصميم
تورد المؤلفة بتفصيل لكل أساس، أن من بين تلك الأسس، الوحدة في مجال التصميم، الاتزان، ويتفرع عنه: الاتزان المحوري، الاتزان المركزي، الاتزان الوهمي، ومن ذلك، الترابط، السيادة والتنوع، والتناسب.
وفي بحثها للقيم الفنية والجمالية المرتبطة بالتصميم، تشير إلى أنه عن طريق تنظيم علاقة العناصر بالأسس، الوصول إلى قيم جمالية، وأخرى وظيفية أو قيمة تجمع بينهما في التصميم، ومن القيم الجمالية التي يمكن تحقيقها في التصميم الفني: الإيقاع، التوافق، التباين، الحركة والتضاد.
وفي نهاية الفصل الثاني، تسلط الشنو الضوء على المعالجات الفنية المرتبطة بالتصميم، وارتباط تلك المعالجات بالفكرة والخامة ووظيفة التصميم المُنفَّذ، والمهارة المرتبطة بتلك المعالجة، موردة عناصر المعالجات التي تستخدم في التصميم ومنها: التخطيط، التكرار، الرسم بأنواعه، التلوين، والكولاج، مع تفصيل لكل منها.
واختتمت الباحثة كتابها بملاحق توضح أنواع الزخارف الشعبية في الفن الشعبي البحريني وتوظيفها في الإنتاج الفني.
يُذكر أن سميرة الشنو، عضو جمعية البحرين للفنون التشكيلية. تحمل شهادة الماجستير في مجال التربية الفنية، تخصص تصميم. تُحضِّر لدراسة الدكتوراه في المملكة المتحدة. شاركت في العديد من المعارض الفنية الداخلية والخارجية، وباحثة في التراث الشعبي وتوثيق تاريخ الفن التشكيلي في البحرين.
العدد 4583 - الأربعاء 25 مارس 2015م الموافق 04 جمادى الآخرة 1436هـ